أخبار الرافدين
تشكيل الحكومة العراقية أزمات متعاقبةتقارير الرافدين

ديمقراطية الاحتلال مولود مسخ يعصف بالعراق وأهله

"ديمقراطية القشور" في العراق تخلف مئات الآلاف من القتلى ودولة هشة فاسدة بحسب التصنيفات العالمية.

بغداد- الرافدين

يعيد الاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية في الخامس عشر من أيلول من كل عام، الحديث بشأن حقيقة الديمقراطية التي جلبها الاحتلال الأمريكي إلى العراق في ظل الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان وتسلط الأحزاب الولائية على المشهد السياسي وحالة الانهيار والفساد التي تعيشها البلاد بعد نحو عقدين من الزمن.
وتعد دول العالم هذا اليوم مناسبة تساهم في رفع الوعي العام حول الديمقراطية بعد أن دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء والمنظمات المعنية للاحتفال بهذا اليوم منذ العام 2007.
ويمر هذا اليوم على العراق وهو يعيش في مصاف الدول “غير الحرّة”، كوصمة ملازمة له، إضافة إلى الوصمات التي يستحصلها بمختلف الدراسات والإحصائيات والتصنيفات العالمية على صعيد السياسة والاقتصاد، والاجتماع والأمن.
ووفقًا لتصنيف مؤشر فريدوم هاوس للحريات، والذي درس وضع الديمقراطيات في العالم، جاء العراق في مراتب متأخرة، بحصوله على 29 نقطة من أصل 100 نقطة، ليصنّف هذا المؤشر العراق بكونه دولة “غير حرّة”، في الوقت الذي توزعت فيه دول العالم والمنطقة العربية بين حرّة وحرّة جزئيًا وغير حرة.
وبحسب التصنيف، فإن الدول غير الحرّة، تشهد انتخابات نادرة أو مزورة أو مؤجلة إلى إشعار آخر، فيما تعاني من مشاكل كبيرة أبرزها المحسوبية، والطائفية، والتدخل الخارجي، وتمركز مفاتيح الثروة والنفوذ في يد فئة معينة، وقمع المعارضة والاحتجاجات الشعبية وحرمان الشعوب من حرية التعبير عن آرائها دون قيود.
وينسف هذا التصنيف وغيره من التصنيفات مزاعم واشنطن في تحويل العراق إلى واحة من الديمقراطية في المنطقة إبان تسويقها لمبررات الحرب على العراق قبل العام 2003 كما يقول مراقبون.
ويعزز هذا الرأي اعتراف مستشارة الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش كوندا ليزارايس، حينما أقرت عام 2017، في لقاء عقدته في معهد بروكينجز، إن أمريكا اجتاحت العراق عام 2003، للإطاحة بصدام حسين، لا لجلب الديمقراطية.

المزاعم الأمريكية في نشر الديمقراطية تبددها الوقائع على الأرض

وترى شريحة كبيرة من العراقيين أن احتلال العراق بصورة غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي قد خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين ودمرت البنى التحتية وخلقت تصدعات بالبنية الاجتماعية للمجتمع.
ويؤكد أستاذ الإعلام الدولي بجامعة بغداد الدكتور عادل الغريري، أن “الولايات المتحدة تطلق شعار حقوق الإنسان وهي بعيدة كل البعد عنه، وهي ليست لديها أي صلة بهذا المفهوم وما حصل بالعراق من مجازر وقتل على أيدي الجنود الأمريكيين المحتلين والشركات الأمنية التي جاءت بها كان خير دليل على ذلك”.
وحمل الغريري واشنطن مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها بالعراق، قائلًا “هناك مليون شهيد ومقتول وجريح ومفقود منذ عام 2003 وإلى هذا اليوم، تتحمل ذلك الولايات المتحدة والمشروع الأمريكي السافر الذي جاء بحجة الديمقراطية، وهو ليس ديمقراطي أبدًا بل هو احتلال وعملية سرقة للثروات العراقية والسيطرة على المنطقة وفرض الهيمنة عليها”.
وقال “إن أمريكا ارتكبت أثناء احتلالها للعراق جرائم وقتلت الكثير من المواطنين بدم بارد نتيجة المرور من أمام القواعد الأمريكية أو أمام الأرتال الأمريكية وأن القوات الأمريكية مجرمة وتعاملها إجرامي لقتلها الكثير من الأبرياء”.
ويشاطر الباحث في الشأن السياسي شاهر العبيدي، الرأي مع الغريري قائلًا “ليس هناك حقوق إنسان والدليل على ذلك أن الجندي الأمريكي ليست عليه أي ملاحقة قضائية عن أي عمل يعمله في الدول التي تحتلها أو فيها عمليات عسكرية”.
وشدد العبيدي على وجود انتهاك لحقوق الإنسان بالسجون التي أنشأتها بالدول التي احتلتها وهي واضحة للعيان في كل الأوقات وخير دليل على ذلك ما حدث في سجن أبو غريب الذي اعترفت به أمريكا بنفسها وعرضت الصور على وكالات الأنباء العالمية.
ويتفق الناشط المدني رعد مجيد مع ما ذهب إليه العبيدي في أن أمريكا جاءت كمحتل وتسببت في معاناة شديدة للعراقيين.
ويستعرض مجيد ما حصل له بعد اعتقاله على يد القوات الأمريكية لمدة سنتين وسبعة أشهر بدون أي ذنب، قائلًا “سأبقى أطالب بحقي من الولايات المتحدة لأنها جاءتني باسم الديمقراطية، ولكنها قضت عليَ ودمرت الشباب ودمرت أكثر العراقيين”.

فظائع الانتهاكات في سجن أبو غريب تكشف زيف الديمقراطية الأمريكية

وكان معهد “أوبن ديموكراسي” (الديمقراطية المفتوحة) قد رسم صورة قاتمة عن العراق مؤكدًا فشل الديمقراطية على النمط الغربي فيه، ما تسبب بقيام اقتصاد بائس وحكومة غير فعالة، والمزيد من المعاناة للعراقيين.
وأوضح المعهد الأمريكي أن العراقيين يعانون من الفقر والظلم وصدمة الخسارة الكبيرة في الأرواح والعيش مع الخوف اليومي، ومن الإحساس بالعجز والهزيمة والإذلال.
وذكر التقرير؛ أن العراق نظم أول انتخابات برلمانية في كانون الأول من العام 2005، وأنه منذ ذلك الوقت، وصل خمسة رؤساء وزراء إلى السلطة في العراق، وعلى الرغم من ذلك، لم ينجح أي منهم في الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب العراقي المتمثلة بإنهاء الفساد، ورفع مستوى المعيشة، وخلق فرص عمل للعدد المتزايد من الشباب والمتعلمين، وتوفير الأمن.
وبين التقرير “بينما تفتح قوات الأمن وقوات مكافحة الشغب النار على العراقيين باستخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، يستمر الناس بالتظاهر”، مضيفًا أن “الاعتقاد كان بأن العراق من دون ديكتاتورية سيصبح دولة قوية وديمقراطية ليبرالية، على غرار تلك الموجودة في ما يسمى العالم المتقدم”.
واستبعد التقرير أن يؤدي “النظام الديمقراطي النيوليبرالي الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على البلاد أي نتائج ديمقراطية على النمط الغربي، او أي نتائج متوقعة في دولة متقدمة على غرار بريطانيا والولايات المتحدة بكونها لا تواجه أي تهديد حقيقي بحرب كبرى، وتتمتع بالازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي والاجتماعي”.
وأشار إلى أن الثوابت الوحيدة القائمة تتمثل بالعنف الطائفي والإرهاب والفقر وانتشار الاسلحة والجريمة وعدم الاستقرار السياسي والانهيار الاجتماعي والشغب والفوضى والفشل الاقتصادي الذي حول العراق إلى دولة ضعيفة.
وكان مؤشر الديمقراطية في قسم الأبحاث التابعة لمجموعة ذا إيكونوميست البريطانية، قد اتفق هو الآخر مع ما خلص إليه تقرير المعهد الأمريكي بعد أن وضع العراق في صدارة الأنظمة القمعية مستندًا على غياب التعددية الحقيقية والحريات المدنية وفقر الثقافة السياسية.
وصنف المؤشر العراق بنسق واحد مع إيران والبلدان التابعة لهيمنتها، ما يكشف عن مدى تأثير إيران في بناء الأنظمة القمعية وتغذيتها وتعليمها أساليب إرهاب الشعوب، وإقصائها من الحياة السياسية.

الصراع على المغانم سمة الديمقراطية المزعومة في العراق

ويرى مراقبون أن حالة العراق ينطبق عليها تمامًا ما اصطلح على تسميته بديمقراطية القشور، وهي حالة أخطر من الشمولية المباشرة، بسبب ما تخلفه من فوضى سياسية مدعومة من أطراف مسلحة، ينعكس خطرها على حياة المواطنين.
ويضيف المراقبون أن الديمقراطية المزعومة تحولت إلى غابة فساد أوصلت العراق إلى الهاوية في ظل ما شهدناه من مواجهات مسلحة عقب احتدام الصراع بين قوى العملية السياسية وميليشياتها في المنطقة الخضراء وأن ما روج له الاحتلال الأمريكي للعراق من وعود الديمقراطية والتعددية والتحاكم إلى الدستور، سرعان ما تلاشت قبل أن تتحول إلى أوهام دار في فلكها المتصارعون على المغانم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى