أخبار الرافدين
كرم نعمة

ما يحدث في العراق لن يبقى في العراق

إذا كان التفاهم بين الولايات المتحدة وإيران في دعم حكومة محمد شياع السوداني، يمكن تفسيره بالتخادم لتنفيس الصراع بين طهران وواشنطن، فأننا بحاجة الى مفردة أسوأ من النفاق عندما يتعلق الأمر بالدعم العربي والإقليمي لما أطلق عليه العراقيون “حكومة الولاية الثالثة” لأنه لا يحتاج المرء إلى جهد عميق لمعرفة أن السوداني صنيعة نوري المالكي ببساطة متناهية. وأن شارة العار الطائفي التي يرتديها المالكي منذ الوهلة الأولى التي كان فيها يترقب جيش يزيد بالهجوم عليه، قد علقها السوداني بلا أي تردد منذ اليوم الأول لإدارة حكومته.
ذلك يعني ببساطة أن ما يحدث في العراق لن يبقى في العراق، وأنه وفق استراتيجية الهيمنة الإيرانية سينتقل بالضرورة الى الدول التي سارعت بإعلانها دعم حكومة السوداني، وكأن لا ضرر يصلها من حكومة شكلتها ميليشيات لم تكتف بممارسة الصراخ، بل أطلقت الصواريخ والمسيرات.
لا يمكن أن نتوقع أن ترحب السعودية بحكومة الحوثيين في اليمن، فلماذا لا تعتقد الرياض أن حكومة السوداني تدير في بغداد معادلا ميليشياويا للحوثيين؟
لقد كشف السوداني موقفه من السعودية مبكرا وقبل أن يشكل حكومته في الرسالة التي عرض فيها على واشنطن الانصياع التام من أجل القبول به في المنطقة الخضراء، عبر رفض قرار أوبك+ القاضي بتخفيض انتاج النفط الذي احتجت عليه الولايات المتحدة وهددت بفرض عقوبات على دول أوبك وعلى رأسهم السعودية.
ومارس السوداني نوعًا من “التذاكي الساذج” لتقديم نفسه إلى واشنطن بتصريح لصحيفة “وول ستريت جورنال” بقوله إن “العراق لا يمكن تحمّل خفض إنتاجه النفطي كجزء من تحرك أوبك+ لخفض الإنتاج”، مشيرًا إلى أن “البلاد بحاجة إلى الأموال لتعزيز اقتصادها المتعثر”.
وصرح السوداني، بعد أيام من اجتماع أوبك+ في فيينا، بأن “تخفيضات الإنتاج التي فرضها التحالف النفطي لن تنجح في العراق وسنطلب من أوبك إعادة النظر في حصة العراق”.
بعدها بأيام قليلة نشرت الصحيفة نفسها تقريرا يؤكد اكتشاف أجهزة الاستخبارات السعودية ان طهران تحضر لهجمات في السعودية والعراق لتحويل الانتباه عن الاضطرابات الجارية في إيران منذ أسابيع إثر وفاة الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما بعد توقيفها لدى شرطة الأخلاق.
استمعت الرياض إلى رسالة السوداني الموجهة الى واشنطن، لكن النسخة الرئيسة منها كانت تذهب باتجاه السعودية! مع ذلك سارعت الرياض مع واشنطن وطهران للترحيب به عندما كان السفير السعودي في بغداد عبد العزيز الشمري يأخذ دوره في الطابور المرحب الذي استهله السفير الإيراني محمد كاظم آل صادق والسفيرة الأمريكية آلينا رومانوسكي.
تدرك السعودية الضرر الإيراني على أمنها القومي، والسوداني لن يكون إلا ممثلا منصاعا للاستراتيجية الإيرانية، وأن درس “المرارة الدبلوماسية” بالترحيب بالخصوم والكارهين لا يمكن أن يجعل من طهران وتابعتها حكومة الميليشيات في المنطقة الخضراء أمّاً رؤوما على سلام وأمن المنطقة، بمجرد فتح استراتيجية “قم أم القرى” على طاولة أي مسؤول في الرياض.
ذلك الضرر من حكومة الولاية الثالثة لا يقتصر على السعودية وحدها، فالكراهية التي يكنها المالكي للمحيط العربي انتقلت بشروطها المبكرة الى السوداني قبل الدفع به من قبل الإطار التنسيقي إلى رئاسة الحكومة.
لذلك تبدو فلسفة الوعد بالتغيير من أجل القبول بحكومة محمد شياع السوادني من قبل دول المحيط العربي، اشبه بالاقتراض السياسي المستحيل من المستقبل، وسط ماضي فاشل وحاضر فاسد.
حكومة الميليشيات في بغداد وحدها تقترض من المستقبل، لتتحول الفكاهة السياسية الى واقع موغل بالكوميديا السطحية. فالترحيب الإقليمي بحكومة السوداني لا يقلل من الضرر الإيراني الذي ينتظر هذه الدول، لأن ما يحدث في العراق لن يبقى في العراق وحده، صحيح لدينا تاريخ طويل لكن “حواجز النيات الطيبة” لن تقف أمام امتداد جغرافيا الهيمنة السياسية، عندما تمر من إيران إلى العراق، وبعدها من السهولة التفرع باتجاه الجوار الخليجي وحتى سواحل المتوسط عبر سوريا ولبنان!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى