أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

المؤرخ محمد مظفر الأدهمي: مكان بغداد المدورة يقع حاليا في منطقة العطيفية

الباحث الدكتور محمد مظفر الأدهمي يحدد بدقة موقع مدينة المنصور المدوّرة في محاضرة بمجلس الخميس الثقافي في هيئة علماء المسلمين.

عمان_ الرافدين
أكد الباحث التاريخي الدكتور محمد مظفر الأدهمي أن مكان بغداد المدورة التي بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يقع حاليا في قاع نهر دجلة في المنطقة المحصورة بين “العطيفية” و”الأعظمية”، والنصف الغربي منها مدفون تحت التراب في جانب الكرخ حيث يقع قصر باب الذهب على ضفة دجلة في منطقة “العطيفية”.
وأستند الدكتور الادهمي في تحديد الموقع الدقيق لبغداد المدورة إلى أخر بحوث المؤرخ الراحل عماد عبد السلام التي نشرها بالتزامن مع الترميمات التي أجريت على ضفاف نهر دجلة عام 2000 حيث اكتشفت مواقع أثارية تدل بشكل واضح على بقايا مدينة المنصور.
وأشار الأدهمي في محاضرة قدمها في مجلس الخميس الثقافي بمبنى هيئة علماء المسلمين في العاصمة عمان بعنوان “بغداد المدوّرة.. موقعها وعمارتها” إلى أن اغلب الباحثين كانوا يشيرون إلى موقع المدينة المدورة ما بين منطقتي الاعظمية والعطيفية من دون تحديد مكانها بالضبط، حتى حسم الدكتور عبد السلام ذلك في بحث استند على بقايا أثار عثر عليها عند الحفر في ضفاف دجلة.
وسلّطت الدكتور الأدهمي الضوء على فكرة بناء مدينة بغداد بوصفها عاصمة للخلافة العباسية، مستعرضًا العوامل والظروف التي رافقت البناء، وفي مقدمته الموقع الاستراتيجي المهم للمدينة، وحرص العباسيين على تأمين إدارة الدولة، مشيرًا إلى أن اختيار بغداد موقعًا ومدينة جاء بعد دراسة وتمحيص أجراهما الخليفة أبو جعفر المنصور، لافتًا إلى أن أهمية موقع المدينة يكمن في أنها تقع عند ملتقى نهر دجلة بقناتي ملاحة مهمتين تأتيان من نهر الفرات، هما نهر الدجيل وكان يصب في دجلة فوق سوق بغداد والآخر نهر عيسى في أسفل السوق وهما صالحان للملاحة المحلية ويربطان دجلة بالفرات .
وتناول الأدهمي الذي يعد من بين المؤرخين العراقيين وعرفه الجمهور العراقي منذ ثمانينات القرن الماضي عبر برامجه التلفزيونية التاريخية، أصل مدينة بغداد، مبينًا أن ذكرها موقعا وليس مدينة ورد في نصوص مسمارية قديمة، وأنها كانت قبيل الفتح الإسلامي عبارة عن سوق يقع في الجانب الغربي من نهر دجلة، المعروف حاليًا بالكرخ، يسمى سوق بغداد ويقام كل شهر، وذلك وفقًا لما وثقه المؤرخ ياقوت الحموي في كتابه الشهير “معجم البلدان”، الذي أشار إلى أن بغداد في الأصل لم تكن مدينة وإنما عبارة عن سوق فيه بيوت سكنية لمزارعين وبساتين على الضفة الغربية لنهر دجلة، ويقابلها على الضفة الأخرى لنهر دجلة، المعروفة الآن بالرصافة، سوق آخر يسمى سوق الثلاثاء كان يقام كل أسبوع .
وقال المحاضر بسرد شيّق نقل مباشرة عبر المنصات الرقمية لهيئة علماء المسلمين في العراق إن المهندسين آنذاك عندما أكملوا تخطيط بغداد المدورة أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن يرى المخطط واقعًا على الأرض قبل المباشرة بالبناء، فأمر أن تُخط بالرماد ثم سار على المخطط يدخل من كل باب ويمر في تفاصيل بنائها، ثم أمر أن يوضع على مخطط المدينة المدورة حب قطن ويصب عليه الزيت، فنظر إليها والنار تشتعل فيها فاستوعب تماما مخططها، عندها أمر البدء بحفر أسس المدينة المدورة.
وأوضح أن المدينة كانت محاطة بخندق أُجري فيه الماء من قناة تأخذ من نهر يسمى “كرخايا”، حيث كان على القادم إلى بغداد أن يجتاز أولا الخندق المائي وسدته لكي يصل إلى سور المدينة الخارجي، ثم ولوج ساحة فارغة قبل الوصول إلى السور الداخلي، لافتًا إلى أن عرض أسفل السور الخارجي 18 ذراعًا وعرضه في أعلاه 6 أذرع، وأن مواد البناء قد جلبت من مختلف مدن العراق.
واستعرضت المحاضرة روايات تاريخية تعنى بأبواب بغداد الثمانية، التي كان أربعة منها كبارًا في السور الخارجي، والأربعة الأخرى صغارًا في السور الداخلي، وبين كل باب كبير وصغير دهليز يربط بينهما، وأشار المحاضر إلى أن الأبواب الخارجية جيء بها من واسط والكوفة ودمشق، وأُطلق على كل باب منها اسم حسب جهته المتوجه إليها وهي باب البصرة، وباب الكوفة، وباب الشام، وباب خراسان، موضحًا أن كل باب من هذه الأبواب كان له مدخل لأغراض دفاعية.
واستطرد الدكتور الأدهمي في المحاضرة التي دعمها بصور رقمية عن المدينة وفق الإشارات التاريخية، في الحديث عن التفاصيل الهندسية لأسوار بغداد المدوّرة، ومبانيها وقصورها وقبابها، ومراصدها الأمنية ومساجدها وأسواقها ومناطقها السكنية، إلى جانب مخازن المؤن والأزقة ومعسكرات الجند، وغير ذلك مما كانت عليه المدينة وضواحيها.
وختم الباحث العراقي محاضرته بتناول أسباب وعوامل دمار المدينة المدوّرة، والظروف التي مرّت فيها ومراحل زوالها، ومن ذلك تغيير نهر دجلة مساره على مدى السنوات الطويلة والذي أسهم في تعرّض بغداد المدوّرة للتدمير والغرق المتكررين حيث بدأت مبانيها بالاختفاء والتلاشي، بالتزامن مع قيام الخلفاء بنقل أبوابها ومعالمها الرئيسة إلى جوانب أخرى من النهر.
يذكر ان الدكتور الأدهمي من أهم المساهمين في كتابة التاريخ العراقي سواء في عمله الجامعي أو في مؤلفاته التي من بينها “المجلس التأسيسي العراقي. دراسة تأريخية سياسية” و “تأريخ أوروبا الحديث. عصر النهضة- الثورة الفرنسية” و “أوروبا في القرن التاسع عشر. دراسة في التاريخ والفلسفة” و “الملك فيصل الأول. دراسات في حياته السياسية وظروف مماته الغامضة” و “رحلاتي على طريق الحرير” و “العراق: تأسيس النظام الملكي وتجربته البرلمانية تحت الانتداب البريطاني 1920- 1932” و “تأريخ الوطن العربي الحديث: المنهج والوقائع، عمان دار آيلة”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى