أخبار الرافدين
كرم نعمة

كم ستستمر مقاومة المعادلة الصفرية؟

مع أن العراقيين لم يكفّوا عن إثارة الأسئلة عن واقعهم ومصيرهم، إلا أن أسئلة وجودية جديدة بدأت تتصاعد منذ أشهر في تلك البلاد التي لا تجد منذ 19 عاما غير رثاء نفسها.
أهمية الأسئلة اليوم، لا تقتصر على العراقيين وحدهم، بل أن لصوص الدولة، صاروا يسألون أيضا عن مصيرهم، بعد أن كانوا لا يأخذون أسئلة الشعب على محمل الجد، بما أنهم داخل سور الحكومة الافتراضية في المنطقة الخضراء، إلى درجة رأينا فيها صور نوري المالكي وهو يحمل سلاحه، ذلك المصير الذي لم يغب عن باله في يوم ما، حتى في أوج استرخائه على مال الدولة الوثير “إلا إذا كان غباؤه الشخصي يفوق تفاهته السياسية، ولا أرجح ذلك”.
من بين الأسئلة المتصاعدة ما يدخل في باب الأمنيات والتوقعات، وثمة أسئلة أخرى عن السيناريوهات المتاحة والمحتملة عما ينتظر العراق، وهو ما يمكن تشبيهه بذاك السؤال الذي أطلق في أوقات القلق وقبل أسابيع من احتلال العراق عام 2003: الى أين يمضي بنا العالم؟ واليوم يتحول السؤال إلى أين تمضي بنا العملية السياسية بعد أن خوت ودب في مفاصلها الوهن والارتخاء.
لكن يبقى السؤال الأهم بين حشد الأسئلة عن “المعادلة الصفرية” التي بموجبها يمكن استعادة العراق، وهو مفهوم سياسي يعبر بدقة عن شعار ثوار تشرين “نريد وطنا” الرافض للعملية السياسية برمتها ومحاسبة أحزابها الفاسدة.
من أجل الا يصل المصير السياسي لقادة وأحزاب تلك العملية الى تلك المعادلة، يحاولون، وهذه المرة بلغة الحوار وليس السلاح، لتهدئة الجذوة الوطنية المستعرة وعدم الذهاب بها الى درجة الانفجار، بذريعة أنها تدميرية ولا تمثل الحل، لأن البلاد لا تتحمل بناء عملية سياسية جديدة، بقدر استعدادها إصلاح نفسها. مفردة الإصلاح تتكرر كثيرا في خطب مقتدى الصدر، كان قد استخدمها من قبل إبراهيم الجعفري بتلفيق تأسيس “تيار الإصلاح”.
مع ذلك، بيد أن ما يجري اليوم يمثل اعترافاً متأخراً بالفشل السياسي يكسر صلفهم ووقاحتهم الطائفية، وهو أمر جيد لأنهم وصلوا إليه بعد 19 عاما.
لكنه في حقيقة الأمر، يمثل آخر دفاع عن بقائهم أكثر مما يمكن أن يكون حرصا على الحفاظ على سلمية المجتمع العراقي “ومتى حافظوا عليه؟”.
يتذرع لصوص الدولة بأن التغيير الوجودي للعملية السياسية لا يمكن أن يحصل إلا بالانقلاب العسكري أو الاحتلال الخارجي، وتلك مؤشرات مستبعدة في العراق اليوم. على المستوى الآخر يحذرون من استعادة التاريخ العراقي وفق مفهوم “السحل” لأنه أقرب الطرق لحرب طائفية مدمرة هذه المرة. “نحتاج هنا العودة الى تفسيرات عالم الاجتماع الراحل علي الوردي بشأن مفهوم السحل العراقي وعما إذا كان صالحا لمجتمع متغير أم لا”.
ويسوغ لصوص الدولة بشكل ساذج للمقاعد التي حصل عليها “المستقلون” في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ويرون أنها نوع من الأمل للحصول على المزيد منها مستقبلا وإزاحة الأسماء القديمة كي تُصلح العملية السياسية نفسها بنفسها. لكنهم يقفزون في ذلك على اتفاق العراقيين بما فيهم ثوار تشرين على مفهوم المُستقل في العراق اليوم! وعما إذا كان هامشا لغيره أم مجرد تسمية مقنّعة للدخول إلى وليمة سرقة الدولة المستمرة منذ عام 2003. فهل حقا يوجد ما يمكن تسميته بالمستقل تحت وطأة الأحزاب والميليشيات المسيطرة؟
وعندما يدفعون باتجاه “العملية الديمقراطية” عبر الانتخابات باعتبارها أفضل الحلول الآمنة، فانهم ليسوا آباء رحومين للديمقراطية وحريصين على الوطنية، بقدر المحافظ على بقائهم بطريقة او بأخرى بتزييف ديمقراطي مارسوه كل تلك السنين.
ذلك يكشف لنا ذريعة مقتدى الصدر الزائفة عن حكومة الوحدة الوطنية، فهو في حقيقة الأمر لا يمكن أن يتخيّل حكومة جديدة في العراق لن يكون جزء منها. كما يكشف لنا شعور نوري المالكي بأنه لم يعد سوى ورقة محروقة لن ينتظر طويلا لمشاهدة كيف تذروها رياح التغيير العراقية.
الصدر والمالكي، مثالان متميزان عن بقية قوى العملية السياسية، الذين يريدون الدوران حول الفشل لإيهام العراقيين من جديد أنه أفضل طرق النجاة، بل يدفعون باتجاه أن لا خيار أمام العراقيين غير إصلاح العملية السياسية وليس هدم المعبد على رؤوس مشيديه، بعد اعترافهم المتأخر بخواء هياكل هذا المعبد الطائفي.
لكنهم في عملية الضحك على الذقون تلك، لا يجيبون على أبسط سؤال عما إذا كان على مر التاريخ يمكن اشتقاق معادلة نجاح من الفشل نفسه، بغير تغيير المعادلة نفسها.
فعندما تمزق دولة بسبب الفوضى، فأنه لا يمكن العثور على خلاف، إلا بحدوده الأدنى، بشأن الحاجة الى قيادة جديدة. لذلك لا يختلف العراقيون على التغيير اليوم، بقدر خلافهم على استمرار اللائذين بالمعبد الطائفي. قبل محاسبتهم قضائيا.
بعد أسابيع من تشكيل مجلس الحكم المنحل عام 2003، حاولت برباطة جأش غاية في الصعوبة أن أعلو حيادي الصحفي على عراقيتي المحتلة، وأسأل أحد أعضائه في لندن عما ينتظر العراق قال “لن تقوم لنا قائمة بعد نصف قرن”!
مازال حياً بعد مات المجلس المنحل مع أغلب أعضائه ووهنت العملية السياسية التي شيدها مجلس الحكم على أنقاضه الطائفية، ويدافع اليوم العضو السابق في مجلس الحكم المنحل عن الخواء السياسي، وها قد مضى 19 عاما على جملته المتشائمة، فيما الانهيار الوطني والاقتصادي مستمر. فلماذا يرفض البعض المعادلة الصفرية لاستعادة العراق المخطوف من لصوص الدولة.
هناك مزيج من جرائم القتل على الهوية وفساد مهول وتبعية خارجية لما اسماهم الصحفي البارع روبرت وورث في صحيفة نيويورك تايمز، بلصوص الدولة. سيقودنا كل هذا المزيج إلى أن “المعادلة الصفرية” بوصفها حلا جذرياً لاستعادة الدولة المخطوفة. لكن كيف يتم ذلك، وما أصعبه؟
لا أرى أن العراقيين سينتظرون كثيرا ليكونوا شهوداً وفاعلين لحظة انفجار قِدر الضغط الكاتم، لأن السؤال الذي رافقهم منذ أن هتكت أول دبابة أمريكية عراقية جسر الجمهورية “هل نحن مختلفون إلى هذا الحد؟” سيتغير إلى سؤال مختلف كليا، بطريقة لماذا لم نكتشف أنفسنا قبل هذا الوقت، وتحمّلنا وحملنا العراق معنا كل تلك الخسائر والدموع!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى