أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

غياب دور الدولة والتجهيل المتعمد وراء انتشار ظواهر شاذة في المجتمع العراقي

الدكتور أيمن العاني: القضاء على الجهل لم يكن أولوية لدى أي من الحكومات التي عملت على قتل روح التضحية والتفاني ونسف مقتضيات العمل الجماعي.

بغداد – الرافدين

عزا خبراء وباحثون اجتماعيون انهيار منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية داخل فئات واسعة في المجتمع العراقي، إلى تراجع دور الدولة ومؤسساتها، وشيوع الأمية والفقر والتخلف وانتشار الجريمة وتعاطي المخدرات.
وحمل مختصون “الدولة” مسؤولية التراجع في بناء الإنسان وتعليمه وصون كرامته منذ احتلال العراق عام 2003، بعد انتشار الميليشيات والقتل واللصوصية والفساد والأمية والتخلف.
وتسببت حادثة تحرش بفتاة في حافلة للنقل العام بمنطقة الكرادة وسط بغداد بطريقة خادشة للحياء، ردود فعلٍ غاضبة لدى العراقيين، مطالبين الجهات المعنية بمحاسبة الفاعل وسن قوانين صارمة ضد المتحرشين، لمنع مثل هذه الظاهرة المتصاعدة نتيجة غياب دور الدولة.
وأظهر التحقيق، أن المتحرش منتسب في وزارة الداخلية الحالية، من سكنة منطقة الكرادة. الامر الذي فاقم من التساؤلات.
ورفعت الحادثة منسوب المطالبات وفتحت الباب أمام كشف حوادث مشابهة على وسائل التواصل الاجتماعي صورتها عراقيات لحالات تحرش تعرضن لها في العاصمة بغداد.
وتفاقمت الظواهر السلبية بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد الذي هدفت الى تفكيك المجتمع العراقي وتجهيله، فيما أهمل النظام السياسي الهش الذي نتج عن الاحتلال الاهتمام بالإنسان وتعليمه من أجل بناء مجتمع صالح.
وسبق أن ذكر قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، أن المرأة من أولى ضحايا السياسات التي انتهجت بعد الاحتلال والممارسات التي تقوم بها أجهزة السلطة. فقد توالت الإجراءات والتشريعات من أجهزة السلطة التي تحطّ من مكانة المرأة.
وذكر تقرير قسم حقوق الإنسان في الهيئة قدم إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تعرض عدد غير قليل من المعتقلات الى عمليات اغتصاب من قبل الحراس او الموظفين الرسميين. ولم تتخذ السلطات أية إجراءات لمعاقبة المجرمين، بل أنها قامت بالدفاع عنهم والتستر على هذه الجرائم البشعة.
وأشار تقرير آخر لقسم حقوق الانسان في الهيئة إلى أن نسبة الأمية المتصاعدة في العراق تشير بوضوح إلى نتائج حتمية الجهل التي فرضها الاحتلال واتبعتها حكوماته المتعاقبة التي تهدف إلى محاربة العلم وفرض التخلف واستشراء الفساد وتغييب الوعي وإحداث حالة الاستنزاف الفكري والانحلال الأخلاقي ونسف مقومات المجتمع المدني كافة في سبيل تسهيل بث التفرقة بين مكونات الشعب الواحد وصناعة العنف وافتعال الأزمات والصراعات وتفكيك آليات التغيير الجماهيري والتفرد بالسلطة.
وقال الدكتور أيمن العاني مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين أن الأمية ليست مجرد مشكلة تعليمية واجتماعية واقتصادية، وإنما هي قضية سياسية لها تداعيات خطيرة بعيدة المدى، مبينًا أن القضاء على الجهل لم يكن أولوية لدى أي من الحكومات المتعاقبة التي عملت على تفشيه لضمان خفض الوعي الشعبي وقتل روح التضحية والتفاني بين أبناء الوطن الواحد ونسف مقتضيات العمل الجماعي لبناء وطن غني بثرواته ينعم أبناؤه بالعيش الرغيد.
ويحتل العراق المرتبة الثانية بمعدلات التحرش بالنساء بين دول المنطقة، ولا يوفر القانون النافذ عقوبات رادعة بحق الجناة تتناسب مع خطورة الفعل.
ودعا خبراء إلى إيجاد تشريع خاص بجريمة التحرش يحد من فعلها ويشدد عقوبتها ويمنع المتورطين بها من الإفلات ويفتح الباب أمام وسائل جديدة لإثباتها.
وقالت أستاذة القانون الجنائي بشرى العبيدي، إن “القانون العراقي لم ينصف المرأة في جرائم التحرش، بل أنه لم يتحدث عن هذه الجرائم إلا في مجال محدود”.
وأضافت أن “النظام العقابي محكوم بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني وأن القضاء يذهب في أفعال التحرش إلى المادة 402 من قانون العقوبات وهي تختلف عن فعل التحرش الذي تناولته الدول الأخرى وجرمته”.
ولفتت إلى أن غياب النص الواضح أدى إلى ازدياد مخيف في عدد حالات التحرش خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى مطالبات بضرورة أن يكون هناك نص في قانون العقوبات يتعلق بالتحرش بشكل واضح يحدد أركان هذه الجريمة وتوصيفها وعقوبتها.
وتبقى العوامل الأكثر تأثيرًا في تفاقم تلك الظواهر هو سوء السياسات الاقتصادية التي لم تول الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والانتعاش الاقتصادي لأفراد المجتمع، وتحقيق العدالة في توزيع موارد الثروة وفرص العمل بين أفراد المجتمع. فضلا عن غياب التربية الاجتماعية عبر مؤسسات المجتمع ابتداءً من العائلة ومرورًا بمؤسسات التعليم والإعلام والمؤسسات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الجريمة وتعاطي المخدرات وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع.
وسبق وأن حذر قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين في العراق من إن الفساد الحكومي المتجذر وضعف النظام الأمني الممنهج في العراق يحولان دون معالجة مشكلة المخدرات المتنامية في البلاد.
وذكر تقرير للهيئة بعنوان “المخدرات تهديد جاري التنفيذ للإمعان في تفكيك المجتمع العراقي” أن
محاولات الحد من تهريب المخدرات وتوزيعها محدودة وغير هادفة إن وجدت.
وهيأت الفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، المناخ المناسب لتهريب المخدرات عبر الحدود التي باتت مليئة بالثغرات، في حين كانت حيازة المخدرات قبل 2003 تقابل بعقوبة الإعدام، لذا فقد ظل تعاطي المخدرات خلال السنين الأولى التي أعقبت الاحتلال محدودا بسبب التداعيات القانونية العالقة في الأذهان ولأن تعاطي المخدرات ظل غير مقبول اجتماعيا.
وتقول رئيسة منظمة النقاهة ومكافحة المخدرات، إيناس كريم، إن تأثير المخدرات على المجتمع يبدأ تصاعديًا، بداية بالضغوط النفسية التي يتعرض لها العاطل عن العمل وشعوره بالنقص لعدم قدرته على تسخير قدراته وانخراطه في عملية بناء مجتمع قوي متماسك ومزدهر، مرورًا بالمشاكل النفسية التي تؤدي مجتمعة إلى الجنوح نحو تعاطي المخدرات وإدخال المجتمع في حالة لانتشار الآفات السلبية التي ستؤدي لانهياره.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى