أخبار الرافدين
طلعت رميح

ماذا ينقص احتجاجات إيران لتصبح ثورة؟

تخطت الاحتجاجات الإيرانية النقطة الحرجة، إذ تصاعدت بأكثر مما كانت عليه لحظة اندلاعها، قبل أكثر من أربعين يومًا، كما سجلت انتقالًا نوعيًا في الحركة وفي الشعارات والتنظيم.
لقد كسرت حاجز الزمن وأضعفت قدرة النظام على إجهاضها، وحققت انتشارًا وإمساكًا بالأرض، وباتت تطور من أساليبها وتضم إلى صفوفها أنماطًا متعددة من التنظيمات والفئات المجتمعية.
ولذلك بات التساؤل منطقيًا، بشأن ما إذا كانت قد تحولت إلى ثورة أو ما الذي ينقصها حتى تصبح كذلك فعليًا؟
كانت الاحتجاجات قد تفجرت عفويًا، وجاء اشتعالها موضعيًا في المدينة الكردية سقز، مسقط رأس الشابة المغدورة مهسا أمينى، ثم توسعت بسرعة لتشمل مختلف المدن التي تسكنها قوميات مختلفة في البلاد. وكانت قد اجتذبت قطاعات مجتمعية متعددة، كما بدأ يظهر اعتمادها نمطًا إستراتيجيًا في حركتها، لكن كل ذلك كان يجري، فيما الاحتجاجات بلا قيادة، ودون إستراتيجية محددة وواضحة. ودون أن تظهر قيادة سياسية ورؤية محدده لنظام سياسي بديل، وهو ما دفع لوصفها بالاحتجاجات، إذ لا ثورة بدون قيادة وبدون إستراتيجية تطور حراكها وفق خطط محددة، ودون ورؤية سياسية لنظام سياسي بديل، لذاك الذي تحاول الاحتجاجات تغييره.
الآن ظهرت قيادة ميدانية للاحتجاجات يطلق عليها المحتجون تنسيقيات الثورة، بما بات يعطي للحركة الجماهيرية قدرة تنظيمية وحركية أعلى، وقلل من قدرة الأجهزة الأمنية على مباغتة المتظاهرين. وأبرزت الاحتياجات قدرًا أعلى من الوضوح السياسي والإستراتيجي، إذ جرى التركيز في الشعارات على محددات أيديولوجية أو فكرية للنظام.
والأهم أن جرى ربط الحراك، عبر التنسيقيات، باستراتيجية الحركة على الأرض. أدخلت تلك التنسيقيات عنصر التنظيم وباتت تطلق الفعاليات وفق توقيتات للحرك المتزامنة والمنسق في مختلف مناطق البلاد.
وإذ تأكد يومًا بعد يوم اعتماد الحراك خطة تدرجية طويلة النفس، طوال أكثر من أربعين يومًا، لإنهاك القوات القمعية للنظام، فقد ظهر واضحًا منذ يومي الأربعاء والخميس الماضيين، اعتماد الحراك الشعبي خطة التعبئة الحركية الشاملة، في توقيت واحد.
لقد تمكنت الاحتياجات من التخلص من عفوية النشأة الأولى، إذ كان يجري اندلاع التظاهرات بدون تنسيق بين المجموعات والمناطق. الآن صارت الاحتياجات تندلع بشكل مترابط ومتوحد زمنيًا، بما يشتت جهد النظام وأجهزة القمع وهو ما رأيناه في الأيام الماضية، إذ اندلعت الاحتياجات المتزامنة في مدن سقز وكاميران وتبريز وبلوشستان والأحواز ومشهد وبادان واصفهان وشيراز وسنندج وكرج وجيلان ورشت وكرمنشاه، بالإضافة إلى 70 نقطة تظاهر داخل العاصمة طهران.
كما زاد وضوح ثبات الاحتياجات على شعارات إسقاط النظام لقد بدأت الاحتجاجات بطرح شعار الموت لخامنئي كرد فعل عفوي، لكنها انتظمت الآن تحت شعار موحد في كل التظاهرات وفي كل المناطق، هناك تمسك بشعارات الموت لخامنئي، وحرق صوره كرمز للنظام، وصور قاسم سليماني كعنوان للحرس الثوري ولرفض إهدار أموال الشعب الإيرانية على التدخلات الخارجية، كما أصبح شعار الحرية، العنوان الأقوى للحراك. والأهم أن المحتجين يتمترسون الآن تحت شعار، إسقاط النظام.
وكان لافتًا أن ظهر بوضوح انتقال المتظاهرين من وضعية التصدي الفردي الجسور لهجمات القوى القمعية في الشوارع إلى شن هجمات جماهيرية وبمجموعات واسعة، على تلك القوات، أينما أمكن ذلك.
لقد تصاعدت أعمال الهجوم على مقرات الحرس الثوري والباسيج، لتعطيل وإعطاب قوة الحرس قبل تحركها، ولوضعها في موضع رد الفعل. وأعمال حرق سيارات الشرطة وغيرها من وسائل تحريك القوات لإضعاف قدرتها على مطاردة المحتجين. وتظهر المشاهد المصورة للفعاليات، انتقال المجموعات الحركية للهجوم على السيطرات الأمنية الثابتة ومحاصرة بعض مقرات القوى القمعية وحرقها، كما تظهر حالات سيطرة على مقار حكومية، في الشوارع والأحياء.
وكان لافتًا ظهور مجموعات طبية لعلاج المصابين في مواقع التظاهر، بعد انضمام نقابة الأطباء للاحتجاجات. وقد بدأت منظمات مجتمعية في الحركة، والأهم فيها والأكثر دلالة، ما قام به علماء السنة في بلوشستان، إذ عقدوا لقاءًا جامعًا، وقرروا تحريم أي لقاء أو اجتماع لعموم أهل السنة في البلاد مع الحكومة الإيرانية.
وكان الأهم، أن يربك الهجوم الإرهابي، الذي وقع في شيراز، مشهد الاحتجاجات. لقد حاول النظام استغلال الحدث، حيث قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إن أعمال الشغب قد مهدت الطريق لوقوع الهجمات الإرهابية، وهو نفس ما تحدث به حسن نصر الله من لبنان، وبدأ إعلام النظام حملة تخويف للمحتجين بربط الحراك بعملية قتل للمدنيين في شيراز، غير أن الاحتجاجات، لم تلتفت لتلك اللعبة وواصلت التصعيد الشعبي لم تتوقف الاحتجاجات ولم تتحول إلى حالة الدفاع عن نفسها.
لكن الاحتجاجات لا يزال ينقصها تقديم تصور لنظام سياسي بديل. وهي لم تتخط بعدُ حالة تعدد القوميات ولم تتوصل إلى برنامج توافقي مع بعضها البعض بعد.
لقد طرحت فكرة وحالة النظام الفيدرالي لكن الأمر في بدايته على صعيد ربط فعاليات الحركة الشعبية بمحتويات ومضامين الفكرة. كما لم تظهر قياده سياسية علنية للحراك، قادرة على تجسيد نموذج الحكم القادم بعد إسقاط النظام.
وكذا لم تظهر المعارضة السياسية في وضع التوافق على برنامج رؤية توحد كل الجهود.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى