أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تنصل السوداني عن وعود خفض سعر صرف الدولار يثير استياء العراقيين

حكومة "الولاية الثالثة" تفشل في أول اختباراتها بعد أن تحولت إلى مادة للسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية التصريحات المتناقضة لرئيسها حول سعر صرف الدولار.

بغداد ـ الرافدين

عد مراقبون وخبراء اقتصاديون تنصل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني عن وعوده السابقة المتعلقة بتخفيض سعر صرف الدولار، تناقضًا وازدواجية واضحة بعد محاولاته السابقة في استمالة مشاعر المواطنين، ضمن “دعاية شعبوية” غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
وقال السوداني، إن قرار تغيير سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي من صلاحيات البنك المركزي والحكومة تنفذ مايراه البنك قبل أن يعيد العراقيون مقاطع وتغريدات سابقة له قال فيها إن قرار سعر الصرف بيد البرلمان وممثليه على حد قوله.
واستذكر مغردون ومدونون تصريحًا سابقًا لرئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني أكد فيه أن “ثورة الجياع قادمة إذا لم تعاد قيمة الدينار العراقي أمام الدولار للسعر السابق” في منشور نشره السوداني على صفحته الرسمية الموثقة بالعلامة الزرقاء في تويتر وفيسبوك في شهر آذار من العام الماضي.
وطالب السوداني في منشوره الحكومة السابقة والبرلمان بـ “عدم العناد وألا تأخذهم العزة بالأثم” على حد وصفه في إشارة إلى إصرار حكومة مصطفى الكاظمي على اعتماد سعر الصرف الحالي الذي ما يزال معمولًا به حتى اللحظة على الرغم من تسلم السوداني الوزارة منذ نحو أسبوع.
وقوبلت تصريحات السوداني الجديدة التي جاءت في مؤتمره الصحفي الأول بموجة من السخرية والاستياء من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين قالوا إن هذا التراجع بمثابة “الكذبة الأولى” للحكومة الجديدة بعد أن تفاعل عراقيون في الأيام الماضية على وسم (#خفض_سعر_الدولار_مطلبنا) تعبيرًا عن حاجة الشارع الملحة لمثل هذا القرار.
واقترح زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر، “حلًا وسطًا” على حد قوله لمسألة تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار، بعد أن أجهض السوداني آمال المترقبين لتخفيض سعر الصرف.
وعد المالكي وهو رجل الظل المحرك للحكومة الجديدة التي يلقبها العراقيون بـ “حكومة الولاية الثالثة” أن تحديد سعر صرف الدولار بـ1375 دينارًا للدولار الواحد، مناسب لدفع الضرر عن المواطن وعن الاقتصاد.
وفسر مراقبون تغريدة المالكي بالمحاولة اليائسة لرفع الحرج عن رئيس الحكومة الحالية الذي كان قد أكد ان سعر الصرف مرهون بما يرتئيه البنك المركزي وأن حكومته ملتزمة برؤية البنك في تناقض لتصريحات سابقة له على قناة آفاق التي يديرها المالكي نفسه.
واتفق عضو ائتلاف دولة القانون عادل المانع، مع ما ذهب إليه زعيم كتلته نوري المالكي، بالقول إن “حكومة السوداني “ماضية في قرارها في تعديل أسعار الصرف بما يخدم الدينار العراقي مقابل الدولار”.
وشدد المانع أنه “لا تراجع عن هذا القرار” مشيرًا إلى أن عملية تعديل الصرف ستكون بشكل تدريجي، وستظهر ملامحها الأولى “في مشروع قانون الموازنة” الذي تعده الحكومة الجديدة.
ويتوقع المانع أن تستهدف الحكومة الجديدة إيصال سعر الصرف إلى معدل “1300 دينار عراقي مقابل الدولار، بما يخدم الأهداف الاقتصادية الهامة للبلاد خلال المرحلة المقبلة”.
بدورها وصفت الباحثة الاقتصادية، سلام سميسم الوعود السابقة التي أطلقها رئيس الوزراء الحالي والكتلة الداعمة له، فيما يتعلق بسعر صرف الدينار، بأنها “وعود شعبوية تستهدف مداعبة مشاعر المواطنين”، ولكنها على أرض الواقع “غير قابلة للتطبيق”.
وقالت سميسم في تصريح صحفي إن قرار “تحديد سعر صرف الدينار العراقي، هو قرار اقتصادي نقدي بحت، وليس بالقرار السياسي الذي تتحكم به الحكومة”، مشيرة إلى أن تحديد السعر الحالي جاء وفقًا لخطة اقتصادية مالية نقدية مدتها خمس سنوات، ومضى منها عامان حتى الآن، ولا يزال أمامنا “ثلاثة أعوام على الأقل بتثبيت سعر الصرف عند مستوياته الحالية”.

المالكي يلقي بطوق النجاة لحكومة السوداني ويقدم حلولًا اقتصادية مزعومة لأزمة سعر الصرف

وعاشت الأسواق العراقية خلال الأيام الماضية حالة من الترقب والقلق، إثر التصريحات الأخيرة وما صاحبها من حراك برلماني، نحو تغيير سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وهو ما ألقى بظلاله سريعًا على الحالة العامة، وخلق حالة من الجمود في الأنشطة وأجواء غير ملائمة لتبادل العملات وتسيير الأعمال التجارية.
وكان نحو 40 نائبًا قد اعلنوا عبر قائمة حملت أسماءهم، عن رغبتهم بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، لكن بشكل تدريجي.
وعلى مدار السنوات السابقة، كان سعر صرف الدولار الواحد 1200، لكن عام 2020، أعلنت وزارة المالية، تعديل سعر الصرف ليكون 1450 دينارًا، للدولار الواحد، لمواجهة انخفاض أسعار النفط حينها بعد عجز الحكومة عن تأمين الرواتب في ظل عمليات الفساد السائدة.
وأثر التباين الحكومي الأخير حول سعر صرف الدولار، على انخفاضه بشكل سريع، إلى أقل من 1450، في السوق المحلية، ما أثر سلبًا على الحركة التجارية، إذ يسعى بعض التجار إلى استثمار هذا الجو وشراء الدولار بسعر أقل، على أمل بيعه لاحقا.
وبدت الأجواء مرتبكة بشكل أوضح في سوق الشورجة الرئيس وسط العاصمة بغداد، إذ أوقف كثير من التجار، استيراد بضائعهم، من الخارج، تحسبًا لأي تغييرات على سعر الدولار بشكل رسمي، وهو ما سيربك أعمالهم، خاصة أن بعضهم سيتكبد خسائر مالية.
وشهدت المصارف العراقية حركة دؤوبة من قبل المواطنين، لبيع مدخراتهم المكتنزة بالدولار، تحسبًا لانخفاض قيمته، ما يعرضهم إلى خسائر على الرغم من تأكيد البنك المركزي العراقي في بيان على “عدم وجود أية نوايا لتغيير سعر الصرف”، ودعوته للمواطنين “إلى المحافظة على قيمة أموالهم والابتعاد عما يشاع في وسائل الإعلام”.
وكانت رابطة المصارف الخاصة العراقية، قد قالت في بيان، إن “إعادة أسعار الدولار ستؤثر سلبًا على الاقتصاد”، مؤكدة أن “التراجع الطفيف بالصرف لن يخفض أسعار المواد في الأسواق”.
وعد المستشار الاقتصادي في الرابطة سمير النصيري، في حديث صحفي أن “التراجع الحالي القليل لأسعار صرف الدولار يعد نوعًا من أنواع الإرباك الذي يمارسه المضاربون في سوق تداول العملة، من خلال استغلال الشائعات لتحقيق مصالح ضيقة”.
وحذر النصيري من أن “عملية التغيير والعودة للسعر السابق لقيمة الدولار مقابل الدينار العراقي، ستؤدي إلى تكاليف باهظة يتحملها الاقتصاد”، إضافة إلى “أضرار كارثية سيتحملها المواطن بسبب المشاكل التي ستحدث في التعاملات التجارية والمالية الداخلية”.

الأسواق العراقية تشهد ركودًا اقتصاديًا ملحوظًا بسبب التباين في التصريحات حول سعر الصرف

وأسفر خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار عن تداعيات كبيرة، حيث نتج عن ذلك ارتفاعات في أسعار أغلب المواد والخدمات الاستهلاكية والغذائية منها على وجه الخصوص بنسبة وصلت إلى أكثر من 45 بالمائة، حسب تقديرات اقتصادية.
وأكثر ما جعل التخفيض الأخير للدينار العراقي أمام الدولار وهو الأقسى والأكثر ضررًا، وفقًا لخبراء في الشأن الاقتصادي، أنه جاء في وقت لا تتوفر فيه المقدمات الصحيحة من حيث وجود قاعدة للصناعة والزراعة يعتد بها وتوفر بديلا سلعيا لكثير من السلع الصناعية والزراعية المستوردة التي ارتفعت أسعارها، كما أن التغيير الذي حصل في سعر الصرف كان فجائيا وليس متدرجا.
ووضع انخفاض قيمة العملة العراقية اقتصاد البلاد في حرج كونه يعتمد بشكل أحادي في الإنتاج ويعتمد على تصدير النفط في تأمين ميزانياته السنوية، خصوصًا أن تخفيض سعر الصرف لا يساهم في زيادة تصدير النفط كون الأخير تحدَّد أسعاره في السوق العالمية بنظام السعر الواحد كما يؤكد خبراء.
ويصنف العراق في قائمة الدول المستوردة لأغلب منتجاتها، في اعتماد كبير على الدولار الذي يُعد عملة ثانية في البلاد، ما يعني أن أي تغييرات في سعر الصرف، تنعكس بشكل مباشر على السوق والحركة التجارية.
وبسبب الاعتماد الكبير على استيراد البضائع تحول البلد على مدار عقدين إلى معبر لعمليات تهريب كبيرة “للدولار” تحت غطاء الاستيراد الذي بات بحسب مراقبين “ثقبًا أسودًا” لاستنزاف الأموال الصعبة وتحويلها إلى دول مثل لبنان وإيران عن طريق “مزاد العملة”، في خطوة منظمة تهدف إلى كسر الحصار الاقتصادي والعقوبات الأمريكية على إيران ودعم حزب الله في لبنان.
وتتمحور الفكرة الأساس حول مزاد العملة المتعلق “ببيع” الدولار إلى المصارف وشركات تحويل الأموال لإدارة عملية استيراد البضائع وتصل “مبيعاته” من الدولار يوميًا إلى نحو 180 مليون دولار، لكن شبهات عدة تُطاول شخصيات سياسية نافذة وزعماء ميليشيات وشخصيات مرتبطة بمرجعيات دينية تقف خلف تلك المصارف لإدارة عمليات الفساد.
ويقدر خبراء الفارق بين حجم الحوالات إلى الخارج وبين قيمة البضائع الداخلة بـ 30 مليار دولار بينما يصف متخصصون بالاقتصاد مزاد العملة بأنه واجهة لاستنزاف للدولار وفرصة لبعض المصارف التي تمتلكها جهات نافذة، لتحقيق أرباح كبيرة من خلال ببيع كميات كبيرة من الدولارات يوميًا، تفوق حاجة الاقتصاد العراقي ولا يعود منها كبضائع إلا بنسب لا تتجاوز الـ 40 أو 50 بالمائة في أفضل الأحوال والباقي يهرب إلى دول الجوار لاسيما إيران.
وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية مصارف عراقية تتعامل مع المزاد على لائحة العقوبات في أكثر من مناسبة إلى جانب إدراج المفوضية الأوروبية العراق وبعض الدول الأخرى، ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية على الاتحاد بسبب التقصير الواضح في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى