ماذا بوسع رشيد والسوداني أن يقدما للزراعة المنكوبة في العراق
ممثل برنامج الأغذية العالمي علي رضا قريشي: إذا لم يتم التكيف مع أزمة المناخ فقد لا يكون المستقبل واعدًا للمزارعين والفئات الهشة في العراق.
بغداد- الرافدين
وضعت التصريحات الأخيرة بشأن انخفاض نسبة الأراضي المزروعة وتقلص الخطة الزراعية في العراق إلى أكثر من نصف المساحة، رئيس الحكومة المكلف محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، أمام اختبار حقيقي، لاسيما وأنهما متخصصان بهندسة الري والزراعة.
وتساءل عراقيون ماذا بوسع رشيد والسوداني أن يقدما للزراعة المنكوبة في العراق وفقا لاختصاصهما، وهل سيوليان هذا الملف عناية ويقدمان الحلول والاستراتيجيات لإعادة العراق إلى عصره الزراعي.
بينما استبعد مختصون في الري والزراعة أن يضع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف أي لمسة لتغيير الواقع البائس للقطاع الزراعي العراقي.
وتعهد رشيد في كلمته المقتضبة عند تسلم مهامه كرئيس للجمهورية بالحفاظ على الثروة المائية وغيرها من الثروات الطبيعية.
ويرى مختصون أن رشيد والسوداني مثل أي مسؤول آخر في عراق 2003 إلى اليوم سينشغلون بتوزيع المغانم والحصص الحكومية وإرضاء القوى السياسية وتقديم التنازلات من أجل الاستمرار بمنصبيهما، فضلًا عن كونهما لا يملكان أي مشروع وطني لإنقاذ البلاد.
وتهكم الصحفي مصطفى كامل متسائلًا “رئيس جمهورية الإطار التنسيقي عبد اللطيف رشيد مهندس ري ورئيس حكومتها محمد شياع السوداني مهندس زراعي، ومن المؤكد أن هذه (الخبرات) ستنعكس على الواقع الزراعي والإروائي المتردي في العراق وسيزداد البلد تصحّرًا وأنهاره جفافًا وبساتينه تجريفًا”.
وشهد العراق، موجة جفاف متزايدة خلال العامين الماضيين، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار وهو الأدنى منذ 40 عامًا، فضلًا عن العمليات العسكرية وإهمال رعايتها، وضعف منسوب مياه الري الذي أدى إلى تصحر التربة.
وقال رئيس الجمعيات الفلاحية حسن التميمي، إن “الخطة الزراعية لم تقر في ظل انخفاض كبير للمساحات المزروعة”.
وأضاف أن “المساحات الزراعية في العراق انخفضت من ستة ملايين وخمسة ملايين إلى مليون و500 ألف دونم فقط، وهذا يعد مؤشرًا خطيرًا يؤدي لأضرار كبيرة بالمستوى المعاشي للفلاح ويتسبب بقطع أرزاقهم وهجرة الكثيرين منهم”.
وأشار إلى أن قانون الأمن الغذائي لم يخصص الأموال اللازمة لمواجهة هذه الأزمة واكتفى بتخصيصات مالية خجولة لوزارة الزراعة.
من جانبه، أكد مدير زراعة ذي قار صالح هادي، أن الجفاف وشح المياه قلص الخطة الزراعية للموسم الشتوي إلى نحو 60 بالمائة.
وقال هادي، إن “الخطة الزراعية المقررة لمحافظة ذي قار ضمن الموسم الشتوي قلصت بنسبة 60 بالمائة، قياسًا بالأعوام السابقة، لافتًا إلى أن الخطة الزراعية تتضمن محصولين استراتيجيين هما الحنطة والشعير”.
وأضاف أنه تم إخطار مديرية الزراعة في المحافظة بأن الخطة بلغت 135 ألف دونم فيما كانت خطة العام الماضي أكثر من 210 ألف دونم.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قد دعوا في بيان الاثنين، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لأزمة الغذاء العالمية حيث يواصل العالم مواجهة تحديات بلا حدود، بما في ذلك العراق.
وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي في العراق، علي رضا قريشي “لا يزال العراق من أكثر البلدان تأثرًا على مستوى العالم بالآثار الضارة لتغير المناخ”. محذرًا بأنه، “إذا لم يتم تنفيذ التخفيف والتكيف، فقد لا يكون المستقبل واعدًا للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والفئات الهشة في العراق”.
وأضاف “نحن في برنامج الأغذية العالمي نعتقد أن الغذاء هو الطريق نحو السلام، وبالتالي، يجب اتخاذ إجراءات جادة على الفور من قبل حكومة العراق والمجتمع الدولي؛ لاعتماد أنظمة غذائية ذكية مناخيًا وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل من أجل ضمان أن العراق وأفراده قادرون على التكيف في هذه الأوقات العسيرة”.
وأدى ذلك إلى تدهور الأراضي الصالحة للزراعة، وزيادة ملوحة المياه والتربة، ما يسهم في خسارة كبيرة لسبل العيش وزيادة الضغط على ميزانية الدولة.
وتستورد الحكومة الحبوب لضمان توافر الغذاء الكافي للسكان، فضلًا عن استيرادها للخضراوات والفواكه من إيران في مواسم الحصاد، ما أسهم في هبوط أسعار المنتجات المحلية وخسارة المزارعين لمحاصيلهم.
ويؤكد المزارع علاء إياد من قرية عوينات التابعة لمحافظة صلاح الدين، صعوبة العمل في مثل هذه الظروف، وعدم القدرة على دفع أجور العمال والمستلزمات الكيميائية في ظل تصاعد أسعارها.
ودفعت هذه الظروف بإياد إلى زرع دونمين فقط من أصل 10 يملكها، رغم أنها مصدر دخله الوحيد، داعيًا الجهات المختصة إلى دعم المزارعين وتعويض أصحاب الأراضي التي دمرتها الحرب.
وكذلك حال قصي نعمان أحد مالكي الأراضي الزراعية في محافظة صلاح الدين، الذي يرى أن ضعف الدعم الحكومي وعدم توفير المستلزمات الرئيسة للزراعة، أضرّ بالعاملين في هذا المجال. ودفعهم إلى الهجرة نحو المدن أو العمل في مجالات أقل خطورة مالية، مثل الأسواق الغذائية أو سيارات الأجرة، أو تحويل بساتينهم إلى قطع سكنية أو أحواض سمكية.

وقال الباحث في الشأن الزراعي الدكتور صباح السعدون، إن “انتشار ظاهرة تجريف البساتين وهجر المناطق الزراعية يهدد الأمن الغذائي في البلاد، ويحوّلها إلى مستورد للمنتجات الزراعية، كما يحمل مخاطر بيئية جمة بسبب قتل المساحات الخضراء”.
واتهم السعدون وزارة الزراعة والجمعيات المعنية، بالإهمال الذي رفع من حدة الأزمة.
ويرى السعدون أن استمرار إهمال الحكومة للزراعة وغياب الرؤى المستقبلية الواضحة وعدم وضع الخطط الإستراتيجية للخروج من الأزمة كلها عوامل أصابت الإنتاج المحلي بالشلل، كما زاد تراكم الأخطاء في صعوبة إيجاد الحلول السريعة.
وأشار إلى وجود جهات مستفيدة من استمرار الأزمة بسبب انتفاعها ماديًا من تزايد الاستيراد، مؤكدًا تورط مسؤولين كبار في الدولة في ذلك.
وتعمّق ظاهرة حرق المحاصيل الزراعية هي الأخرى من هشاشة الأمن الغذائي في العراق، الذي تراجع اعتماده على الإنتاج الزراعي المحلّي بشكل ملحوظ.
كما تؤثّر على النشاط الاقتصادي الرئيسي لسكّان الكثير من المناطق، وتمنع استقرارهم في مناطقهم.
ويوجّه سكان تلك المناطق أصابع الاتّهام بحرق المحاصيل إلى الميليشيات، على أساس أنها مستفيدة من منع استقرار السكان في مناطقهم في إطار مخطّطات لإحداث تغيير ديمغرافي في بعض تلك المناطق لاسيما في محافظة ديالى، التي تسيطر الميليشيات على أجزاء منها وترفض مغادرتها على الرغم من مطالبة السكان بتسليم الملف الأمني بالكامل للقوات الأمنية.
وكان الاحتلال الأمريكي قد عطل السياسات الزراعية في العراق بعد عام 2003، ولم تسع الحكومات المتعاقبة لحل هذه الأزمة بشكل جدي يعيد الزراعة إلى نشاطها، على الرغم من التحذيرات المستمرة، لما يشكله استمرار الأزمة من انعكاس خطير قد ينهي الزراعة في البلاد إلى الأبد.
ويعد القطاع الزراعي قبل عام 2003 ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بعد قطاع النفط، ويمثل 5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي.