أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تواطؤ حكومي في العراق مع هدر دم اللغة العربية

واقع اللغة العربية في العراق في يومها الدولي يكاد يكون صورة رثة من الواقع السياسي والاجتماعي منذ عام 2003.

بغداد- الرافدين

تساءل جامعيون وكتّاب ولغويون عراقيون عن دلالة أن يمر اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية في العراق في الثامن عشر من كانون الأول، بينما تغيب المؤسسات المعنية في بلد كان في يوم ما يضع الحفاظ على اللغة العربية ضمن أمنه الوطني.
وأجمع لغويون عراقيون على إن واقع اللغة العربية يكاد يكون صورة رثة من الواقع السياسي والاجتماعي العراقي منذ عام 2003.
وأشاروا إلى أن الحفاظ على اللغة العربية كان في آخر اهتمامات الحكومات المتعاقبة منذ احتلال العراق عام 2003.
وشددوا على أن اللغة العربية لا تقتل في الخطاب الإعلامي والسياسي العراقي فقط، بل أن غالبية الجامعات تحولت إلى مؤسسات يديرها مجموعة من “الجهلة” يهتمون بترويج الأفكار الطائفية والخرافات في الأوساط الجامعية على حساب الحفاظ على اللغة وسلامتها.
وتساءل أستاذ جامعي عراقي متقاعد عما إذا يوجد أي قرار حكومي منذ عام 2003 إلى اليوم يعنى بالحفاظ على اللغة العربية. جرى الاهتمام بتطبيقه في المدارس والجامعات.
وقال الأستاذ المتقاعد الذي فضل عدم ذكر اسمه “لمعرفة واقع اللغة العربية الواهن في العراق، هل نستطيع أن نجد اليوم في جامعاتنا قامات لغوية ومعرفية مثل مصطفى جواد ومدني صالح وحسام الآلوسي وحسين علي محفوظ ونوري حمودي القيسي”.
وأضاف الأستاذ المتقاعد من مقر إقامته في العاصمة الأردنية عمان في تصريح لقناة “الرافدين” “إن الإجابة على هذا السؤال تمنحنا تصورا عن واقع الجامعات في العراق اليوم، مثلما تزيد من تأسينا على واقع اللغة العربية”.
وقال حارث الأزدي مسؤول القسم الثقافي في هيئة علماء المسلمين في العراق “نشكو اليوم تمردا جماعيا ضد اللغة العربية بدأ من حملة الشهادات وليس انتهاء بدرس اللغة العربية في مدارسنا”.
وأضاف “إذا تحدث شاب بلغة فصيحة يتعرض للتهكم ويوصف بالمتعالي للأسف الشديد، على عكس من يتلفظ بمفردات أجنبية”.
وطالب الأزدي وهو شاعر ولغوي بالعودة الصحيحة إلى اللغة العربية باعتبارها عودة لاستئناف حياة الأمة، وعودة لاستعادة مسؤوليتها، وهي مسؤولية كل عربي ومسلم، فبها لا بغيرها تتحدد معالم الهوية.
وقال الأزدي في تصريح لقناة “الرافدين” أن “اللغة العربية تواجه تحديات العولمة، فلم تهدأ محاولات الاستهداف اللغوي من عصور الاستعمار للوطن العربي، وهي مستمرة بوتيرة متصاعدة وبأساليب جديدة، وباسم العولمة تحاصر اللغة العربية بسيل من المصطلحات الأجنبية والاختصارات السيئة فقيرة المعنى سيئة المبنى”.
وشدد على ضرورة التسلح باللغة العربية وبما يقابل محاصرتها، فهي الهوية ومنها نبتدأ.
وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتّحدة في عام 1973، قراراً يقضي باعتماد اللغة العربية كواحدة من اللّغات الرسمية للعمل في الأمم المتّحدة، وصادف تاريخ الإقرار يوم الثامن عشر من كانون الأول، وهو الموعد الذي اعتُبر منذ عام 2012 يوماً سنوياً للاحتفاء باللغة العربية، وقد دأبت مراكز ثقافية في بلدان عربية وأجنبية على تأكيد حضورها من خلاله.
وتُعد اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان العالم.
وعانت اللغة العربية في العراق من الثقافة السائدة في الخطاب الإعلامي والسياسي الطائفي، عندما روج بلهجة دارجة وركيكة لخرافات تاريخية على حساب سلامة اللغة.
ودفعت المرجعيات والأحزاب الطائفية لنشر كم هائل من الكتب التاريخية الملفقة لإشاعة ثقافة الخلاف، بدلا من الاهتمام بدعم وترسيخ ثقافة الاعتدال والمحافظة على اللغة العربية.
وزاد من تردي واقع اللغة العربية في العراق المجالس والمنابر التي يديرها خطباء يروجون لثقافة شعبية رديئة وخطاب متخلف وركيك، فيما ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة بكثافة في العراق في الترويج لهذا الخطاب على حساب اللغة العربية.
وصار الغالبية العظمى من العراقيين، فضلا عن وسائل الاعلام ومنصات السياسيين ورؤساء الأحزاب يروجون لأنفسهم بلهجة دارجة على حساب اللغة العربية.
وانتقل هذا المرض اللغوي الى القنوات الفضائية اذ ساد الحوار والخطاب فيها بلهجة ركيكة خالية من الأفكار والمعاني، على حساب اللغة العربية وسلامتها.
وغابت المؤسسات التعليمية ومجمع اللغة العربية عن دورها في الحفاظ على سلامة اللغة، لحساب مهام لا تهتم بمصير اللغة العربية التي يهدر دمها كل دقيقة في العراق.

حارث الأزدي: العودة الصحيحة إلى اللغة العربية عودة لاستئناف حياة الأمة

وقال بائع كتب عراقي معروف في شارع المتنبي “إن دم اللغة العربية لا يتم هدره فقط في مواقع التواصل والفضائيات العراقية، بل أن هناك حملة هيمنة فارسية لطبع وترويج كتب ملفقة لإشاعة ثقافة دخيلة على المجتمع العراقي”.
وقال البائع الذي فضل تسميته بالبياتي دون ذكر اسمه كاملا “تنتشر في العراق اليوم كتب ملفقة لكتاب عراقيين معروفين راحلين تم تغيير مضمونها وطبعها في مطابع إيرانية وعراقية، من أجل نشر ثقافة مزيفة وتشويه الحقائق”.
وعبر البائع عن أسفه أن مثل هذه الكتب تنتشر اليوم في العراق من دون أي موقف رسمي واضح للرقابة عليها، مع أن أصل هذه الكتب بمضمونها الحقيقي موجودة في مكتبات العراقيين الشخصية ويمكن العودة إليها.
إلى ذلك تقيم الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها جملة من النشاطات احتفاء باللغة العربية في يومها الدولي الذي يصادف الأحد الثامن عشر من كانون الأول.
وللعربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة ولغة القرآن، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها. كما أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية في الديانات السماوية منذ العصور الوسطى.
وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.
وسادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
وفضلا عن ذلك، مثلت حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.
وتهدف الأمم المتحدة في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية بإذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال برنامج أنشطة وفعاليات في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” بباريس حول موضوع “مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية“.
وسلطت اليونسكو في الحلقة النقاشية التي أقيمت الجمعة، الضوء على المساهمات الغزيرة للغة العربية في إثراء التنوع الثقافي واللغوي للإنسانية، فضلاً عن مساهمتها في إنتاج المعارف، وذلك من خلال موضوع الاحتفال لهذا العام.
كما ستقيم الأمم المتحدة في مقرها بنيويورك الاثنين والثلاثاء ندوة بعنوان “مسيرة الـ50 عاما”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى