أخبار الرافدين
د. سعاد ناجي العزاوي

جفاف الأهوار جنوب العراق

تقع الأهوار جغرافيا في جنوب العراق، وهي متصلة على نحو مباشرة بنهري دجلة والفرات، وتقع بالتحديد في محافظات الناصرية، والبصرة، والديوانية، والعمارة. وقبل البناء المكثف للسدود على منابع نهري دجلة والفرات في مرتفعات تركيا أوائل السبعينيات من القرن الماضي،
كانت مساحة الأهوار متغيرة بشكل كبير سنويًا وموسميًا، اذ تراوحت بين (8000-20000 كم²).
ففي فصل الصيف “حزيران- تشرين الأول” وتحديدا خلال سنوات الجفاف، تتقلص مساحتها الى 25 بالمائة فقط من المساحة في موسم الفيضان أو بحدود (3500 كم²) بسبب تراجع معدل الوارد المائي للنهرين وارتفاع معدل التبخر. علما ان العديد من الأهوار في المنطقة أهوارا موسمية تختفي خلال فصل الصيف. اما البعض الآخر فهي دائميه، ومنها:
• أهوار نهر الفرات: بما في ذلك هور الحمار الأكبر مع العديد من الأهوار الموسمية الصغيرة الأخرى، اذ كانت تبدو جميعها في موسم الفيضانات متصلة ببعضها البعض، ويتم إعادة تغذيتها بالمياه بشكل أساسي من نهر الفرات والمياه المتدفقة غربا من الأهوار الوسطى في موسم الجفاف. تتراوح مساحة هور الحمار بين (1250-2500) كم². قدرت شركة (T.A.M.S.) الامريكية
Abbott-McCarthy Tippet- Stratton)) مساحة هور الحمار في 1954 بنحو (1250) كم².
• الاهوار الوسطى: وتقع بين نهري دجلة والفرات وتشمل اهوار ابي زرق والجبايش، وتمتد من مدينة الشيخ سعد في ميسان إلى القرنة في البصرة بمساحة 4000 كيلو متر مربع في موسم الفيضان إلى أقل من 1920 كيلو متر مربع في موسم الجفاف، يتم تغذيتها من ذنائب انهار غرب دجلة وشرق الفرات.
• أهوار الحويزة: وتمتد اهوار الحويزة من الاراضي الايرانية الى الاراضي العراقية. تبلغ مساحة الحويزة داخل العراق حوالي (2500-3000 كم²) في موسم الفيضان، وحوالي (950 كم²) في موسم الصيف، وحوالي (650 كم²) في سنوات الجفاف. يسمى امتداد هور الحويزة داخل إيران (هور العظيم) بمساحة (1250 كم²) في موسم الفيضان. كانت التغذية المائية الرئيسية للحويزة في إيران من نهر الكرخة حتى عام 1998، وقبل تشغيل سد الكرخة 2 بتدفق سنوي يبلغ 3.2 مليار متر مكعب. ومن الجانب العراقي، تغذية هور الحويزة من ذنائب نهر دجلة أثناء مواسم الفيضانات.
تأثير انشاء سدود جنوب شرق الاناضول على جفاف الأهوار في العراق: تقوم الروافد والأنهار هيدرولوجيًا بربط مكونات احواض الانهار باتجاه مجرى النهر مثل الأراضي الرطبة والسهول الفيضانية من خلال القنوات التي تنقل المياه السطحية والجوفية إما على مدار العام بالتدفق الدائم أو بشكل موسمي. وتؤثر المنشآت المائية مثل السدود على أي نهر على تواتر ومدة وحجم وتوقيت ومعدل التدفق والموجات الفيضانية وطبيعة التيارات من المنابع الى مجرى النهر للمصبات وتسبب تجزئة التواصل والاستمرارية الطبيعية للجريان. إن تأثيرات هذا التغيير في تدفق الماء في مجرى النهر عديدة، بما في ذلك الهيدرولوجية، والجيومرفولوجية والبيئية.
وقد تعرضت الأراضي الرطبة في جنوب العراق لضغوط شديدة بعد بناء عشرات السدود على منابع كل من دجلة والفرات في غضون ثلاثة عقود. اذ غيرت هذه السدود نظامها الهيدرولوجي والبيئي والاجتماعي – الاقتصادي بسبب حجبها لموجات الفيضانات الموسمية التي تعد المغذي الرئيسي لمياه الأهوار، والانخفاض الملحوظ في مناسيب نهري دجلة والفرات في الأراضي العراقية بسبب انخفاض معدل الوارد المائي السنوي من منابع النهرين في كل من تركيا وإيران. وقد ازداد هذا التغيير شمولا واتساعا بعد إنشاء وتشغيل سدود جنوب شرق الاناضول في تركيا منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن.
أن أحد الآثار المهمة لانخفاض معدلات الوارد السنوي لنهري دجلة والفرات في العراق هو جفاف الأهوار في جنوب العراق. اذ بدأ التسارع في هذا الجفاف خلال تسعينيات القرن الماضي، عندما قامت تركيا بملء وتشغيل 22 سداً ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية على منابع نهري دجلة والفرات في عقد واحد فقط.
ونتيجة لذلك، انخفض معدل الوارد المائي السنوي لكلا النهرين بشكل كبير داخل الأراضي العراقية. وخلال الفترة ذاتها، كان العراق يخضع للعقوبات الاقتصادية، ويواجه نقصًا حادًا في الغذاء والدواء والمواد الكيميائية اللازمة لمحطات تنقية المياه، وقد عد العراق آنذاك إجراء تركيا “كونها عضوًا في منظمة حلف شمال الأطلسي” اعتداء يهدف لحرمان الشعب العراقي من الحصول على المياه العذبة اللازمة للاستخدامات المنزلية والزراعية. وان مثل هذا الإجراء من شأنه أن يرفع اعداد الخسائر البشرية جراء العقوبات الاقتصادية والتي كانت مرتفعة بالفعل كما نشرت المنظمات الدولية ذات العلاقة. ونتيجة لذلك، قامت الحكومة العراقية في منتصف التسعينيات ببناء أربع قنوات لتحويل المياه العذبة من ذنائب النهرين في جنوب العراق قبل دخولها للأهوار وتلوثها بمياهها وذلك لتزويد سكان مدينتي الناصرية والبصرة بالمياه الصالحة للشرب، وقد تسببت هذه القنوات في خسارة مزيد من مساحات الأهوار كما سيتم توضيحه لاحقًا في هذه الدراسة.
جفاف أهوار الحمّار والوسطى خلال التسعينيات من القرن الماضي: في أوائل السبعينيات حتى عام 2002، قامت تركيا ببناء وتشغيل 32 سداً ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية على منابع دجلة والفرات بسعة تخزين إجمالية قدرها (99.520 مليار متر مكعب). اثنان وعشرون من هذه المنشآت بما في ذلك سد أتاتورك العملاق، بسعة تخزين جماعية بلغت (56.969 مليار متر مكعب) بدأت ملئ خزاناتها والتشغيل خلال التسعينيات من القرن الماضي. تم مليء خزانات ثلاثة عشر منها وتشغيلها على منابع نهر الفرات بسعة تخزين (51.664 مليار متر مكعب)، بالإضافة الى مليء خزانات 9 سدود أخرى بسعة تخزين (4.55 مليار متر مكعب) كانت على منابع نهر دجلة.
وتجدر الإشارة الى ان مناطق الاهوار الوسطى والحمار بشكل رئيسي ترتبط وتتغذى من نهر الفرات وبعض ذنائب نهر دجلة في حالة الاهوار الوسطى وللحفاظ على مساحة تبلغ حوالي 7000 كيلومتر مربع كما كان عليه الحال قبل إنشاء مشاريع (GAP)، توجد حاجة لما يقرب من (14-15 مليار متر مكعب) من المياه المتدفقة للأهوار سنويًا لإعادة تغذيتهما من نهر الفرات في مدينة الناصرية، كمدخل لهذه الأهوار. كان هذا المقدار متاحًا تاريخيًا من موجات الفيضانات الموسمية (آذار- ايار) للنهر. الا ان الموجات الفيضانية هذه اختفت بعد التحكم في تدفق مياه نهر الفرات بواسطة السدود على منابعه في تركيا، وتحول موسم التدفق المرتفع نسبيًا للمياه من السدود على منابع المياه في تركيا من فصل الربيع إلى فصل الصيف (حزيران – أيلول) لتلبية ذروة الطلب على الكهرباء. علما ان أعلى معدل تبخر في العراق يكون خلال فصل الصيف.
——————————————————————————————————————————————–
جزء من بحث مطول بعنوان ” تأثيرات سدود منابع النهرين على تصحر الأراضي في العراق” تنشر الرافدين أجزاء منه على حلقات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى