أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الإهمال الحكومي والفساد الإداري وراء انهيار المباني في العراق

لوردات الفساد يستوردون مواد بناء إيرانية غير مطابقة لشروط السلامة والمعايير الهندسية الدولية دون مبالاة بأرواح العراقيين.

بغداد – الرافدين
حذرت مديرية الدفاع المدني من تبعات مخالفة شروط السلامة العامة في العديد من المباني الحكومية والأهلية في البلاد، في ظل عدم وجود غرامات أو عقوبات “تردع” المخالفين لشروط السلامة والأمان ضمن قانون الدفاع المدني.
وقال مدير الدفاع المدني، اللواء كاظم بوهان إن “الدفاع المدني يزور كل ما موجود على الأرض من أنشطة حكومية أو قطاع خاص ويضع ملاحظاته في تقارير تصدر في بداية السنة وفي النصف الثاني من السنة نفسها”.
وأضاف “مقابل ذلك لا توجد غرامات أو عقوبات تردع المخالفين في قانون الدفاع المدني”، لافتًا إلى أن “أقصى ما يمكن أن نفرضه على المخالفين لشروط السلامة والأمان من غرامة هو مليون دينار سنويًا وفق قانون الدفاع المدني”.
يأتي ذلك بعد أيام على احتراق وانهيار أجزاء من مبنى مكون من عدة طوابق في منطقة الوزيرية ببغداد كان يستخدم لتخزين العطور ما أسفر عن وفاة وفقدان 11 شخصًا وإصابة نحو 35 آخرين غالبيتهم من طواقم الدفاع المدني.
وتعليقًا على الحادث قال نائب المدير العام للدفاع المدني العميد حسن الخزرجي، إن المبنى المحترق في الوزيرية مخالف لشروط السلامة وعلى الرغم من هذا كان يستخدم “كمخزن للعطور”.
وتؤكد مصادر مطلعة وجود مئات المباني الحكومية والأهلية المخالفة لشروط السلامة والمهددة بالسقوط في أية لحظة، في ظل عدم استخدام مواد البناء المطابقة للمقاييس، بعد تشييدها من قبل مقاولين لا يعتمدون على مهندسين متخصصين، ولا يعيرون الاهتمام لشروط السلامة.
ويؤكد مهندس في وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، رفض الكشف عن اسمه أن غالبية المباني التي شيدت بعد عام 2003 لم تكن مطابقة لشروط السلامة العامة، وأن “تلك المخالفات تنسحب على القطاعين الخاص والحكومي، إلا أنها أكبر في القطاع الخاص”.
وبين أن “غالبية المباني في القطاع الخاص لا تستخدم مواد البناء المطابقة للشروط، وتشيد من قبل مقاولين لا يعتمدون على مهندسين متخصصين، ولا يعلمون أي شيء عن شروط السلامة، فما يهمهم هو تحقيق المكاسب المالية وتقليل كلف البناء”.
وأشار إلى أن “هؤلاء استغلوا الفساد وعدم وجود رقابة صارمة ومتابعة لأعمالهم، وشيدوا مئات المباني المهددة بالسقوط في أي وقت وأن الكثير من المباني الحكومية تخالف شروط السلامة العامة، في ظل الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والسعي إلى تحقيق الأرباح”، مشددًا على ضرورة “تشكيل لجان هندسية خاصة تجري مسوحات على المباني المنجزة، وتنظر وتحدد مستوى مطابقتها للشروط، حفاظاً على أرواح المواطنين”.
وظهر خطر المباني الآيلة للسقوط جليًا على الارواح خصوصًا بعد حادثة انهيار المختبر الوطني للتحليلات المرضية التابع لوزارة الصحة الحالية في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، مطلع شهر تشرين الأول الماضي، والذي تسبب في مقتل وإصابة عشرات المواطنين.

اللواء كاظم بوهان: سقوط مبان جديدة مخالفة لشروط السلامة أمر وارد جدًا

ولم يستبعد مدير الدفاع المدني اللواء كاظم بوهان سقوط مبان أخرى في البلاد، قائلًا إن “سقوط مبان جديدة مخالفة لشروط السلامة أمر وارد جدًا، علمًا أنها كثيرة وأن “هذا الأمر أصبح مقلقًا للغاية وهاجسًا يثير مخاوف الجميع على المستويين الرسمي والشعبي”.
وكانت لجنة الصحة والبيئة النيابية قد عدت انهيار بناية المختبر الوطني بأنه يمثل كارثة كبيرة ويثير العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب التي أدت إلى هذا الحادث.
وقال نائب رئيس اللجنة، ماجد شنكالي، إن مواد البناء المستوردة أقل بكثير من المواصفات والمعايير العالمية، وأن الحديد المستورد من دولة جارة “في إشارة إلى إيران” هو خارج المواصفات العالمية.
وفي هذا السياق تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لحديد التسليح الإيراني وتهكم عمال البناء حول جودة هذا الحديد الذي يمكن كسره بسهولة في إشارة إلى تورط إيران والميليشيات المرتبطة بها في إغراق العراق بمواد بناء غير مطابقة للشروط والمواصفات.
وعلى الرغم من إعادة سلطة الكمارك في مركز كمرك المنذرية الحدودي إرسالية تقدر بنحو 25 طنا من حديد التسليح لعدم مطابقتها للمواصفات العراقية وللمواصفات الدولية المعتمدة، إلى الجانب الإيراني بعد فشلها بالفحوصات المختبرية في العام 2019 إلا أن مصادر مطلعة أكدت تسهيل دخول مئات الأطنان من هذه المادة من معابر أخرى بشكل دوري وبتواطؤ من قبل الميليشيات ودونما اكتراث لأرواح العراقيين.

ناشطون من النجف يؤكدون استثناء متنفذين للمدينة المائية من إجراءات السلامة

وأدى الفساد وانعدام إجراءات السلامة بالتسبب بفاجعة كبيرة في النجف بعد اندلاع حريق هائل في المجمعات التجارية بالمدينة المائية، مخلفًا خسائر مادية تقدر بمليارات الدنانير نتيجة غياب الرقابة والمتابعة بعد منح الرخص الاستثمارية.
وعزا أصحاب المحال التجارية في المدينة المائية بمحافظة النجف أسباب الحريق إلى سيطرة الفاسدين وتحكمهم بمقدرات البلاد، ومنح الامتيازات الاستثمارية المخالفة للقانون، مقابل أخذ الرشاوى من المستثمرين، وإن كان ذلك على حساب العراقيين.
وكشف ناشطون من النجف عن وجود تحذيرات كثيرة صدرت من مديرية الدفاع المدني من خطورة مشروع المدينة المائية، كونه يتفقد لشروط وضوابط السلامة والأمان، وأنه كان هناك إهمال لهذه التحذيرات من قبل هيئة الاستثمار وكذلك ديوان المحافظة في زمن المحافظ الأسبق عدنان الزرفي والمحافظ السابق لؤي الياسري.
وبين الناشطون أن الذي يتحمل المسؤولية في الدرجة الأساس كذلك هو المستثمر اللبناني، الذي يتمتع بغطاء من بعض الأطراف السياسية والميليشياوية.
واستند الناشطون إلى كتاب صادر من مديرية الدفاع المدني ردًا على طلب المحافظ السابق لؤي الياسري حول استثناء المدينة المائية من إزالة “السندويج بنل” وهي مادة سريعة الاشتعال، الأمر الذي رفضته المديرية دون اتخاذ اجراء بشأن الإزالة.
وقال ناشطون ان “كل المعطيات تؤكد ان الحريق نشب بسبب تماس كهربائي، قبل أن يتفاقم الأمر بسبب القنبلة الموقوتة داخل المدينة المتمثلة بـ (السندويج بنل)، الذي تسبب بالكارثة والخسائر الكبيرة”.
ويبدو أن المخاطر المترتبة على عدم مراعاة شروط السلامة أصبحت ظاهرة تهدد أرواح العراقيين لا سيما الطلاب منهم بعد تداول صور تظهر وجود تشققات في الدعامات الرئيسة لمبنى جامعة أوروك الخاصة في بغداد قبل أن تكتفي إدارة الجامعة بتغليف التشققات الموجودة في أساسات المبنى في محاولة لتفادي الموضوع دون مراعاة للمخاطر الجسيمة المترتبة على ذلك.
وأدى تداول الصور الملتقطة من قبل طلبة جامعة أوروك على نطاق واسع إلى تشكيل لجنة خاصة بالمكتب الاستشاري لجامعة بغداد، لفحص وتقييم سلامة مبنى الجامعة في منطقة الكرادة ليحدد فيما بعد أمر إغلاقها من عدمه بحسب مصدر مطلع في مديرية الدفاع المدني.

إضراب في كلية إعلام ذي قار بسبب المخاوف من سقوط المبنى

ولا يقتصر الحال على تهديد سلامة الطلبة في جامعة أوروك فحسب، بل يتعداه إلى الجامعات الحكومية التي تعاني من تقادم عمرها في ظل الإهمال وغياب الصيانة الدورية لا سيما جامعة ذي قار.
حيث أعلن طلاب كلية الإعلام بكافة أقسامها في جامعة ذي قار عن إضراب مفتوح وجاء في بيان لهم، أن أسباب الإضراب “تعود إلى بناية الكلية الآيلة للسقوط منذ العام 2011 بحسب بيانات مديرية الدفاع المدني والكتب الرسمية الصادرة منها والتي تشكل خطرًا على حياتنا جميعًا طلبة وأساتذة”.
وأضاف الطلبة المضربون، أن “كلية الإعلام في جامعة ذي قار هي الكلية الوحيدة في وسط وجنوب العراق ومن الواجب الاهتمام بها كونها خرجت الكثير من الصحفيين الشباب الذين دخلوا ميدان العمل الإعلامي”، مطالبين بـ “إنصاف الكلية أسوة بباقي الكليات وضمان سلامة طلبتها”.
ودعا الطلبة، رئاسة الجامعة، ووزارة التعليم العالي، إلى “التحرك الجاد والعاجل لتوفير المكان البديل لتهيئة الأجواء المناسبة لضمان سير عملية تعليم مناسبة للطلبة معربين عن مخاوفهم من انهيار البناية وتكرار فاجعة المختبر الوطني وغيره، التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء”
يشار إلى أن مديرية الدفاع المدني، قد أعلنت، عن إحالة 2000 مخالفة في بنايات لم تراع شروط السلامة إلى القضاء خلال النصف الأول من العام الجاري من ضمنها بناية المختبر الوطني الذي انهار مؤخرًا ومبنى الوزيرية في بغداد بعد أن سجلت ضد البنايتين مخالفات عديدة، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول تغول الفساد وتسببه في نزيف الأرواح ومقدرات البلاد بعد أن عرقل إخلاء هذه البنايات فضلا عن الحيلولة دون توجيه المخالفات لأصحابها وإنقاذ الأرواح قبل حلول الكارثة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى