أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدين

الدكتور مثنى حارث الضاري: قيادة التيار الصدري لا تحسن العمل السياسي

مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين يؤكد أن إيران تقدم طرفًا على حساب آخر تبعًا لأهدافها وسعيًا لتحقيق مصالحها ومكاسبها في العراق.

عمان- الرافدين
قال مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور مثنى حارث الضاري أن قيادة التيار الصدري لا تُحسن العمل السياسي لكونها غير مؤهلة لذلك، فضلًا عن ادعائها الاعتزال وترك العملية السياسية بين حين وآخر لكنها تعود مرة أخرى بموجب توافقات وتفاهمات في إطار المحاصصة القائمة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة غير مهتمة بما يجري في العراق لأسباب متعلقة بمشاكلها الداخلية، إلا أنها منحت الضوء الأخضر لدول أخرى للتوسط والتقريب بين وجهات النظر بين المتصارعين على السلطة، من دون أن تنجح هذه الدول في تحقيق أي تقدم.
وكشف الدكتور الضاري عن اجتماع رباعي التئم في بغداد بعد اقتحام أنصار التيار الصدري للقصر الجمهوري، بين وفد إيراني وآخر عربي، ووفود تمثل الإطار التنسيقي وحزب الله اللبناني، وأدار هذا الاجتماع السفير البريطاني في بغداد من أجل حلحلة الأمور.
وأوضح الدكتور الضاري في محاضرة أقامها مجلس الخميس الثقافي في ديوان هيئة علماء المسلمين في العاصمة الأردنية عمّان، أن انسحاب التيار الصدري من البرلمان كانت خطوة مفاجئة لكثيرين، ولكنها كانت في سياق الضغط على الطرف الآخر، لأن الاستقالات وإن كانت موقعة من رئيس ما يسمى بمجلس النواب ولكنها لم تأتِ وفق السياقات التي توافقوا عليها، هذا أولًا، وثانيًا، لا يوجد شيء نهائي في العراق في ظل العملية السياسية، لأنه لا توجد قواعد حقيقية حاكمة، ولا يوجد نظام سياسي يحترم مجلس النواب، ولا توجد حياة سياسية حقيقية، وفي النتيجة لا توجد مواقف أخيرة للقوى السياسية، لأن هناك أطرافًا خارجية وداخلية داعمة ومؤيدة، تحاول إعادة الأمور إلى نصابها كلما تداخلت.
ووصف انسحاب نواب التيار الصدري بورقة ضغط لم تنجح، وإنما صَبَّت في مصلحة الإطار التنسيقي عندما جمع أكبر عدد من النواب لتشكيل كتلة أكبر، عن طريق انشقاقات أو ما يُسَمَّون بالمستقلين أو ما إلى ذلك.
وأوضح أن التيار الصدري يقرأ هذه الأمور والقراءة واضحة ويسيرة للجميع، لكن المشكلة في طريقة المعالجة، انسحاب من البرلمان واستقالات أعطت نقطة لصالح الإطار، ليأتي بعد ذلك موضوع التسريبات، حينئذ عادت الأمور إلى نصابها نوعًا ما، وحققت توازنًا بين الإطار والتيار، فأصبحت الكفة الأقوى لصالح التيار بعد فضيحة التسريبات، بل إن الناس بدأوا يتحدثون عن أن نوري المالكي قد أصبح في خبر كان، وقالوا لن يستطيع أن يعود، وإذا بنا نُفاجأ بخطوة غير محسوبة لقيادة التيار الصدري بدخول مجلس النواب، اعتصام، ثم اقتحام، ثم استقرار، ثم أحداث القصر الجمهوري الذي أجج الأوضاع بعد بيان كاظم الحائري، لتعود الأمور إلى نقطة الصفر فاحتاجت الأمور إلى نوع من التحريك من هنا وهناك. النتيجة أن الفتنة لم تتوسع، والمشكلة لم تكبر، ولكن لم توقفت؟ هنا يأتي الدور الإيراني في تفسير ما حدث.
ووصف الدكتور الضاري بيان الحائري بغير العادي كما جرى من قبل في بحث العلاقة ما بين الحائري ومقتدى الصدر، لكن الحائري هذه المرة فك العلاقة تمامًا، ما جعل التيار الصدري بلا مظلة شرعية، ففي مذهب الإمامية لا بد من وجود مظلة شرعية للأتباع وهي مظلة المجتهد فإن كان مقتدى الصدر غير مجتهد، فلا بد من مجتهد يُقَلَّد أو يُتابَع بناءً على وصية محمد صادق الصدر بمتابعة الحائري.
وتساءل مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين “إذا سحب الحائري ذلك، يكون التيار الصدري بلا مرجعية شرعية، وهذه نقطة مهمة وكبيرة جدًا وحساسة في التراث الشيعي الإمامي، وتستخدمها الكثير من الأطراف السياسية لإضعاف الأطراف الأخرى”.
وأوضح “أصبحنا الآن أمام تيار كبير عريض جدًا، مرجعيته الدينية تسحب اعترافها بقيادته، وأنها غير مؤهلة وغير قادرة على القيادة، لأنها فاقدة لشروط الاجتهاد. إذن لن يكون هناك مجالٌ إلا لإثبات العلمية من خلال طريقة أخرى وهذا غير متوفر الآن”.
ووصف ما حصل بخطوة محسوبة بدقة لسحب البساط من تحت أقدام التيار الصدري فيما يبدو، بعد أن وصل الإيرانيون إلى قناعة أن بإمكانهم التدخل الآن.
وقال “هكذا أوعز الصدر للجميع بالخروج من القصر الجمهوري ومجلس النواب ووقف أي أعمال للاشتباكات وما إلى ذلك، بل قدم الاعتذار، في الخطاب الذي رأيتموه والذي كانت سمة الارتباك فيه واضحة، والأصل فيه حفظ الدماء واتقاء الفتنة وما إلى ذلك”.
وأضاف سبق وأن انسحبت قيادة التيار الصدري من العملية السياسية، في آب عام 2013، وفي شباط من عام 2014، وفي آذار من عام 2016، وفي تموز من عام 2021، وتكرر الانسحاب مرة أخرى في آب من 2022، ما يعني أن هناك خمس مرات انسحاب من قبل التيار الصدري انتهت بالتراجع والعودة، وبانتظار ما يحصل اليوم.
وشدد الدكتور الضاري في قراءته لما يحدث في العراق على أنه لا يمكن للتيار الصدري أن يغيب عن المشهد، بحكم القاعدة العريضة التي يمتلكها، ولأنه يحسب على القوى السياسية الشيعية الداخلية وليست من القوى الطارئة التي جاءت من خارج العراق.
وعزا ذلك إلى أن محددات النظام السياسي بعد الاحتلال قامت على أساس التوافق بين المكونات العراقية، بغض النظر عن الظلم الحاصل في نسب هذه المكونات. إضافة إلى التوافق بين هذه المكونات داخل القوى السياسية، وداخل المكون الشيعي، وداخل المكون العربي السني، وداخل المكون السني الكردي.
وأجاب الدكتور الضاري في المحاضرة، على حزمة أسئلة متعلقة بسؤال “ماذا جرى في بغداد” بعد تظاهرات وانسحاب أنصار التيار الصدري والقتال مع ميليشيات الإطار التنسيقي.
وقال “التوقعات كانت كثيرة، والبلاد على كف عفريت في تلك الليلة، وهذه من مساوئ النظام السياسي القائم في العراق الذي يصنع الأزمات، ويهدد البلاد والسلم المجتمعي ويؤدي إلى الاحتراب بين مدة وأخرى”.
وحمّل مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين القوى القائمة المهيمنة على الحكم منذ ساعة الاحتلال وحتى اللحظة، مسؤولية ما حصل، مؤكدًا على أن كل المشاكل في العراق ناشئة من جراء هذا الاحتراب، عندما تطور الخلاف السياسي وأصبح صراعًا على السلطة.

مجلس الخميس الثقافي
ماذا جرى في بغداد؟
وقال “ذلك ليس مفاجئًا للكثير منا، وسبق لنا في هيئة علماء المسلمين وفي القوى الوطنية المناهضة للاحتلال أن استشرفنا هذا الموضوع منذ سنوات الاحتلال الأولى، وقلنا بعبارة واضحة أن العملية السياسية التي هي نتيجة لهذا النظام القائم في ظل الاحتلال ستؤدي بالعراق إلى ما لا يُحمد عقباه، وهذا ما يحصل”.
وشرح مسؤول القسم السياسي طبيعة العلاقة الرابطة بين التيار والإطار التنسيقي من جهة، ونظام الولي الفقيه في إيران من جهة أخرى، مشيرًا إلى أن ما يجري على الأرض من صِدام بين قوى وميليشيات الطرف الأول هو انعكاس لحجم النفوذ والتغول الإيراني وتحكم طهران بالمشهدين الأمني والسياسي في العراق، حيث إنها تقدم طرفًا على حساب آخر تبعًا لأهدافها وسعيًا لتحقيق مصالحها ومكاسبها.
وأوضح “الأزمة السياسية الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة التي حظيت لأول مرة بهذا الكم الكبير من العزوف الشعبي عنها، والذي طعنها طعنة نجلاء، أضرت بالنظام السياسي وسحبت الشرعية من القوى التي تقود هذا النظام أو تدعي أنها قد رسخت هذا النظام، وأنه بفضل الدستور وما إلى ذلك قد أصبح أمرًا لا يمكن تجاوزه”.
وأضاف “وإذا بالشعب العراقي بعد مقاطعة كبيرة للانتخابات التي سبقت الانتخابات الأخيرة يعود ليرسخ هذه المقاطعة بنسبة تكاد تبلغ 85 بالمائة بغض النظر عما يقولون، ولكن هذه الأرقام التي أعلناها في الهيئة بناءً على متابعتنا لإحصائيات ومعلومات لعدة جهات دولية فضلًا عن قراءتنا للمشهد”.
وأوضح “لقد اعترفوا بالمقاطعة عندما اشتدت الأزمة، لعلكم لاحظتم أن نوري المالكي قد اعترف أن هذه الانتخابات لم يشارك فيها إلا 20 بالمائة، بينما كانوا يدعون أن نسبة المشاركة هي 40 بالمائة، أي أنهم عندما اختلفوا ظهرت الحقائق، وهذه هي العادة عندما يختلف اللصوص تظهر المسوغات”.
وقال الدكتور الضاري في المحاضرة “كان لا بد من إعادة ترتيب المشهد بما يحقق استمرار العملية السياسية وعدم الإضرار الكبير بها، فالضرر الصغير والمتوسط حاصل. وبالتالي التوافق من أجل نسب معينة، وهكذا بدأت الوساطات الخارجية والداخلية والسعي من أجل حسم الأمور، ولكن كما تعلمون أن النظام السياسي في العراق غير مستقل”.
وسلّط المحاضر الضوء على طبيعة النظام السياسي القائم في العراق، وخضوعه للإرادات الخارجية المتحكمة به ولا سيّما الولايات المتحدة وإيران، مشددًا على أن ما يطفو على السطح من خلافات ونزاعات بين الأحزاب والميليشيات لا يخرج عن نطاق السيطرة والتحكم، واستشهد على ذلك بالأحداث الأخيرة والسيناريوهات التي جرت فيها، والمآل الذي وصلت إليه بعد الانسحاب المرتبك للتيار الصدري والتخبط الذي مارسته ميليشياته.
وشدد بقوله إن النظام السياسي في العراق تابع لإرادات دولية وإقليمية، إرادة الولايات المتحدة الأمريكية وهي المحتل الأول للعراق وإرادة إيران المحتل الثاني للعراق، ومن حولهما دول من هنا وهناك. وما يسمى بالمجتمع الدولي لا يستطيع أن يقدم على خطوة ما في العراق إلا إذا أذنت له الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف الولايات المتحدة مشغولة بأمور كثيرة جدًا، منها مشكلتها الداخلية حول وضع رئيسها الحالي الذي هوجم كثيرًا، ولم يجدوا له حلًا، فالرجل كبير السن ويقع في أخطاء محرجة للنظام السياسي فتحت أبوابًا للسجال بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فضلًا عن مشاكل أخرى منها مشكلة الصين وتايوان، كذلك مشكلة المفاوضات النووية مع الجانب الإيراني، وقضايا أخرى في العالم.
وأكد الدكتور الضاري على أن الجانب الأمريكي غير مهتم بما يجري في العراق، وهذا ليس بجديد، فقد اعتدنا عليه لسنوات سابقة، فقد كانت قضايانا تؤجل وتوضع على الرف، وأصبحت آخر ما تهتم به الإدارة الأمريكية. لأن المشاكل كثرت بعد مشكلة العراق، ففي كل مكان هناك مشكلة، فما بالك بالشرق الأوسط وما يجري فيه بين كتلة وأخرى، ومتطلبات الكيان الصهيوني وما إلى ذلك.
وأوضح “أمريكا منسحبة، لكنها تحافظ على وجودها في العراق، وعلى سياسة التوازن مع إيران، لكنها غير مهتمة لما يجري فيه، وعندما تفرغ تلتفت إلى العراق”.
في أثناء ذلك تدخلت أطراف دولية بالاتفاق مع الجانب الأمريكي للقيام بهذا الدور، مما يعني أنها أُعطيت الضوء الأخضر للتصرف في الساحة العراقية للتقريب بين وجهات النظر، كما كان يحدث سابقًا بأن يُعطى الضوء الأخضر لهذه الدولة العربية ولتلك الدولة المجاورة الإقليمية وما إلى ذلك. وهذه أيضًا وصلت إلى طريق مسدود.
وانتقد حكومة بغداد الحالية العاجزة عن فعل شيء يوازي ما تقوم بها الميليشيات وأحزاب الطرفين المتصارعين، بالإضافة إلى نقده أحزابًا سياسية أخرى لا وزن لها في المعادلة وليست لديها بضاعة سوى التصريحات الناعمة التي تتماشى مع الحرص على إبقاء العملية السياسية قائمة رغم فشلها الواضح والجلي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى