أخبار الرافدين
كرم نعمة

شهية الحرب النووية

بينما كانت السلطات الأمريكية تمرر خبر العثور على وثيقة تصف الدفاعات العسكرية لحكومة أجنبية، بما في ذلك قدراتها النووية، بعد مداهمة مكتب التحقيقات الاتحادي الشهر الماضي لمنزل الرئيس السابق دونالد ترامب في فلوريدا. كان على الجانب الآخر الأستاذ في جامعة هارفارد جوزيف صموئيل ناي، يقيس احتمالات اندلاع حرب نووية في العالم.
لم تحدد السلطات، الحكومة الأجنبية التي ورد ذكرها في الوثيقة، ولم تشر إلى ما إذا كانت الحكومة الأجنبية صديقة أو معادية للولايات المتحدة.
لكن تساؤلات الحرب النووية، ليست عبثية عند ناي مؤلف كتاب “هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب” لأن قياس احتمالات اندلاع حرب نووية شغل الخبراء منذ عقود.
وكتب ناي في موقع “بروجكت سينديكيت” “استخدم البعض حجة اليقين الرياضي للدفع باتجاه نزع سلاح نووي أحادي الجانب. لكن لا يمكن إلغاء المعرفة النووية كما أن تنسيق الإلغاء بين تسع دول نووية مختلفة أيديولوجيا أو أكثر سيكون صعباً للغاية على أقل تقدير. بإمكان الخطوات الأحادية غير المتبادلة أن تجعل المعتدين أكثر تجرؤاً مما يزيد احتمالات نهاية غير سعيدة”.
لقد عاش العالم مثل تلك النهاية غير السعيدة في هيروشيما وناجازاكي، واحتمالات تكررها قائمة بمنسوب يختلف بين وقت وآخر، والمشاعر السياسية المترتبة على هذا المنسوب تصاعدت بمجرد اجتياح الدبابات الروسية للأراضي الأوكرانية. ومازال هذا المنسوب يمارس لعبة الأواني النووية المستطرقة، لكن لا أحد يجازف باحتمال كسر تلك الأواني، فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أضعف بكثير من جرأة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كان من الأهمية بمكان، إعادة عدد غير قليل من القنوات التلفزيونية عرض فيلم “ثلاثة عشر يوما” خلال الأشهر الماضية، في محاولة تلفزيونية لاستعادة التاريخ القريب، بينما لا أحد يتوقع نهاية قريبة للحرب الروسية الأوكرانية. بينما حرب الازدراء السياسي والاقتصادي والعقوبات تتصاعد بين الغرب وروسيا النووية.
كانت أهمية فيلم (Thirteen Days) الذي اخرجه روجر دونالدسون قبل عشرين عاما، تكمن في قيمته الوثائقية عندما يقدم لنا الممثل كيفن كوستنر الذي مثل دور كينيث بي أودونيل كبير مساعدي الرئيس الأمريكي جون كينيدي الذي أدى دوره بروس غرينوود. وهو يمسك برباطة الجأش من أجل الا تندلع الحرب أبان أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 والتي عبرت بامتياز تاريخي عن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي. لم تحدث الحرب آنذاك مع أن العالم برمته وصل الى نقطة الصفر في الضغط على الزناد.
القيمة السياسية للفيلم اليوم تكمن أيضا انه مقبس من ثيمة وثائقية قدمها كتاب “داخل البيت الأبيض أثناء أزمة الصواريخ الكوبية” للمؤلفين إرنست ماي وفيليب دي زيليكو، نشره عام 1997.
لم يعط هذا الفيلم وفقا لوثائق كتاب ماي ودي زيليكو، المزيد من الخيال السينمائي، الا بتعبيرية التشويق. لذلك يبدو مثالا مناسبا للاستعانة به اليوم، من أجل الأجيال التي لم تشهد على أزمة الصواريخ الكوبية.
ومع اننا لا نجد بين إدارة الرئيس بايدن ما هو ببطولة أودونيل كرجل “اللاحرب” فان الوقائع تؤكد أن العالم يعيش حربا، يمكن تسميتها حرب الغذاء والطاقة والمياه والفشل الأمريكي في صناعة بلدان على شاكلتها عن طريق الاحتلال في العراق وافغانستان.
روسيا النووية الطرف الأساس في تلك الحرب المتنوعة التسميات.
مع ذلك يبدو سؤال من يمتلك شهية الحرب النووية في عالم يعاني صدمة اقتصاد التلاعب الوقح بالطاقة، مشروعا، سواء في الولايات المتحدة أو روسيا؟
دعك من أوروبا المنقسمة أصلا على طبيعة العلاقة مع روسيا. ذلك ما يعيد الى الأذهان التعبير الذي تم تداوله قبل احتلال العراق عام 2003، عندما تم وصف الأوروبيين بأنهم من كوكب الزهرة والأمريكيين من المريخ. بعد ان عارضت ألمانيا وفرنسا الحرب بشدة.
بعض المحللين يعبرون عن سذاجة تاريخية عند وصف تحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه أوكرانيا، اشبه بما قام به الرئيس العراقي صدام حسين عام 1990 باجتياح مدينة الكويت. فبعيدا عن التهويل لا يمكن أن تدخل العاطفة الى فكرة الحرب عندما تحصل بين الولايات المتحدة وروسيا، هناك ما يتقدم في حسابات الصبر الاستراتيجي بمراحل كبيرة عن العاطفة الوطنية، كما لا يمكن اعتبار تفكير بوتين كنسخة مما كان يفكر به صدام. تلك مفارقة لا يتم التعويل عليها اليوم، لا في الاعتبارات السياسية ولا في الحنكة أو عند التهور.
لكن مقابل ذلك من يخسر اليوم بعد فرض اوروبا عقوبات على موسكو وإغلاق خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الروسي إلى الغرب؟ فحتى في ذروة الحرب الباردة لم يقطع الاتحاد السوفياتي صادرات الغاز.
بوتين اليوم يؤكد أن روسيا لم تخسر شيئا في المواجهة العالمية مع الولايات المتحدة، وإنما استفادت في الواقع من خلال وضع نهج سيادي جديد من شأنه أن يعيد لها نفوذها العالمي. بينما الغرب يفشل لأن المحاولة غير المجدية لعزل روسيا بالعقوبات تدمر الاقتصاد العالمي، في وقت تنهض فيه آسيا.
بمجرد الاستماع إلى تصريح بوتين عندما يتحدث عن حمى عقوبات الغرب، بمحاولته الوقحة لفرض أنماط من السلوك على دول أخرى، لحرمانها من سيادتها وإخضاعها لإرادته. يبدو من الأهمية بمكان العودة إلى جوزيف ناي، وهو يضع مقياس احتمالات اندلاع حرب نووية في العالم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى