أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

حكومة السوداني تدشن عهدها على خطى سابقاتها بحمام دم في الناصرية

أبناء الناصرية يحملون الميليشيات الولائية وأحزاب السلطة مسؤولية سفك دماء المتظاهرين والانتهاكات الأخيرة ضد الناشطين.

ذي قار – الرافدين

مجزرة جديدة في الناصرية راح ضحيتها 25 متظاهرًا بين شهيد وجريح

شيع أبناء ذي قار والنجف جثامين ثلاثة شهداء بعد أن أنهت حياتهم فضلًا عن أحلامهم بوطن آمن يكفل حرية التعبير، رصاصات القوات الحكومية التي فرقت بالقوة وقفتهم الاحتجاجية ضد سياسة تكميم الأفواه في ساحة الحبوبي وسط الناصرية.
ووصلت مواكب جنائز الشهداء فجر الخميس إلى مدينة النجف لتوارى الثرى فيها على وقع غليان شعبي ترجمته هتافات المشيعين حينما صبوا جام غضبهم على السلطة وأحزابها وإيران وميليشياتها بعد أن رددوا هتافات مثل “لا إله إلا الله.. إيران عدو الله” و ” الله أكبر يا علي.. الأحزاب قتلونا”.
وتفاعل العراقيون في مختلف المحافظات بغضب كبير مع القمع الحكومي والاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين وسط ترجيحات بعودة موجة جديدة من التظاهرات تفوق ثورة تشرين من ناحية الزخم والقوة.
وأعلن ثوار محافظة واسط تضامنهم مع ثوار ذي قار الذين تظاهروا للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في السجون الحكومية، مطالبين بالكشف عن قتلة متظاهري الناصرية ومحاسبتهم وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب.
وفي محافظة القادسية نظم أبناء الديوانية تظاهرات تضامنية مع ثوار الناصرية وسط مطالبات بالقصاص من قتلة المتظاهرين وإطلاق سراح الناشطين الذين اعتقلتهم القوات الحكومية في وقت سابق.
وأكد المتظاهرون أن السلطات الحكومية لا تزال مصرة على قمع حرية التعبير والرأي في العراق عبر القتل واعتقال الناشطين وأصحاب الرأي الرافض للعملية السياسية المتهمة بالفساد.
وكان المتظاهرون في الناصرية قد نظموا وقفات احتجاجية على مدار اليومين السابقين للمطالبة بالإفراج عن الناشط حيدر الزيدي، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بناءًا على تغريدة انتقد فيها ميليشيا الحشد والقائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، إضافة إلى المطالبة بتوفير حقوق جرحى التظاهرات وإسقاط التهم الكيدية عن الناشطين.
وتحدثت مصادر طبية عن إصابة نحو عشرين متظاهرًا بينهم حالات حرجة في تظاهرات ذي قار، التي استمرت ليومين، فضلًا عن الشهداء الثلاثة.
وبدأ إطلاق النار الحي، وفقًا للناشط من أهالي المحافظة، أحمد العبادي، ليلة الثلاثاء – الأربعاء، لكن لم تسجل إصابات لا بشكل رسمي ولا وفقًا لمعلومات الناشطين.
ويقول العبادي “إن الأوضاع بقيت متوترة طوال الليل، إذ خطط الناشطون للخروج بتظاهرات صباحية حاشدة يوم الأربعاء احتجاجًا على اعتقال الزيدي وأيضًا “الطريقة غير الحضارية في التعامل من قبل القوات الأمنية”.
ويضيف العبادي “كانت القوات الأمنية موجودة في وقت مبكر، ما يعني إن المسؤولين كان لديهم علم بتحضيرات المتظاهرين”.
وعلى الصعيد الحكومي قال بيان صادر عن المجلس الوزاري للأمن القومي، الذي يرأسه رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، إن “المجلس ناقش أحداث التظاهرات التي شهدتها مدينة الناصرية، وقرر إرسال لجنة أمنية عليا إلى محافظة ذي قار للتحقيق في الأحداث التي تسببت بسقوط ضحايا وحدوث إصابات بين صفوف المتظاهرين والأجهزة الأمنية”.
ووجه وزير الداخلية الحالي عبد الأمير الشمري، شقيق الفريق الركن جميل الشمري المتهم الأول بارتكاب مجزرة جسر الزيتون في الناصرية قبل ثلاثة أعوام أمرًا باستبدال مدير شرطة ذي قار الفريق الركن سعد حربية وتعيين العميد مكي شناع بديلًا عنه“ وفقًا لبيان أصدرته خلية الإعلام الأمني الحكومية في خطوة عدها مراقبون محاولة لامتصاص الغضب الشعبي.
ويرى الصحفي أحمد السهيل أن الإجراءات المتخذة حاليًا “مشابهة لسابقاتها من خلال الاكتفاء بتشكيل لجان تحقيق واستبدال قادة شرطة”، مضيفًا أن “هذا الأمر كان متوقعًا، ومهما حاولت حكومة السوداني تقديم دفوعات بأنها ستعمل باستقلالية لا يمكن لها إلا أن تكون جزءًا من حراك الإطار والقوى الإيرانية في العراق”.
وعبر السهيل عن اعتقاده بإن قضية الناشط حيدر الزيدي تمثل أيضًا نموذجًا واضحًا لشكل الحكم الذي تنوي حكومة الإطار إدارته، وهو السير بخطوات واضحة نحو إنشاء نفوذ أوسع للمليشيات الموالية لإيران بكل الطرق، سواءًا باستخدام القضاء أو بإطلاق الرصاص المباشر على كل مناهضيها.
في غضون ذلك تصدر وسم (#الناصرية_تقمع) ترند العراق على منصة التواصل الاجتماعي تويتر بآلاف التغريدات التي هاجم كتابها حكومة السوداني والميليشيات المساندة لها بعد تحميلهم مسؤولية إراقة الدماء وكبت ومصادرة الحريات.
وعُرفت الناصرية مركز محافظة ذي قار خلال السنوات الماضية على أنها من أكثر المناطق التي تشهد مظاهرات شعبية وصدامات بين المتظاهرين والقوات الحكومية، وعلى إثر ذلك برز اسم المدينة في نشرات الأخبار المحلية والدولية بعد أن تحولت لأيقونة للتظاهرات إبان ثورة تشرين.
وبحسب العديد من الناشطين والمراقبين، فإن أسباب استمرار المظاهرات في الناصرية تتعدد ما بين السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الفكرية.

مهند الجنابي: الناصرية باتت عاصمة للمتظاهرين نتيجة العنف الذي لحق بأقرانهم في بغداد.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان بمحافظة أربيل مهند الجنابي أن “الناصرية وعقب تظاهرات ثورة تشرين باتت عاصمة للمتظاهرين نتيجة العنف الذي لحق بأقرانهم في بغداد”.
وعزا الجنابي استمرار التظاهرات إلى الإحباط لدى المتظاهرين بعد أن عجزت الأحزاب الجديدة التي برزت بعد تظاهرات تشرين عن تحقيق المطالب، إضافة إلى أن الأحزاب التقليدية عملت على تأجيج الوضع من أجل كسر إرادة سكانها، وكانت طريقتها من خلال استثمار الخلافات بين المتظاهرين.
واضاف إن “هناك العديد من الأبعاد الفكرية السياسية في الناصرية التي جعلت منها على مدى العقود الماضية منتجة للفكر السياسي، وهو ما يتجلى في العديد من القيادات الحزبية التي برزت من الناصرية خلال العقود الماضية في العهد الملكي والجمهوري”.
وكان الآلاف من الناشطين والمتظاهرين إلى جانب ذوي ضحايا مجزرة جسر الزيتون في الناصرية قد أحيوا، الأسبوع الماضي، الذكرى الثالثة للمجزرة، في الثامن والعشرين من تشرين الثاني والتي راح ضحيتها، 120 متظاهرًا بين شهيد وجريح بالقرب من جسر الزيتون، بعد هجوم مسلح شنته القوات الحكومية.
ويتهم ناشطو مدينة الناصرية الفريق الركن جميل الشمري، بإصداره الأوامر باقتحام جسر الزيتون وسط المدينة، وإطلاق النار على المتظاهرين بالرصاص، والتسبب بمقتل العشرات منهم، لا سيما بعد أن أرسله رئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي ليترأس خلية الأزمة في محافظة ذي قار ويباشر بإدارة ملف تظاهرات الناصرية.
وتداول ناشطون عراقيون صورًا ومقاطع فيديو لذوي الضحايا الذين تجمعوا بالساحة الرئيسة حيث وقعت جريمة قتل المتظاهرين مطالبين بالقصاص من القتلة، في وقت اتخذت فيه القوات الحكومية إجراءات مشددة.
ولم تتقدم السلطات في بغداد حتى الآن أي خطوة متعلقة بملف الجريمة ومحاسبة المسؤولين عنها على الرغم من التقارير الدولية العديدة التي أدانت التسويف الحكومي في مساءلة الجناة لاسيما تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي أكد “أن الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي لم تف بوعودها في محاسبة أجهزة الأمن وعناصر الجماعات المسلحة المسؤولة عن قتل المتظاهرين وتشويه وإخفاء مئات من الناشطين منذ عام 2019”.
وقال المتظاهر من مدينة الناصرية سامر الريحاني، أن “الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي لم تتمكن من الكشف عن قتلة المتظاهرين، وأنها تحايلت كثيرًا على الناشطين وذوي الضحايا، مع العلم أن الكاظمي كان قد تسلم كل الأدلة التي تشير إلى القتلة، وهم قسمان، منهم من ينتمي للفصائل المسلحة ومنهم من ينتمي للقوات الأمنية النظامية”.
وأضاف أن “التظاهرات ستستمر، حتى لو أنها تراجعت، لأن الحراك الوطني والشعبي عازم على استبدال طبقة الحكم الحالية، لذلك فإن استذكار مجزرة الزيتون، كان محطة ضمن مجموعة محطات في سبيل العودة من جديد إلى ترتيب الصفوف والخروج باحتجاجات غاضبة ضد الأحزاب والفصائل المسلحة التي تقتل وتسرق العراقيين”.
ويتفق عضو تنسيقية “تظاهرات الناصرية” علي حسين مع ماذهب إليه الريحاني، ويرى أن “الحكومة الحالية غير مهتمة بتطويق قوى السلاح التي تتحكم بالعراق حاليا، بالتالي فإن مطلب الكشف عن قتلة المحتجين ومحاسبة الضباط المقصرين في حماية المتظاهرين خلال السنوات الماضية، هو أمر مستبعد، ما يدفعنا إلى تقديم المزيد من الجهد والتضحيات”.
وكان محافظ ذي قار محمد الغزي، قد وجه بتعطيل الدوام الرسمي “بمناسبة ذكرى مجرزة الزيتون” الأسبوع الماضي، بحسب الناطق باسم المحافظة صدام محمد وهو ذات القرار الذي اتخذه الخميس حينما أعلن عن تعطيل الدوام بذريعة الحداد على شهداء المجزرة الأخيرة في محاولة للحد من خروج التظاهرات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى