أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

بلاد النهرين في طريقها لتصبح دولة لا زراعية

افتقار الحكومة في بغداد إلى الاستراتيجيات لمواجهة الجفاف والتصحر يدفع ثمنها المزارع العراقي بفقدان مائة ألف دونم سنويا.

بغداد – الرافدين
حذرت تقارير اقتصادية دولية وخبراء بيئيون، بأن العراق مرشح أن يصبح دولة لا زراعية في غضون سنوات قليلة، أثر الإهمال الحكومي والافتقار الى الاستراتيجيات، وبسبب التصحر والجفاف.
وحملت تقارير دولية وخبراء اقتصاديون الحكومات المتعاقبة على العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، مسؤولية ما يحصل للعراق في القطاع الزراعي، بعد أن كان يسد احتياجاته من القمح والرز والخضروات منذ سبعينات القرن الماضي.
وقالت إن الجفاف المائي الخطير ليس تغيرًا مناخيًا يمكن الاستسلام له، إنما يجري بسبب السياسات الخاطئة والفادحة التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة.
وعزت السبب الرئيس للجفاف والتصحر هو التعدي الصارخ لإيران من خلال قطع أكثر من 45 رافدًا وجدولًا تغذي الأنهار والأهوار.
وذكر تقرير صادر من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن العراق بحاجة إلى أكثر من 5 ملايين طن من الحبوب سنويًا لاسيما القمح لسد احتياجاته المحلية.
وأوضح البرنامج الأممي، أن الجفاف الشديد وأزمات المياه المتكررة في العراق تهدد سبل العيش لأصحاب الدخل المتوسط والمحدود، مؤكدة أن هناك نزوحًا أكبر بعشر مرات في جميع أنحاء العالم بسبب تغير المناخ والصراعات والأوبئة.
وكانت مؤشرات الجفاف الأولى قد ظهرت عند نهر ديالى الذي يغذي عبر إمداداته نحو 18 بالمائة من خزين نهري دجلة والفرات، ما تسبب بهلاك آلاف الدونمات الزراعية من البساتين الممتدة على الجانب الشرقي من البلاد.
وسبق وأن كشفت مراكز ومؤسسات بحثية مختصة بخصوبة التربة والتغيرات المناخية، أن العراق يخسر نتيجة الجفاف وانحسار المياه نحو 100 ألف دونم سنويًا.
وتأتي الأزمة المائية نتيجة تحويل إيران لمسارات الأنهر والجداول المغذية، وتحويلها إلى داخل الأراضي الإيرانية، وهي من أهم الاستراتيجيات التي عملت عليها طهران خلال السنوات الماضية بتسهيل من الحكومات المتعاقبة في بغداد. بغية رفع تصدير المحاصيل الزراعية الايرانية إلى العراق.
وذكر تقرير لمؤسسة “المجلس الاطلسي” الأمريكية أن نحو 71 في المائة؜ من الأراضي الزراعية في الهلال الخصيب بالعراق باتت مهددة بالتصحر بسبب تغير المناخ.
وأدى هذا الاختلال وتناقص الواردات المائية السنوية ضمن الأراضي العراقية الى حدوث آثار بيئية واقتصادية واجتماعية خطيرة بما في ذلك جفاف حوالي 65 بالمائة من مساحات مناطق الأهوار جنوبي العراق، مع استمرار تدهور وضياع الأراضي الزراعية الخصبة إلى التصحر وانحسار الغطاء النباتي الأخضر وغابات النخيل من المنطقة والسهول الفيضانية للنهرين في العراق.
كذلك أدى هذا الانخفاض في الواردات المائية الى زيادة تكرار أيام العواصف الترابية لأكثر من 220 يومًا في السنة بينما كانت 24 يومًا لغاية التسعينات من القرن الماضي.
وتجاهلت الحكومة في بغداد مشكلة الجفاف وتدهور القطاع الزراعي والثروة الحيوانية والسمكية رغم التقارير المثيرة للقلق من وكالات الأمم المتحدة وخبراء البيئة.
وشككت صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير سابق لها في قدرة الحكومة في العراق وشركاء العملية السياسية الغارقين في الفساد، على معالجة المشكلة خاصة وان وزارة الموارد المائية اعترفت بان العراق سيصبح غير صالح للعيش بحلول عام 2040.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية خطورة الأوضاع عقب انخفاض مستوى التدفق التراكمي لنهري دجلة والفرات إلى أكثر من النصف، ما تسبب باتساع رقعة التصحر إلى نحو 39 بالمائة من مساحة البلاد فيما طغت الملوحة على 54 بالمائة من الأراضي الزراعية وهو ما بات يهدد 7 ملايين عراقي في أن يكونوا نازحين.
وسبق وأن أكد مستشار وزير الموارد المائية عون ذياب، أن “الخزين المائي المتاح هو أقل بكثير مما لدينا في العام الماضي لكونه انخفض بنسبة 50 في المائة بسبب قلة الأمطار والواردات القليلة من دول الجوار”.
وطالب الأكاديمية العراقية الدكتورة سعاد العزاوي، بوضح الحلول لما وصفته بالوضع الخطير الذي يتطلب أن تقوم كافة الأطراف وأولها الدولة بالبدء بمجموعة حلول وإجراءات جدية لإيقاف هذا التدهور الذي يُنبئ بحدوث كارثة لمستقبل العراق البيئي والسكاني والاقتصادي.
وكتبت العزاوي في مقال بموقع قناة “الرافدين” أن من جملة الحلول “توقيع بروتوكولات تقاسم الحصص المائية بين الدول المتشاطئة بين حوضي دجلة والفرات وشط العرب وإنهاء مشاكل الإهدار والتسرب من الشبكات وإكمال مشاريع بزل الأراضي الزراعية والري بأساليب وتقنيات حديثة مثل الرش والتنقيط”.
ودعت إلى، سن قانون استخدام الثروة المائية السطحية والجوفية في العراق والحفاظ عليها وصيانتها وضمان تنفيذه بعقوبات وغرامات تتناسب مع طبيعة الخروقات والتجاوزات.
وأشارت إلى، ضرورة قيام منظمات المجتمع المدني والإعلام والمؤسسات التعليمية والتربوية بتنفيذ حملات توعية عن أهمية وإجراءات تقنين استخدامات المياه في حياة السكان اليومية.
ومنذ ثلاث سنوات تتفاقم أزمة الجفاف في البلاد على وقع شح الأمطار وانخفاض مناسيب مياه دجلة والفرات إلى دون النصف من حجم إيراداتها السنوية.
وعلى إثر انخفاض مناسيب المياه في الأنهر الرئيسة والجداول الفرعية، اضطر العراق وللموسم الزراعي الثاني إلى تقليص المساحات المزروعة وحصرها ببعض الغلات الأساسية من الحنطة والذرة وبعض المحاصيل الأخرى.
وأشار ذياب إلى أن “العراق يمر بظروف صعبة والمساحات الزراعية قليلة وهذا العام استطعنا بشق الأنفس الحصول على أكثر من مليوني طن حنطة وهذا قليل وغير كافٍ إذ نحتاج إلى أربعة ملايين و500 ألف طن سنوياً وبالتالي لا بد من زيادة المساحات المزروعة”.
وبات المزارع العراقي يراقب بخشية وقلق محاصيل القمح التي تراجعت مع نقص المياه، ولا سيما مع ارتفاع تكاليف الجفاف، فضلًا عن القطاع الزراعي المرهق، والذي يترافق مع تغيرات مناخية تغير حياة العراقيين من التصحر والعواصف الترابية إلى انخفاض مستويات الأنهار، وسط تقلبات الأسعار وخاصة عقب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال أكرم أحمد رسول مدير عام السدود السابق وخبير المياه، إنّه “لا توجد أي عمليات حكومية لمواجهة الجفاف مع خسارة الفلاحين مواردهم وتقليل المساحات المزروعة”.
وأشار إلى أنّ “مشكلة المياه ترجع إلى عدم وجود عمل إستراتيجي وتطبيقه على الأرض، رغم وجود دراسات معدة من أطراف دولية، إلا أنها لا تطبق”.
ولفت خبير المياه، إلى أن “الحكومة لم تستمع إلى كل الإنذارات التي وجهت عبر مؤتمرات وندوات وخاصة من وزارة الموارد، ولا سيما مع التأكيد على ضرورة بناء السدود والقنوات واستيراد أجهزة تقنية حديثة وعمل مشاريع لتصفية مياه المجاري بغرض السقاية وأغراض أخرى”.
ويعتمد العراق بنسبة تتجاوز الـ80 بالمائة على مياه نهري دجلة والفرات في ري الأراضي الزراعية وتأمين مياه الشرب، فيما تشكل مياه الأمطار والآبار الارتوازية ما نسبته 15 بالمائة، أما البقية فتأتي من المياه الجوفية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى