أخبار الرافدين
طلعت رميح

من يكسب بوتين أم بايدن؟ وهل يخرج كلاهما خاسرين؟

هل ينتصر بايدن، على بوتين أم العكس؟ أم سيخرج كلاهما من الحرب ضعيفًا وخاسرًا وهل يكون الكاسب طرفًا أم أطرافًا لم تشارك في الحرب والصراع بشكل مباشر؟
تلك الأسئلة يبدو مبكرًا الإجابة عنها غير أنه من الضروري طرحها للتفكير من الآن، للإفلات من لعبة الإعلام المحبوكة، لتحويل صراع ضخم يحدد مصير العالم، إلى مجرد صراع ديوك.
نحن أمام صراع دولي لن ينتهي اليوم أو غدًا، ولا تتوقف نتائجه على ما يجري على الأرض الأوكرانية، بل لن تتوقف نتائجه الإستراتيجية على أدوار روسيا والولايات المتحدة، وحدهما.
ولذلك، وإذ ليس متوقعًا أن يجري استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية، فإن تحقيق نتائج الصراع سيكون بالنقاط -لا بأدوات الحسم والفناء الشامل- وسيجري عبر تحشيد عوامل النصر والهزيمة بمختلف أدوات الصراع الاقتصادية والسياسية والسيبرانية وأعمال الاستخبارات وعبر تشكيل التكتلات والأحلاف وغيرها. ما يعني أن الوصول لنتائج حاسمة سيحتاج إلى وقت طويل.
ولكل حرب معاييرها الخاصة في قياس النصر والهزيمة.
في بعض الأحوال يضعف طرفا الحرب، وتنتهي، دون أن يهزم أحدهما الآخر ليأتي طرف ثالث ليهزم الطرفين، في حروب لاحقة وهذا ما حدث حين أنهك الفرس والروم بعضهما البعض، ليتمكن المسلمون من بعد من هزيمة الطرفين. وقد حدث هذا مرارًا في الحروب الثنائية عبر التأريخ خاصة بين فرنسا وبريطانيا، إذ تواصلت الحرب بينهما لعقود، فظهرت ألمانيا وقلبت الطاولة على الطرفين.
وفي بعض الحروب يخسر الطرفان الرئيسان اللذان أشعلا الحرب، لحساب أطراف انضمت للحرب تاليًا. وهذا ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، إذ انتهت الحرب بين ألمانيا ودول المحور ضد بريطانيا وفرنسا، لمصلحة القادمين من الخطوط الخلفية للصراع، أي الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
وهناك حروب تهزم فيها إحدى الدول الكبرى هزيمة مدوية، لكنها تظل قوية.
لقد تلقت الولايات المتحدة هزيمة مدوية في فيتنام، لكنها ظلت دولة قوية، حتى أنها عادت وكررت الحرب والاحتلال في أفغانستان والعراق. وفي نمط آخر مقابل، قد تهزم الدولة القوية على أرض دولة صغيرة، وتسحب قواتها وتنهي احتلالها، لكن هزيمتها تكون بداية العد التنازلي لبقاء كيانها، كما حدث في الحرب الأفغانية مع الاتحاد السوفيتي السابق.
وفي نمط مختلف، قد تكون الهزيمة ساحقة إلى درجة انتهاء الدولة الإمبراطورية وتفككها، كما حدث للدولة العثمانية ولمملكة بولندا ومملكة كوريا قبل وخلال خلال الحرب العالمية الأولى.
إذن ليس شرطًا أن ينتصر أو يهزم بوتين أو بايدن. لذلك يجب متابعة ما يجري دون التركيز على لعبة الثنائية التي يحاول الإعلام حشر المتابعين في داخل أسوارها.
يجب مراقبة تغيير توازنات القوى لمصلحة أو ضد أطراف لا تشتبك ولا تنخرط فعليًا في تلك الحرب، وبشكل خاص حين يكون هدف الحرب والصراع، تغيير النظام الدولي.
لقد تحول الصراع في أوكرانيا إلى صدام بين روسيا والولايات المتحدة وتحول إلى صراع دولي وحرب اقتصادية وسياسية دولية، بعد فرض نحو 10 آلاف عقوبة على روسيا، وبعد انقسام العالم بين مؤيد ورافض وصامت ومترقب، وبعد طرح قضية تغيير النظام الدولي على طاولة الصراع. لذلك، حتى لو انتصر بوتين في أوكرانيا، مع خسارته في الصراع الدولي، يكون قد هزم إستراتيجيًا رغم نجاحه تكتيكيًا. وقد لا تنتصر الولايات المتحدة في أوكرانيا، لكنها قد تكسب معركة أوروبا وقد يكون مكسبها في أوروبا مؤقتًا. وقد تخسر على صعيد هيمنتها الدولية ليس أمام روسيا، بل أمام دول أخرى، إذ تجد نفسها مضطرة لدفع أثمان باهظة، للدول الصاعدة، لتأمين موقف مساند للولايات المتحدة في الصراع مع روسيا.
وحتى الآن يبدو أن هناك من استفاد من الصراع دون الاشتباك بشكل مباشر.
لقد استفادت ألمانيا إذ بدأت تتحرر من القيود التي فرضت عليها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية. واستفادت الصين بذهاب الولايات المتحدة للاشتباك إستراتيجي في اتجاه آخر، وفي الأغلب هي تنظر للتصعيد الأمريكي في تايوان على أنه محاولة لمنع الصين من استغلال ظرف الاشتباك الأمريكي على المحور الروسي الأوروبي، للسيطرة على تايوان.
واستفادت تركيا بالتحول إلى دولة مركزية في إدارة الصراع الدولي لتحقيق مصالحها، وقد تمكنت من تعميق سياستها المستقلة على الصعيد الخارجي، وحصلت على تنازلات من روسيا، ومن حلف الأطلسي ووصلت قوة موقفها إلى درجة التلويح بتغيير تحالفاتها.
وقد استفادت الهند بإيجاد موضع قدم لها كدولة كبرى صاعدة، يقدم المشتبكون في الصراع التنازلات لها لكسب مواقفها إلى جانب هذا الطرف أو ذاك. وقد يكون هناك ما هو غير منظور، لذلك لا يجب ألا يتفاجأ أحد حين تتحول بولندا إلى طرف يطالب باستعادة الأراضي التي سبق ضمها إلى أوكرانيا.
أما على مستوى بوتين وبايدن، فقد يخسر كلاهما حتى على المستوى الشخصي. فعوامل الارتباك والمخاطر تحوم حول بوتين في الداخل، وقد تضعف فرص بايدن بالحصول على ترشيح حزبه لفترة رئاسية ثانية.
والخلاصة أن التكهن بالنتائج النهائية للصراع يبدو مبكرًا، فالنتائج لن تظهر إلا بعد مرور فترة طويلة وليس شرطًا أن ينتصر بوتين-روسيا أو أن ينتصر بايدن-أمريكا، فقد يكون الأشد أهمية ما يجري من تغييرات على صعيد التوازنات الدولية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى