أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

نهر دجلة يصارع الموت والحكومة تمارس دور المتفرج

المزارع الملا عادل الراشد من البصرة: حكومتي لا تزودني المياه. أريد ماءًا، أريد أن أزرع، كما فعل أجدادي الذين زرعوا أشجار النخيل.

بغداد– الرافدين
أصبح العراق اليوم واحدا من أكثر خمسة بلدان في العالم عرضة لعواقب تغيّر المناخ، بحسب الأمم المتحدة، مع الجفاف وانخفاض نسبة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتصحّر المتسارع.
وتأثّر بذلك نهر دجلة مع تراجع الأمطار، وكذلك بسبب السدود المبنية في تركيا وإيران حيث ينبع النهر.
وأنشأت إيران سدوداً جديدة على روافد نهر دجلة، الذي يعتمد عليه العراق بالسقي، حيث ترفض طهران تقاسم التفاوض مع الجانب العراقي بشأن حصته المائية رغم الخزين المائي الكبير لديها.
وتعد محافظة ديالى، المرتبطة حدودياً مع إيران، الأكثر ضرراً من بين المحافظات العراقية الأخرى بسبب قطع إيران لروافد نهر دجلة، ما تسبب بانخفاض مناسيب المياه في نهر ديالى إلى ما يزيد عن 90 بالمائة ما دفع وزارة الزراعة العراقية إلى استثنائها من الخطة الزراعية بشكل كامل، كما تسبب ذلك بتعطل الكثير من مشاريع مياه الشرب بسبب عدم وجود مياه في الأنهر التي تعمل عليها.
وجاب مصور فيديو من وكالة الصحافة الفرنسية ضفاف النهر، من المنبع العراقي في الشمال إلى البحر في الجنوب، للإضاءة على هذه الكارثة التي أجبرت السكان على تغيير أسلوب حياتهم.
تبدأ الرحلة العراقية لنهر دجلة في جبال كردستان عند تقاطع العراق وسوريا وتركيا. هنا، يكسب السكان لقمة عيشهم من خلال زراعة البطاطا وتربية الأغنام.
على الحدود مع سوريا، قرب الحدود مع تركيا، يقول بيبو حسن دولماسا المتحدّر من قرية زراعية في منطقة فيشخابور، والبالغ 41 عاما، “حياتنا تعتمد على دجلة. عملنا وزراعتنا يعتمدان عليه”.
ويضيف “إذا انخفض منسوب المياه، ستتأثر زراعتنا ومنطقتنا بالكامل”.
ويوضح “أن المياه تتناقص يوما بعد يوم. من قبل، كانت المياه تتدفق في سيول”.
وتتهم السلطات العراقية والمزارعون في العراق، إيران وتركيا بقطع المياه عن طريق احتجازها في السدود التي أنشأتها على المجرى قبل وصوله الى العراق.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية ذلك، فمستوى نهر دجلة لدى وصوله من تركيا هذا العام لا يتجاوز 35 في المئة من متوسط الكمية التي تدفقت على العراق خلال المئة عام الماضية.
وكلما ازداد احتجاز المياه، قلّ تدفق النهر الذي يمتدّ على 1500 كيلومتر يجتازها نهر دجلة قبل أن يندمج مع توأمه نهر الفرات ويلتقيا في شط العرب الذي يصب في الخليج.
ويشكّل هذا الملف مصدرا للتوتر.
وتطلب بغداد بانتظام من أنقرة الإفراج عن كميات أكبر من المياه. وردا على ذلك، دعا السفير التركي لدى العراق علي رضا غوني في تموز العراقيين إلى “استخدام المياه المتاحة بفعالية أكبر”.
وأضاف في تغريدة “المياه مهدورة على نطاق واسع في العراق”.
غير أن إيران تعامل المطالب العراقية بتعالي وعدم اهتمام، فضلا عن عدم وجود موقف صارم من الحكومات العراقية منذ عام 2003 بسبب المصالح والخضوع من قبل القوى السياسية لطهران.
وقال وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، أنّ “إيران لا تلتزم بالحصة المائية المقررة للعراق رغم امتلاء سدودها بكميات كبيرة من المياه”.
وأضاف إنه “لا توجد مباحثات مع الجانب الإيراني تجاه أزمة المياه، رغم إرسال العراق مخاطبات كثيرة دون أي استجابة”.
وأعرب عن أمله في “استجابة قريبة من قبل الجانب الإيراني وقبول التفاوض وفق مبدأ تقاسم الضرر وفقا للأعراف والمواثيق الدولية”، مشيراً إلى “وجود كميات كبيرة من المياه في السدود الإيرانية، رغم نقص المياه في إيران”.
في بعض الأماكن، يبدو النهر مثل برك ناتجة عن مياه الأمطار. فالتجمعات الصغيرة للمياه في مجرى نهر ديالى هي كل ما تبقى من رافد نهر دجلة في وسط العراق الذي بدونه، لا يمكن زراعة أي شيء في المحافظة.
وبسبب الجفاف، خفضت السلطات هذا العام المساحات المزروعة في كل أنحاء البلاد إلى النصف. ونظرا إلى أن لا مياه كافية في ديالى، فلن يكون هناك حصاد.
ويشكو المزارع أبو مهدي (42 عاما) قائلا “سنضطر إلى التخلي عن الزراعة وبيع ماشيتنا ونرى أين يمكننا أن نذهب”.
ويضيف “لقد شردتنا الحرب في الثمانينات. الآن سنهاجر بسبب المياه. بدون الماء، سنصبح نازحين، ولا يمكننا مطلقا العيش في هذه المناطق”.
ويتابع أبو مهدي “استدنتُ لحفر بئر عمقه 30 مترا، لكنه كان فشلا تاما”، موضحا أن المياه المالحة لا يمكن حتى استخدامها في الري أو للحيوانات.
وبحلول العام 2050، “سيؤدي ارتفاع الحرارة درجة مئوية واحدة وانخفاض المتساقطات بنسبة 10 بالمائة، إلى انخفاض بنسبة 20 بالمائة في المياه العذبة المتاحة” في العراق، وفق ما حذّر البنك الدولي نهاية العام 2021.
وحذّرت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات غير الحكومية في حزيران من أن ندرة المياه والتحديات التي تواجه الزراعة المستدامة والأمن الغذائي، هي من “الدوافع الرئيسية للهجرة من الأرياف إلى المناطق الحضرية” في العراق.
بحلول نهاية آذار 2022، نزحت أكثر من 3300 أسرة بسبب “العوامل المناخية” في عشر مقاطعات من وسط البلاد وجنوبها، وفقا لتقرير نشرته المنظمة الدولية للهجرة في آب.
هذا الصيف، كان منسوب نهر دجلة منخفضا في بغداد لدرجة أن وكالة الصحافة الفرنسية صوّرت شبانا يلعبون الكرة الطائرة في وسط النهر. وكانت المياه تصل بالكاد إلى مستوى خصورهم.
وتردّ وزارة الموارد المائية ذلك الى “الرواسب الرملية”. فنظرا إلى أن هذه الرواسب لم تعد تنصرف باتجاه الجنوب بسبب نقص تدفّق المياه، تراكمت في قاع دجلة واختلطت بالمياه المبتذلة، ما أدى إلى صعوبة تدفق مياه النهر.
حتى وقت قريب، كانت الحكومة ترسل آلات لشفط الرمال الراكدة في قاع النهر، لكن بسبب نقص الموارد، توقّفت غالبية المضخات عن العمل.
وتقول الناشطة البيئية هاجر هادي (28 عاما) إن هناك “قلة إدراك” لحجم المشكلة من جانب الحكومة والسكان، علما أن “العراقيين يشعرون بالتغيرات المناخية التي تترجم بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض منسوب المياه وتراجع هطول الأمطار والعواصف الترابية”.
ودرست الشابة علوم الحياة في الجامعة، وهي تعمل منذ العام 2015 مع منظمة “المناخ الأخضر” العراقية غير الحكومية خصوصا في الأهوار، لحماية البيئة ودعم السكان الأكثر ضعفا.
وتضيف “هذه العواصف الترابية لا تأتي من العدم، بل من زيادة التصحر وقلة المساحات الخضراء”.
وتوضح أن “نقص المياه من الدول المجاورة يزيد الجفاف وبالتالي التصحر”.
وكانت المحطة الأخيرة في رأس البيشة. هناك، على حدود العراق وإيران والكويت، يتدفق شط العرب إلى الخليج.
ويقول الملا عادل الراشد، وهو مزارع نخيل يبلغ 65 عاما، “انظروا إلى أشجار النخيل هذه، إنها عطشى. تحتاج إلى الماء. هل أرويها بالكوب؟”.
ويضيف “انتهى نهرا دجلة والفرات. لا توجد مياه عذبة، لم تعد هناك حياة. النهر مياه مالحة”.
مع انخفاض منسوب المياه العذبة، بدأت مياه البحر تغزو شط العرب. وتشير الأمم المتحدة والمزارعون بأصابع الاتهام إلى أثر تملّح المياه على التربة وانعكاساته على الزراعة والمحاصيل.
ويشتري الملا عادل الراشد المياه العذبة من صهاريج حتى يتمكن من الشرب هو وحيواناته.
ويقول إن الحيوانات البرية حتى تغامر بالذهاب إلى المنازل للحصول على مياه الشرب من السكان.
ويضيف بحزن “حكومتي لا تزودني المياه. أريد ماء، أريد أن أعيش، أريد أن أزرع، كما فعل أجدادي الذين زرعوا أشجار النخيل واستفادوا من التمر”.
ويعود نعيم حداد حافي القدمين بقاربه إلى منزله بعد يوم من الصيد في شط العرب.
على أطراف البصرة في أقصى جنوب العراق، تستقبله إحدى بناته الخمس على الضفة فيما يعرض كيسا مليئا بالسمك.
ويقول الرجل الأربعيني “نكرّس حياتنا للصيد بالتوارث”، مشيرا الى أن ذلك هو مصدر رزقه الوحيد الذي يسمح له بإعالة أسرته المكونة من ثمانية أفراد. “لا راتب حكوميا، ولا علاوات”.
ويتابع حداد “في الصيف، لدينا مياه مالحة، ومياه البحر ترتفع وتصل إلى هنا”.
وبلغ مستوى الملوحة في شط العرب في شمال البصرة 6800 جزء في المليون، وفق ما أفادت السلطات المحلية مطلع آب. من حيث المبدأ، لا تتجاوز نسبة الملوحة في المياه العذبة ألف جزء في المليون، وفقا لمعايير المعهد الأمريكي للجيوفيزياء الذي يحدّد مستوى المياه “المتوسطة الملوحة” بين ثلاثة و10 آلاف جزء في المليون.
وأدى ذلك إلى هجرة أنواع معينة من أسماك المياه العذبة التي تحظى بشعبية كبيرة لدى الصيادين من شط العرب، ما يتسبب في ظهور أنواع أخرى تعيش عادة في أعالي البحار.
ويقول حداد “إذا نزلت المياه، انخفض الصيد وقلّت مصادر رزقنا”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى