عراقيون يتهكمون على مزاعم القضاء بمحاسبة المالكي على جرائم التسريبات
خبير قضائي: لا يمكن الوثوق بالقضاء العراقي عندما يتعلق الأمر بفساد وجرائم القادة السياسيين منذ عام 2003.
بغداد- الرافدين
تهكم عراقيون على تصريحات مصدر مخول في القضاء العراقي زاعما أن التحقيق الذي فتحه مجلس القضاء الأعلى، بشأن التسريبات الصوتية لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي. مازالت مستمرة.
ويرى عراقيون أن القضاء بوصفه هامشا لعملية سياسية فاسدة منذ عام 2003، لم يجد غير أن يكرر حد الابتذال كلمات متشابهة في كل قضايا الفساد والقتل على الهوية من أجل استغفال الرأي العام.
وقالوا “أن القضاء الذي يزعم أنه يحقق بجرائم المالكي في القتل على الهوية وفساد تبذير ثروة العراق، لم يستطع منذ عام 2003 أن يقود أيا من كبار رؤوس الفساد الى المحاكمة العادلة، فكيف به أن يحقق العدالة العراقية مع المالكي كبير الفاسدين”.
وزعم مصدر قضائي في تصريحات صحفية إن “التحقيقات مازالت قائمة وفق الإجراءات القانونية والاصولية، وهذا الملف لم يغلق”.
وقال ان “هناك جهات كثيرة متخصصة تشارك في هذا التحقيق للوصول الى الحقائق، وليس هناك أي ضغوطات تمارس على الجهات القضائية، لإغلاق هذا الملف، بل هناك عملية قانونية تسير عليها جهات التحقيق لإعلان النتائج في القريب العاجل”.
وكان مجلس القضاء الأعلى قد أعلن في التاسع عشر من حزيران الماضي، أن محكمة تحقيق الكرخ تلقت طلباً مقدماً إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص التسريبات الصوتية.
ولا يأخذ العراقيون على محمل الجد تصريحات المصدر القضائي بشأن محاكمة المالكي على ما أعترف به في التسريبات الصوتية، ويرون أنها مجرد عبث إعلامي مثل ما حصل في كل قضايا الفساد الكبرى، متهمين مجلس القضاء الأعلى بأنه شريك فاعل ومتواطئ مع كبار رؤوس الفساد في الأحزاب والقوى والميليشيات المسيطرة على العملية السياسية.
وأستبعد خبير قضائي عراقي أن يتم محاسبة زعيم حزب الدعوة نوري المالكي بتهمة “المساس بالأمن القومي العراقي والتحريض على الفتن والاقتتال الطائفي”، بعد التسريبات الصوتية المتداولة التي هدد فيها المالكي بمهاجمة النجف، متحدثا عن حرب طاحنة لا يخرج منها أحد، وأنَّه أعد العدة من خلال تسليح 15 تجمعاً لمواجهة ذلك.
وقال الخبير العراقي المقيم في العاصمة الأردنية عمان، لا يمكن الوثوق بالقضاء العراقي عندما يتعلق الأمر بفساد وجرائم القادة السياسيين منذ عام 2003.
وتساءل الخبير القضائي في تصريح لقناة “الرافدين” مفضلا عدم ذكر اسمه بسبب حساسية وظيفته الدولية، عن حزمة الجرائم التي ارتكبها المالكي من قبل، من إدارة الحرب على الهوية إلى التفريط بمدن عراقية، حتى هدر أكثر من مئتي مليار دولار من خزينة الدولة بعمليات فساد مكشوفة.
وقال “كلها جرائم كبرى كان على القضاء العراقي أن يقوم بدوره التاريخي المشرف ومحاسبة المالكي، لكن ذلك لم يحدث، فكيف يمكن توقع جر المالكي للمحاكمة على تسريبات صوتية حقيقية تكشف طريقة تفكيره السياسي والطائفي”.
وشدد الخبير القضائي العراقي الذي أصدر 12 مؤلفا في القانون الدولي باللغتين العربية والانجليزية، على أن التوقعات بنظر القضاء العراقي دعوة قدمهما محاميان طالبا فيها بالتحقيق في التسجيل الصوتي المسرب عن حديث المالكي، لأنه يمثل “مساساً بالأمن القومي العراقي والتحريض على الفتن والاقتتال الطائفي” لا يمكن أن يتعدى التصريحات الإعلامية المتداولة.
وقال إن القضاء يمثل أخر حصن لمفهوم الدولة، وهناك دولة منهارة في العراق واقعة تحت سطوة اللادولة، بما فيها القضاء، لذلك من المستبعد جدا أن يقدم المالكي للمحاكمة على جريمته الجديدة وجرائمه السابقة.
وعبر عن توقعه بالقول “لو حصل ذلك فعلا بمسائلة المالكي، لاستعادة القضاء العراقي هيبته المنكسرة، لكن تجارب الجرائم السابقة التي مرت تؤكد لنا أن ذلك الاحتمال غير موجود في العراق الحالي”.
وأعرب خبير قانوني عراقي ترأس المعهد القضائي على مدار 12 سنة في ثمانينات القرن الماضي، عن أسفه أن يكون القضاء في العراق هامشا لعبث سياسي وتنافس على الحصص بين قوى وأحزاب فاشلة.
وقال الخبير القضائي مفضلا عدم ذكر اسمه حفاظا على سلامته، في تصريح لقناة “الرافدين” “لم يحدث في تاريخ القضاء العراقي، هذا الانحدار في مستوى العدالة وعدم الإخلاص لجوهر القضاء. عندما تحول القضاء الى لاعب سياسي يتنافس بين المتصارعين على حصتهم في مغانم الدولة”.
وأضاف “للأسف الشديد أن القضاء صار يداهن ويخضع وينافق الأحزاب السياسية وفقا لمصالح أنانية لا تمت بصلة لمفاهيم العدالة الوطنية العليا”.
وكشفت تسجيلات صوتية من الحلقة المحيطة بالمالكي، أنه يعيش أسوأ أزماته الشخصية والسياسية منذ انتشار التسريبات التي يزدري فيها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ويصف ميليشيا الحشد بأمة الجبناء.
واتهم المالكي، وفق التسريبات، الصدر بقتل “المدنيين” في العاصمة بغداد أثناء الحرب الأهلية (2006-2008)، ووصفه بأنه “جاهل لا يفهم بالسياسة”، ما أثار غضب رئيس التيار الصدري ومؤيديه.
وكان فريق “التقنية من أجل السلام”، قد أكد صحة التسجيلات المنسوبة إلى المالكي، وقال إنها “ليست مفبركة”، مبيناً في تقريرٍ نشره في وقتٍ سابق، أنه “على الرغم من النفي المتكرر للمالكي لتلك التسجيلات، وادعائه فبركتها عبر اقتباس مقاطع من صوته وتركيبها لتظهر بهذا الشكل، إلا أن الملاحظات التي توصلنا لها حول المقطع الصوتي تثبت عكس ذلك”.
وقال القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق، إن الهيئة لم تكن تعوزها تسريبات نوري المالكي لمعرفة الطبيعة الإجرامية في شخصيته المحملة بالحقد الطائفي والمخططات الدموية.
وذكر القسم السياسي في التقرير الدوري السادس عن الحالة السياسية في العراق “الشعب العراقي تيقن بعد انتشار التسريبات بأن من يحكمه منذ الاحتلال وإلى اليوم هم مجرمون سفاحون فاسدون لا يأبهون بمصالح الشعب أو حل مشكلاته أو التخفيف من معاناته”.
وأشار التقرير إلى أن معرفة الهيئة بخبيئة المالكي ليست جديدة، وتصريحنا بهذه الحقيقة قبل أن يعيها كثيرون ليست خافية؛ ولعل حديث الشيخ حارث الضاري “رحمه الله” في برنامج “بلا حدود في قناة الجزيرة سنتي 2010، و2014، خير دليل على ذلك؛ فقد وصف المالكي وصفًا دقيقًا، وأبان عن حقيقته، وحذر من مخططاته، وكشف عن استهدافه العراقيين جميعًا، وهي وقائع أكدتها التسريبات الأخيرة.
ويرى خبراء أن هذه التسجيلات قضت على مستقبل المالكي السياسي، بل وتهدد وجود حزبه الدعوة ومستقبله ووحدته. لكنهم لا يثقون بالقضاء الخاضع لعملية سياسية فاسدة بمحاسبة المالكي.
وحظيت التسجيلات باهتمام التيار الصدري ورئيسه مقتدى الصدر الذي أشار إليها عبر تغريدات دعا فيها المالكي إلى “الاعتكاف” واعتزال الحياة السياسية.
وتحول الصراع السياسي بين الصدر والمالكي الى مواجهات بين الميليشيات في المنطقة الخضراء راح ضحيته ثلاثين شخصا واصابة المئات.
وانشغل العراقيون، خلال الأسابيع، باهتمام كبير وعلى مختلف المستويات السياسية والإعلامية والاجتماعية بتسجيلات المالكي المسربة مع شخصيات قيادية في المشهدين الأمني والسياسي، بينما تحول نفى المالكي وحزب الدعوة صحة التسجيلات إلى نوع من التهكم والسخرية من قبل الرأي العام.