أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

التعويل على العملية السياسية في العراق كمن يلقي شباكه في بحر من الرمال

هيئة علماء المسلمين: بلاسخارت استنفدت وقتها في رؤى غير صحيحة ووقائع غير دقيقة خلال السنوات الماضية؛ أسلمتها إلى حلول غير عملية

عمان- الرافدين
أكدت هيئة علماء المسلمين في العراق على أن إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي في الرابع من شهر تشرين الأول الحالي، لم تأت بجديد على صعيد ما يمكن أن يحقق مطالب العراقيين الحقيقة، التي نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على انعدام الآفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعبرت الهيئة عن استغرابها من التعويل على هذه الإحاطة عند بعض المتابعين، والاهتمام بها اهتمامًا غير مألوف، وعدها بارقة أمل عند آخرين لتغيير ما مرتبط بما يسمى “المجتمع الدولي” العاجز عن التعبير عن موقفه، فضلًا عن فرض إرادته أمام الإرادة الغالبة في العراق التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكرت الهيئة في التقرير الدوري السابع عن الحالة السياسية في العراق الذي أصدرتها مساء الثلاثاء. تجاهل كثيرين لتصريحات خيبة الأمل واليأس الكامنة في نص الإحاطة وجوانبها المختلفة، التي يمكن عدها وثيقة اعتراف بحقائق الواقع، التي سبق للقوى المناهضة للاحتلال أن أعلنتها مرارًا وتكرارًا، ولا سيما في تعليقاتها على إحاطات سابقة لممثلة الأمم المتحدة التي انتهت بعد سنوات من خدمتها في العراق إلى تقرير ما نبّهت إليه هذه القوى عند بداية استلام مهمتها، وبما يشير إلى أنها قد استنفدت وقتها في رؤى غير صحيحة ووقائع غير دقيقة خلال السنوات الماضية؛ أسلمتها إلى مواقف غير مجدية وحلول غير عملية، كما يظهر من نص الإحاطة.
وأشار التقرير إلى تأكيدات الهيئة المستمرة في البيانات والأدبيات، على أن هذه الطبقة السياسية لا يمكن أن تأتي بخير للعراق والعراقيين وأنه يجب تغييرها بالكامل، ووضع أسس جديدة لعملية سياسية وطنية سليمة؛ إلا أن الدوائر الدولية والإقليمية ما زالت لا تريد لهذه الرؤية الانتشار، ولا تراها متوافقة مع مصالحها في العراق والمنطقة.
وشددت هيئة علماء المسلمين في العراق في التقرير الدوري السابع على “رؤيتنا وأملنا بالشعب العراقي الحي لفرض حلّ جذري ومعادلة جديدة تضطر المجتمع الدولي إلى التعامل معها؛ عن طريق القيام بثورة شاملة في عموم العراق لطرد هذه الطبقة السياسية التي أتت على البلد فدمرته ونهبت ثرواته وخيراته، وما نشهده من تنامي الوعي ووضوح الرؤية لدى عموم شعبنا في عموم محافظاته يجعلنا نتمسك بهذا الخيار ونحن نرى أبناء شعبنا أهلًا لتغيير واقعهم المزري”.
وناقش التقرير تفاصيل إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، موضحا بانها كانت لم تتجاوز سقف التمنيات المعهود في تقاريرها السابقة؛ ولكنها، فيما يبدو تحت ضغط الفشل السياسي الكبير للنظام السياسي القائم، لم تستطع هذه المرة المحافظة على اللغة “المتحفظة” في نقد العملية السياسية كما عهدناها في إحاطاتها السابقة؛ فقد كانت صريحة إلى حد بعيد في الاعتراف بفشل العملية السياسية؛ والمطالبة بحلول جذرية؛ ولكنها بقيت وفية لرؤيتها في تعليق هذه الحلول بالسياسيين الحاليين؛ وكأننا بها تلقي، مرة بعد أخرى، شباكها في بحر من الرمال.
وذكر التقرير ان الإحاطة مثلت اعترافا مهما بأن العملية السياسية الجارية عقيمة، وليست لها القدرة على وقف التدهور المستمر فيها؛ والنتيجة هي التصريح بالفشل والتأسف على ذلك؛ بسبب عوامل عدة يأتي في مقدمتها “الشقاق، ولعبة النفوذ الأولوية على حساب الشعور بالواجب المشترك… والتقاعس السياسي الذي طال أمده” وهو ما أدى بحسب الإحاطة، إلى أن يشهد العراق “أوقاتًا حرجة وخطيرة للغاية” فضلًا عن “تصاعد التوتر لأشهر عدة. وبدأ مؤيدو الأحزاب السياسية، وكثير منهم مسلحون، ينشطون بشكل متزايد”؛ حتى أصبح “الوضع خطيرًا جدًا…؛ حيث أمسى البلد على شفا الفوضى العارمة. وتحولت التوترات السياسية إلى اشتباكات مسلحة في قلب العاصمة وفي مناطق أخرى، وأسفرت عن نتائج محزنة تمثلت بمقتل العشرات وإصابة المئات من الأشخاص”.
ويخلص تقرير الإحاطة في هذا الموضوع؛ إلى أن بيان السبب فيما تقدم من مؤشرات خطيرة هي الطبقة السياسية الحاكمة، دون أن يذكر السبب الحقيقي لذلك، وهي القواعد الخاطئة التي أسست عليها العملية السياسية! قائلًا “لا جدال في أن هذه التطورات المأساوية هي نتيجة لعدم قدرة الطبقة السياسية في العراق على اتخاذ إجراءات فعالة… وبتعبير آخر: لقد أخفقت الأطراف الفاعلة على امتداد الطيف السياسي في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول. لقد تركوا البلد في مأزق طويل الأمد، مما زاد من تصاعد الغضب المتأجِّج أصلًا.” والنتيجة هي بقاء “الوضع شديد التقلب”.
وبشأن التظاهرات الشعبية في ثورة تشرين انتقد تقرير هيئة علماء المسلمين، الإحاطة التي اختصرت على التوصيف والعرض التاريخي، على الرغم من وصفها له بالمأساوية، وأنهته بسرعة، وبدون أن تذكر، ولو تلميحًا، من هي الجهات المتهمة بارتكاب هذه المأساة والجرائم التي جرت فيها، ودون أن تذكر حرفًا واحدًا عن الميليشيات.
وبعد ذكر صعوبات تنظيم الانتخابات الماضية تضطر المبعوثة الأممية إلى التصريح بأنه “يصبح من الصعب تبرير غياب حكومة تؤدي وظائفها بعد مرور 12 شهرًا”، وتجعل هذا الواقع سببًا لتظاهرات العراقيين الجديدة، التي تعزو عدم اتساعها النسبي إلى أنه “ليس لأن العراقيين أصبحوا الآن راضين فجأة، بل لأنهم لا يرغبون في أن يتم استغلالهم في خضم الصراع الجاري على السلطة، كما أوضح ذلك العديد من أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع عام 2019”.
وذكر التقرير الدوري للهيئة أن خيبة العراقيين قد وجدت طريقها أخيرًا إلى تقارير الإحاطة الأممية؛ حيث ورد في الإحاطة هذه المرة؛ أنه “لا يكن لديكم أدنى شك بأن خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء. لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه. ولن يؤدي استمرار الإخفاق في معالجة فقدان الثقة هذا سوى إلى تفاقم مشاكل العراق”.
وأضاف التقرير عند الاحتياج لإيجاد شيء ما لحل مآسي العراق وواقعه المزري؛ تضطر بلاسخارت إلى أن تصرح ببعض ما تنوي فعله من إجراءات غير مجدية، قائلة “ورغم أنني عادة لا أميل إلى بث مبادراتنا علنًا، أود أن أؤكد هنا مشاركاتنا المكثفة خلال الأشهر والأسابيع الماضية، بدءًا من المشاركة في الحوار وعقد لقاءات ثنائية لا حصر لها، وصولًا إلى صياغة خرائط الطريق والقيام بتحركات دبلوماسية مكوكية بأشكال مختلفة. صدقوني، لقد حاولنا دون توقف”.
وأوضح أن إحاطة الممثلة الأممية تضمّن “أسئلة يائسة” من قبيل: ماهي الضمانات بأن إجراء انتخابات وطنية جديدة لن يذهب سدى مرة أخرى؟ كيف سيقتنع المواطنون العراقيون بأن الأمر يستحق الإدلاء بأصواتهم؟ وما هي التطمينات التي سيحتاجها المجتمع الدولي لتقديم الدعم للانتخابات الجديدة؟
وأكدت هيئة علماء المسلمين في ختام تقريرها الدوري على أنه غير خفي فداحة المأزق الذي وقعت فيه بعثة الأمم المتحدة في العراق، التي ينتظر منها العراقيون أجوبة لمعاناتهم لا أسئلة تزيد من شقائهم واسوداد المستقبل أمامهم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى