أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ارتفاع معدلات الجريمة في العراق يدق ناقوس الخطر وينذر بمستقبل مجهول

خبراء أمنيون يعزون أسباب ارتفاع معدلات الجرائم إلى غياب سلطة القانون وانتشار المخدرات وتعاطيها بعد تورط الميلشيات الموالية لإيران بإغراق العراق في تلك الآفة الخطيرة.

بغداد – الرافدين
دق ارتفاع معدلات الجريمة في العراق ناقوس الخطر بعد تسجيل جرائم مروعة لم يعهدها المجتمع العراقي من قبل في ظل مخاوف حقيقية من التأثيرات الثقيلة التي تلقي بظلالها على النسيج المجتمعي والأبعاد الخطيرة على البنية الاجتماعية.
ولا يكاد يمر أسبوع في العراق إلا وتكشف وسائل الإعلام المحلية عن جريمة قتل بشعة في إحدى المدن العراقية، ليسجل العراق على إثر ذلك معدلات مرتفعة في الجرائم خلال الأعوام الأخيرة في ظل التجاذبات السياسية والواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي.
ومن بين الجرائم المروعة الأخيرة تلك التي حصلت بمحافظة واسط حينما أقدم شاب يبلغ من العمر 26 عامًا على قتل أفراد أسرته بشكل مروع بعد أشهر قليلة على جريمة مماثلة وقعت في حزيران الماضي، في المحافظة ذاتها حينما أقدم أحد الأشخاص على قتل اثنين من أسرته مع قتل اثنين من عمال البناء، قبل أن يقدم على الانتحار.
وبحسب مصادر فإن الشاب أقدم على قتل والده ووالدته وجدّته بطريقة وحشية قبل أن تعلن شرطة محافظة واسط القبض على المجرم الذي ارتكب الجريمة، في قضاء النعمانية.
وبينت مصادر محلية أن القاتل وهو صيدلاني وطالب حوزة في الوقت ذاته، ارتكب هذه الجريمة لأن الضحايا شتموا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يناصره.
وتشترك عوامل عديدة في التسبب بزيادة معدلات القتل في العراق، ويأتي العامل الاقتصادي وانتشار الفقر والبطالة ليضاف إلى أسباب أخرى ارتفعت بسببها معدلات الجريمة المنظمة في البلاد كما يؤكد خبراء في الاقتصاد وعلم الاجتماع.
وبحسب الباحثة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، منى العامري، فإن “ما يحصل من جرائم يعطي مؤشرًا لما بلغ إليه المجتمع، من قسوة ووحشية، وتعامل صادم مع الآخرين، واستسهال ارتكاب الجرائم، لأسباب أو بدونها، وهو ما يتطلب وقفة جادة من السلطات المعنية، للحيلولة دون تكرار مثل هذه الجرائم”.
وترى العامري أن “تنشيط البرامج الاقتصادية، وتحسين الوضع المعاشي، سينعكس سريعًا على مؤشر الجرائم، فضلًا عن التوعية ونشر الثقافة بين أفراد المجتمع، وتحسين واقع المدارس، ومكافحة التهرب منها، سيؤسس لجيل واعٍ، وقادر على فهم الحياة، والتعاطي معها بشكل أفضل، دون اللجوء إلى وسائل العنف”.
ويؤكد عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، الدكتور علي البياتي أنه “وبحسب مؤشر الجريمة العالمي يحتل العراق المركز الثامن عالميًا من مجموع 193 دولة إذ يعتمد هذا المؤشر على مجموعة عوامل، منها حجم الإصابات، ونوع الجريمة المنظّمة وخطورتها.
ويبين البياتي أن العراق احتل المركز الأول عربيًا في خطورة الجريمة المنظمة وهذا أمر خطير جدًا، يدّل بشكل أساسي على وجود ضعف في الأداء الأمني في مواجهة الجريمة في العراق.
ويضيف البياتي أن “الجريمة في العراق، وخاصة المنظّمة منها، ترتبط بشبكات إقليمية، تعمل مع مجاميع مسلّحة في العراق، تؤمن لها بابًا لممارسة جرائمها بحرية وكذلك يساعدها الوضع السياسي المتوتر في العراق على ذلك”.

أرقام ضحايا الجرائم في العراق تفوق أرقام ضحايا ما يعرف بـ “العمليات الإرهابية” وفقًا لمصادر أمنية

وتصدر العراق الدول العربية التي ارتفعت فيها معدلات جرائم القتل بدوافع جنائية في عام 2021 بحسب تقارير مختصة، رصدت تسجيل 1077 جريمة قتل في العراق العام الماضي.
وسبق أن سجّل العراق في عام 2020، 4700 جريمة قتل بدوافع جنائية، أي بنسبة 11.5 بالمائة لكل 100 ألف نسمة، كما سجّل في 2019 نسبة أقل وصلت إلى 4180 جريمة.
ولدى المقارنة، نجد أن معدل الجريمة ارتفع في 2020 بمعدل 12 بالمائة، عن عام 2019.
ويعزو البعض أسباب تصاعد مستويات الجرائم في العراق بشكل رئيس إلى، “ضعف سلطة القانون، غير المفعلة بشكل جدي نتيجة الفساد، فضلًا عن بروز دور العشيرة إلى الواجهة بشكل خطير، ما يفوق دور القانون والسلطات الحكومية”.
ويرى المحلل السياسي جمال الطائي أن القضاء العراقي اليوم لا يتسم بالعدالة والحيادية والكفاءة والمهنية بسبب الرشوة والمحسوبية والضغوط السياسية للأحزاب المتنفذة وأذرعها المسلحة، وكذلك من بعض العناصر المنفلتة التي تعمل خارج إطار الدولة، أو حتى العشائر.
وأوضح الطائي أن الكثير من القضاة والمحامين أصبحوا اليوم يتعرضون للتهديد والابتزاز، والخطف والقتل، وهذا ما يجعل المحامي يتخلى عن موكله، والقاضي ينحاز ولا يحكم بالعدل.
ويقول إن معظم القضايا والنزاعات تحسم نتائجها حاليًا خارج أطر المحاكم وخارج دوائر الشرطة المتهم بعضها بالفساد أيضًا، وذلك عن طريق الإتاوات والجلسات العشائرية أو الفصائل المسلحة، مشيرًا إلى أن هذه الأمور تفسح مجالًا لتنشيط الجريمة المنظمة بناء على مبدأ من أمن العقاب أساء الأدب.
بدوره وجه القاضي ناصر عمران، الدعوة إلى “إعادة النظر بالوسائل التقليدية لآليات تطبيق العدالة الجنائية وفي القواعد المنظمة للتجريم والعقاب، باعتبارها أدوات مهمة للسياسة الجزائية التي يجب أن ترتهن لرؤية اجتماعية واقتصادية وثقافية جديدة”.
وأكد عمران أن “النص العقابي الوارد في القوانين العقابية غير كافٍ بمفرده للمعالجة، فالمعالجة ليست عقابية أولًا، بل يجب أن تكون بإيجاد منظومة توعوية قائمة على تأهيل المجتمع ومن الضروري إيجاد تشريعات لمواجهة تحديات الواقع المتغير إزاء النص القانوني الثابت”.

دعوات لملاحقة عصابات الاتجار بالمخدرات للحد من ارتكاب المزيد من الجرائم في العراق

وعلى المستوى الأمني تؤكد تقارير من داخل وزارة الداخلية، أن ضحايا الجرائم المنظمة الناتجة عن السرقة والسطو المسلح والخطف والابتزاز والنزاعات العشائرية وغيرها باتت تتجاوز ضحايا ما يعرف بـ “العمليات الإرهابية” في مناطق كثيرة من البلاد ويرجع أسباب معظمها إلى المخدرات وتفشيها بين أوساط الشباب.
في غضون ذلك حث مختصون أمنيون، القوات الأمنية على الشروع بتنفيذ خطط جادة للقضاء على تجارة المخدرات في العراق، للخلاص من نسبة كبيرة من الجريمة المنظمة.
ويرى الخبير الأمني عادل الأنصاري أن تجارة المخدرات في العراق هي المدخل الرئيس لكل الجرائم التي ضربت المجتمع العراقي في الصميم، إذ أن المؤثرات العقلية التي تصنعها المخدرات هي من تشجع على الجريمة.
وأضاف، الأنصاري ان التعامل مع ملف المخدرات، لا يرتقي إلى مستوى الخطورة في العراق، فهناك تهاون كبير في موضوع ضبط الحدود وعمليات دخول المخدرات من بعض الدول المجاورة وخاصة من إيران وسوريا، مبينًا، أنه لو بقيت هذه الإجراءات على ما هي عليه، فإن مسألة مكافحة المخدرات والجريمة المرتبطة بها لن تنتهي في العراق.
وعادة ما تحصل عمليات تهريب المخدرات، عند المنافذ الحدودية العراقية المجاورة لإيران وفي آيار الماضي، أكدت لجنة الأمن والدفاع النيابية، أن العراق تحوّل في السنوات الأخيرة إلى نقطة مهمة في حركة المخدرات بالشرق الأوسط وأن ثلث المخدرات التي تدخل إلى العراق تذهب للاستهلاك والتعاطي الداخلي.
وبحسب تقارير فإن الميليشيات المسلحة الموالية لإيران تقف خلف عمليات تهريب وترويج المخدرات، كما تعد تجارتها، أحد أهم مصادر تمويل تلك الجماعات الأمر الذي ينعكس على ارتفاع معدلات الجريمة في البلاد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى