أخبار الرافدين
تشكيل الحكومة العراقية أزمات متعاقبةتقارير الرافدين

“تتويم القانون” الكاظمي لم يقترب من قتلة شباب تشرين والسوداني يتجاهل محاكمتهم

تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" عن تنويم القانون والعنف ضد المحتجين يندد بإفلات الجناة من المساءلة في العراق.

بغداد- الرافدين
أكدت أكبر منظمة دولية معينية بحقوق الانسان في العالم على أن الإفلات من العقاب سمة قائمة ومستمرة في العراق، بعد نكث رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وعوده بمحاكمة قتلة شباب ثورة تشرين، مشددة على أن رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني يسير على نفس النهج من أجل افلات القتلة من العقاب.
وكشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير مطول بعنوان “تنويم القانون: العنف ضد المحتجين وإفلات الجناة من المساءلة في العراق”، على ان السلطات في بغداد لم تحاسب أي من قتلة المتظاهرين سواء من القوات الحكومية أو الميليشيات المسلحة التي قتلت واختطفت المئات من المتظاهرين أثناء ثورة تشرين 2019-2020 الشعبية التي عمت مدن بغداد والمحافظات وسط وجنوب العراق.
وشهدت ساحة التحرير في بغداد وميادين التظاهر في بابل والنجف وكربلاء وواسط والقادسية والمثنى وذي قار وميسان والبصرة تظاهرات حاشدة مطالبة بسقوط الطائفية التي رفعت شعارها الأحزاب والميليشيات التي استحوذت على السلطة بعد احتلال العراق عام 2003، كما رفعت الشعار التاريخي الرافض للتدخل الإيراني في العراق.
وأوصل ثوار تشرين أقسى الرسائل الى طهران عندما مزقوا صور خامنئي وقاسم سليماني هاتفين “إيران برا برا”.
وقُتل أكثر من 800 متظاهر في الأسابيع القليلة فقط من ثورة تشرين على يد قوات الأمن العراقية وميليشيات الأحزاب الحاكمة.
واستمر العنف ضد المتظاهرين حتى بعد انتهاء الاحتجاجات، من خلال حملة اغتيال استهدفت نشطاء بارزين، كان يُنظر إلى معظمهم على أنهم أصوات مؤثرة في حركة الاحتجاج.
ويجمع عراقيون على أن دماء شباب تشرين التي سالت على أرصفة وشوارع ساحة التحرير وميادين التظاهر في المحافظات، ستلاحق لصوص الدولة والميليشيات الطائفية، ولا يمكن للعراقيين التفريط بها وإزالتها من ذاكرة التاريخ المعاصر.
وشكل الكاظمي “لجنة لتقصي الحقائق” للتحقيق في العنف الذي ترتكبه قوات الأمن والميليشيات المسلحة ضد المتظاهرين والنشطاء. لكن اللجنة لم تنشر بعد أي معلومات جوهرية حول النتائج التي توصلت إليها، ولم تكشف حتى عن القضايا التي حققت بها، ناهيك عن نتائج التحقيقات التي أجرتها.

آدم كوغل: وعوده العدالة في قضايا العنف الشرس ضد المتظاهرين السلميين فارغة، والقتلة يسرحون بحرية

وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في منظمة “هيومن رايتس ووتش” “بعد عامين ونصف من تولي الكاظمي السلطة، تبيّن أن وعوده بالعدالة في قضايا العنف الشرس ضد المتظاهرين السلميين فارغة، والقتلة يسرحون بحرية.
وشدد على أن المتظاهرين ضحّوا بالكثير لتحسين الظروف في البلاد، حتى أنهم ضحّوا بحياتهم، لكن حكومتهم لم تستطع في المقابل منحهم حتى الحد الأدنى من العدالة.
وأضاف “أسقطت انتفاضة 2019-2020 الحكومة ودفعت إلى إجراء انتخابات مبكرة، وطالب المتظاهرون بمحاسبة مرتكبي أعمال العنف التي تعرضوا لها. يمكن لرئيس الوزراء الحالي، وينبغي له، العمل لتحقيق العدالة التي لم يحققها سلفه”.
وذكرت المنظمة في تقريرها إنها حققت في 11 حالة لعراقيين تعرّضوا للعنف بسبب الاحتجاج والنشاط السياسي. قُتل خمسة منهم، بينهم امرأتان. أصيب خمسة آخرون واختُطف أحدهم وما زال مفقودا.
ورفع الضحايا وأُسر القتلى أو المخفيين قضايا قانونية لدى الشرطة والسلطات القضائية، لكن بعد إبداء السلطات اهتماما أوليا، مثل جمع تفاصيل هذه القضايا، لم تستأنف الشكاوى القانونية ولم تتابع السلطات عمليا تحقيقاتها أو محاولات تحديد هوية المسؤولين ومحاسبتهم.
واجمع غالبية الأشخاص الذي رفعوا شكاوى للسلطات على أن قضاياهم “نُوِّمت” ببساطة.
وأختار تقرير “تنويم القانون: العنف ضد المحتجين وإفلات الجناة من المساءلة في العراق”، مثال الناشط أمجد الدهامات الذي قتل برصاص الميليشيات الولائية في محافظة ميسان في السادس من تشرين الثاني 2019، بعد مغادرته اجتماعا مع ضابط في مركز الشرطة الرئيسي في العمارة، ووقعت الجريمة على بعد بضع مئات الأمتار فقط من مقر الشرطة.
ورفع شقيقه علي دعوى قضائية إلى السلطات دون نتيجة تذكر. ولم تُنفَّذ أي اعتقالات في القضية. وخلال كفاحه بغية تحقيق العدالة لشقيقه، تلقى علي الدهامات تهديدات بالقتل وأجبِر على الفرار من العمارة، وتنقّل من مدينة إلى أخرى خوفا من أن يُقتل هو أيضا.
ووضعت عائلة الشهيد الناشط إيهاب الوزني الذي اغتالته عناصر ميليشياوية في الحشد في محافظة كربلاء، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أمام اختبار الإيفاء بوعوده وكشف قتلة إيهاب وفق مزاعمه السابقة.
ووجهت الأسرة رسالة إلى السوداني ذكرته فيها بموقفه السابق قبل توليه منصب رئيس الوزراء حينما عد حادثة الاغتيال منهجًا حكوميًا للتنصل من مسؤولية حماية الناشطين.
وأعربت عائلة الوزني، عن خيبة أملها نتيجة عدم الوصول لنتائج حقيقية بشأن اغتيال ابنهم بعد مرور عام ونصف على الحادثة.
وطالبت السيدة سميرة الوزني والدة الناشط المدني إيهاب الوزني، الذي اغتاله مسلحون ينتمون لميليشيا الحشد وفقًا لمصادر مطلعة وسط كربلاء في التاسع من أيار من عام 2021، رئيس الوزراء الحالي بتقديم قتلة ابنها للعدالة وعدم التنصل من تصريحاته السابقة بشأن حادثة الاغتيال.
ولا يزال “الإفلات من العقاب” مستمرًا في العراق فيما يتعلق بعمليات تستهدف متظاهرين وناشطين ومنتقدين للعملية السياسية، مما يشيع بيئة من الخوف والترهيب تقيد حرية التعبير في البلاد.
وتجري أساليب خنق الأصوات الشبابية الرافضة لسطوة وبطش الميليشيات بطرق مختلفة مثل الاختطاف والقتل والاعتقال والتخوين واتهام الشباب بالعمالة، وتنفيذ الأجندات الخارجية المشبوهة.
وكان قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، قد جدد دعوته إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المتظاهرين والناشطين، كما طالب بوضع حد لسلاح الميليشيات المنفلت الذي يفتك بأرواح في تقرير دوري يصدره قسم حقوق الانسان، إلى أن الشعارات الوهمية للحكومات المتعاقبة بضرورة تحقيق العدالة والوعود المتكررة بمساءلة المجرمين وتحقيق القصاص العادل لم ير منها الشارع العراقي أي خطوة حقيقية في مشهد يدلل على حالة الاستهتار الحكومي بدماء العراقيين الذين كانت أسمى شعاراتهم “نريد وطنًا” خصوصًا وأن عمليات القتل موثقة ومن السهولة التعرف على القتلة والمجرمين.
وأكد على أن الشعب العراقي أصبح على يقين تام بتستر الجهات الحكومية بكامل مؤسساتها على الجناة وتتجاهل تمامًا المناشدات الحقوقية للمنظمات الدولية والمحلية التي تنادي بمعالجة المخاوف المتعلقة بمحاسبة منتهكي القانون.
وكان معهد “تشاتام هاوس” البريطاني قد أكد ان العوامل التي ساعدت على اندلاع ثورة تشرين في العراق ما زالت قائمة بعد ثلاث سنوات على اندلاعها.
وذكر المعهد البريطاني الملكي في تقرير نشر بالتزامن مع ذكرى ثورة تشرين، أن الفساد في العراق متفشٍ في جميع مفاصل الدولة، وسط ارتفاع نسب الفقر ومعدلات البطالة وانهيار قطاعات التعليم والصحة وغيرها، مشيرا الى ان السياسيين في البلاد نهبو ثروات البلاد وأضر النظام الفاسد بالعراقيين وزاد من معاناتهم.
وأوضح أن التغييرات التي حلم بها المتظاهرون العراقيون وطالبوا بها لم تتحقق وان حياتهم المعيشية اليومية لم تتحسن.
وذكر تقرير آخر للمعهد كتبه الباحث ريناد منصور، إن النظام السياسي في العراق يرهن على قدرته على مقاومة الاحتجاجات الثورية الشعبية.
ونبه الى ان مثل هذه التسوية لن تعالج الصراع اليومي الذي يستنزف العراقيين، وانما ستعزز الوضع القائم من خلال تجاهلها مجددا لديناميكيات العنف، الذي سيستمر في حصد خسائر أكبر بالأرواح.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى