أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

الأسئلة الأهم في اقتتال الميليشيات في المنطقة الخضراء

توقف الاشتباك المسلح بين ميليشيات الحشد وميليشيا سرايا السلام في المنطقة الخضراء وسط بغداد وبدأت مرحلة طرح الأسئلة لفهم ما جرى والبحث في نتائج المعركة ومؤثراتها المستقبلية، في محاولة تفسير حركة سير الصراع. هناك تساؤل أولي بشأن الخطط التي جرى اعتمادها من قبل الطرفين بما جعل الصراع يجري بالطريقة التي رأينا جانبًا منها ولم نر الجانب الآخر.
كانت الخلافات بين الطرفين قد بلغت ذروة التأزم ولم يعد هناك منفذ تفاوضي للخروج منها فقرر الطرفان الدفع بعوامل جديدة أو تغيير نمط حركة الصراع للانتصار على الآخر.
كانت ميليشيات الإطار التنسيقي قد نجحت في إفشال محاولة الصدر تشكيل الحكومة، فاندفع إلى خارج البرلمان. وكان الصدر قد التف وصادر حركة البرلمان إذ أرسل جمهوره وميليشياته للسيطرة على المقر فأفشل محاولة الإطار تشكيل الحكومة.
قرر الطرفان تغيير المعادلة القائمة. لجأ الصدر للقضاء طالبًا حل البرلمان، واندفع لزيادة الضغط فسيطر بجمهوره وميليشياته على مبان تنفيذية جديدة- ما يعني استمرار اتجاه حركته- فيما قرر الإطار التنسيقي تغيير المعادلة عبر جر الصدر للاقتتال.
استدرجت ميليشيات الإطار التنسيقي ميليشيات الصدر للاشتباك وقامت الخطة –كما أظهرت الأحداث-على إخفاء دور ميليشيات الإطار وإظهار دور سرايا السلام بمظهر من بدأ استخدام السلاح والاشتباك مع قوات الأمن الحكومية، لتسهيل اتهامه ومطاردته سياسيًا تحت عنوان الخروج على الدولة والدستور والنظام ولحشد القوى والتيارات المستفيدة من العملية السياسية ضد الصدر.
تحركات نوري المالكي وقيس الخزعلي وفالح الفياض تشي بهذا الاحتمال. تحرك الفياض بالميليشيات فاصطنع معركة وهمية وخرج يعلن عنها ضد عناصر من داعش ليقول إن قوات الحشد هناك على جسور المعركة الطائفية. كان الهدف شد العصب الطائفي وأخذ انتباه الجمهور المستهدف والإعلام باتجاه آخر للتعمية على التحرك الرئيس باتجاه أنصار الصدر.
وامتنع المالكي والخزعلي عن حشد ميليشياتهم علانية في أماكن الاقتتال وأوعزوا لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بالتركيز على عناصر التيار الصدري بشقيها العسكري والسياسي -إلى درجة كأنهم يقاتلون أشباحًا- ثم جرى ملأ الفراغ في الرواية، بإضافة اسم القوات الأمنية الحكومية، وهو ما تنبهت له أوساط الصدر لاحقًا، لكن متأخرًا، إذ باتت تتحدث عن اقتتال مع جهاز أمن الحشد.
وتشي بذلك تصرفات الصدر نفسه، فهو كان قد تحرك مسرعًا بإرسال ميليشياته، بناءً على هذا الاستدراج، فقد تراجع بسرعة لافتة في عشوائيتها وتوترها، إلى درجة الحديث عن الاعتزال وتغيير موقفه حتى من المظاهرات السلمية.
لقد جرى استدراج الصدر لمعركة تمكن خصومه خلالها من إعادة توصيف الصراع، فتحول الصدر من راغب في الانتخابات وتشكيل حكومة أغلبية، إلى معتد بالسلاح على مؤسسات الدولة.
والتساؤل الكبير الثاني الذي طرحته اشتباكات المنطقة الخضراء يدور حول نموذج ممارسة وإدارة الصراع.
لقد رأينا صراعًا بين نموذج الميليشيات المسلحة التي تعتمد العمل العسكري محورًا أساسيًا لتحقيق أهدافها، وتغطي نشاطها بغطاء حزبي هش أو دعائي “المالكي والعامري والخزعلى” ونموذج حركة الأتباع الذين يجري الدفع بهم وإدارتهم، وفق نموذج الفوضى المنظمة أو المتحكم فيها مع وجود ميليشيا قادرة على حمايتهم “نموذج الصدر”.
لقد جرى الصراع بين نموذجين لا بين قوتين فقط. أنزل الصدر جمهوره محميًا بسرايا السلام فسيطر على البرلمان وزاد الأعداد حين حركهم للسيطرة على مؤسسات أخرى لزيادة الضغط، وحرك المالكي والخزعلي والعامري جمهورًا قليل العدد، وحين قرروا بدء الاشتباك العسكري سحبوا جمهورهم في دقائق معدودة. رد الصدر بإرسال ميليشياته بأعداد أكبر لكنه أيقن أن جمهوره سيتعرض لمذبحة فتراجع فورًا وغطى انسحابه بالاعتزال.. إلخ.
فهل انتصر نموذج الميليشيات المنظمة وانهزم نموذج الحراك الجماهيري المحمي بسلاح الميليشيا أم أننا لم نبرح بعدُ بداية هذا النمط من الاشتباك؟ وهل يعزز الصدر حركته باتجاه مزيد من العسكرة أم يتوسع في الحشد الجماهيري دون سلاح ظاهر؟
تساؤل كبير ثالث طرحته معركة الميليشيات بالخضراء يتعلق بقضية مرجعية التيار الصدري مستقبلًا. كانت الضربة التي أفقدت الصدر توازنه، ودفعته لاتخاذ قرار المواجهة بالسلاح ما جرى من انسحاب كاظم الحائري، الذي طالما جرى النظر له باعتباره مرجعًا للصدريين بتوصية من محمد صادق الصدر.
لم ينسحب الحائري فقط، بل نقل مرجعية تابعيه إلى خامنئي الذي يقلده ويتبعه الإطار التنسيقي ما أنهى تميز التيار الصدري على صعيد المرجعية كان الصدر يتغطى بالحائري لعدم بلوغه مرتبة المرجعية وبانسحابه طرحت أسئلة عدة حول مصير التيار الصدري.
لقد انفتحت أوضاع شيعة العراق على تساؤلات مهمة حول الصراع بين مرجعيات النجف وقم، لكن الأسئلة الأكثر عملية تدور الآن عن احتمالات حدوث انقسامات داخل المنتمين للصدر بين من سيقبل بإحالة الحائري المرجعية لخامنئي وبين من سيرفض، وتدور طريقة خوض الصدر معركة تنحي الحائري.
لقد أعلن الصدر أن الحائري تنحى عن المرجعية دون إرادته، كما أعلن اعتزاله التام، دون توضيح طريقة تحركه مستقبلًا.
هل يحول الصدر نفسه إلى راع لحركة سياسية جماهيرية دون حديث عن وضعية المرجعية للتغلب على الوضع الراهن؟
وفي كل ذلك يبقى السؤال الأهم هو: ماذا استفاد العراق وماذا خسر؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى