أخبار الرافدين
تشكيل الحكومة العراقية أزمات متعاقبةتقارير الرافدين

هيئة علماء المسلمين: التخادم بين واشنطن وطهران سمح بجعل العراق محافظة إيرانية

التقرير الدوري الثامن لهيئة علماء المسلمين يشدد على أن ركض السوداني وراء المتورطين بالسرقات، يغطي على فضائح أكبر ضررًا على العراقيين لكنها أوسع تحصيلًا لأحزاب السلطة.

عمان – الرافدين
وصفت هيئة علماء المسلمين في العراق المرحلة الحالية بعد قمع ثورة تشرين ومرورًا بتسلم حزب الدعوة رئاسة الوزراء، بالمرحلة الإيرانية الخالصة، حيث سمحت واشنطن لشريكتها طهران بملء الفراغ في مساحة أكثر سعة بسبب انشغال الأولى في قضايا ذات أولوية لها على المستويين الإقليمي والدولي.
وعبرت الهيئة في تقريرها الدوري الثامن الذي صدر الاثنين عن توقعها بحصول ما هو أكثر من مجرد فتح مكتب لوزارة إيرانية أو فرع لجامعة أو ما إلى ذلك، بعد ما بات العراق في نظر نظام طهران محافظة تابعة له.
وعقد القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ ندوة خاصة للإعلان عن التقرير الدوري الثامن المعني ببيان الحالة السياسية في البلاد.
وقال مقرر القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور ثامر العلواني “إن إصدار التقرير يأتي في توقيت مأساوي يعاني فيه المواطن العراقي كل أنواع صعوبات الحياة اليومية، وغلاء المعيشة، وغرق المدن، فضلاً عن نهب ثرواته وانتهاك حقوقه”.
ونوهت الهيئة في تقريرها الدوري الثامن إلى “بدء مرحلة الاستبعاد الحقيقي السياسي؛ لإرساء دعائم دولة (المنظمة العلنية) بقيادة (حزب الدعوة-جناح المالكي)، ولتحميل كل ما جرى من جرائم وانتهاكات وسرقات للحكومة السابقة. وبطبيعة الحال فإن الشعب العراقي هو الخاسر الوحيد من هذا الصراع، ولأنه صراع مكاسب ونفوذ؛ فإن المتنافسين لا يخسرون شيئًا بمقابل النظر إلى فداحة ما قد يصيب العراقيين جميعًا، لأن كل ما حصل في الصِّدام بين (تيار الصدر) و(الإطار التنسيقي) وما تبعه من تداعيات؛ إنما جاء بسبب تباين واختلاف حجم المكاسب المتحققة أو التي يُراد لها أن تتحصل بعد الانتخابات، ولذلك رضخ الصدر في سبيل الحفاظ على مكاسب تياره، وانطلق (الإطار التنسيقي) وميليشياته لتدشين مرحلة فوضى جديدة امتازت هذ المرة بانتقال المشهد السياسي العراقي من وضوح وقوة البصمة الإيرانية، إلى الحضور الإيراني الفعلي في التحكم والسيطرة.
ووصف التقرير الدوري الثامن زيارات رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني لعدد من الدول بالشكلية التي لم يترتب عليها شيء، مقابل زيارته لإيران التي نتج عنها أمور عديدة منها قيام وزارة النفط الإيرانية بافتتاح مكتب تمثيل لها في بغداد في سابقة غير موجودة ضمن سياقات العلاقات بين الدول، وما جرى من عدم مراعاة للسياقات الدبلوماسية والتصريحات الاستفزازية من قبل خامنئي فيما يخص العراق وشعبه.
وذكرت الهيئة في تقريرها عن الحالة السياسية في العراق “لم تأتِ الزيارة بجديد في كلا الاتجاهين، فالدول الأخرى غير إيران ملزمة باستقبال رؤساء حكومة بغداد بناءً على ضغوط ومصالح أمريكية، والهدف الرئيس منها انتزاع اعتراف محلي ودولي بالعملية السياسية والبحث عن وسائل إبقائها حيّة معبرة عن (الديمقراطية) التي رسمتها الولايات المتحدة وفق ما تشتهي دون اعتبار لنظام معتد به أو محددات منطقية منزهة عن الإطار المصلحي.
ولفت التقرير الموسع أن الدول التي تستقبل رؤوس هذه الحكومات الناتجة عن نظام سياسي غير شرعي تأسس في ظل احتلال؛ تعطي ذريعة للمتحكمين بالمشهد العراقي للتبجح بمصطلحات السيادة والشرعية وهم أبعد ما يكونون عنها، واستغلال ذلك في فرض سطوتهم على العراقيين والتحكم بمصائرهم.
وذكر تقرير الهيئة أن ما نتج عن زيارة السوداني لإيران من مخرجات؛ تأتي في إطار الحصة الإيرانية المتوافق عليها بين الولايات المتحدة وطهران في إدارة العملية السياسية مرحليًا، في سياق السياسات الجزئية المتبعة بينهما منذ الاحتلال، القائمة على “التخادم، وإعطاء الفرص، وغض النظر، والتنفيس عن المشاكل”.
وبشأن ما يجريه السوداني من تصفية أتباع رئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي ومزاعم الركض وراء الفاسدين والمتورطين بالسرقات، وصفها تقرير الهيئة بإجراءات تغطية على فضائح أكثر شرًا وأكبر ضررًا على العراقيين لكنها أكثر نفعًا وأوسع تحصيلًا لأحزاب السلطة، والدليل على ذلك ما حدث فيما سمي “سرقة القرن” وترك المتورطين فيها دون عقاب، أو في الحد الأدنى الإطاحة بصغار المتورطين ممن احترقت أوراقهم أو انتهت مهماتهم، في مقابل منح كبارهم حصانة وإفلاتًا من العقاب بناءً على تسويات سياسية واتفاقات حزبية.
وشدد تقرير الهيئة على أن حديث رئيس مجلس النوّاب الحالي محمد الحلبوسي بمقتل المغيبين المغدورين ممن اختطفتهم الميليشيات؛ لا يأبه بقلوب الأرامل والثكالى اللائي كنّ يتعلقن بخيط من أمل، ودون أن يضع في حسبانه الحديث عن رد اعتبار أو محاسبة المتورطين بقتلهم، في واحدة من صور العار التي تنطبق على من يُسمّون “السياسيين السنة” ممن يواصلون التسلق على أكتاف عشرات العائلات التي تبحث عن مصير أبنائها المغيّبين ومجهولي المصير.
وأضاف “أن تصريح الحلبوسي يدل على أن المتحدث ومن معه من المنخرطين في العملية السياسية؛ شركاء مباشرون في تحمل مسؤولية الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية بحق آلاف الشباب والرجال في محافظات الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وأحزمة بغداد”.
وأشار التقرير الدوري الثامن لهيئة علماء المسلمين إلى التخبط السياسي الناجم عن الصراعات المستمرة والتنافسات المصلحية الذي أثر بشكل كبير على واقع النظام من الناحيتين السياسية والأمنية، بحيث بات الوضع داخل العراق من هاتين الناحيتين غير محظي بالثقة لدى عامة الأنظمة والدول التي تصر على الاعتراف بحكومات العملية السياسية رغم فشلها وعدم أهليتها لتكون في مصاف الأنظمة المعتبرة؛ ومن أبرز الشواهد على ذلك انعقاد ما يعرف بـ “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” في نسخته الثانية في البحر الميت بالأردن، بدلًا من إقامته في بغداد، لعدم ثقة المشاركين فيه باضطراب الأوضاع داخل العراق، وعدم قدرة الحكومة الحالية على حماية المشاركين فيه.
وتناول التقرير القصف الإيراني لمناطق عدة في مدن شمال العراق، وما تبعه من تهديد صريح من طهران باجتياح عسكري، فضلًا عن عودة ظهور ملف الوجود التركي في شمال العراق.
وذكر “هو أمر يدل على أن الحديث عن السيادة في العراق وعلى امتداد جميع الحكومات التسع المتعاقبة بعد 2003؛ هو من الأمور التي تدعو إلى السخرية؛ إذ إنه من المعلوم بالضرورة للعراقيين وغيرهم عدم وجود سيادة في العراق مطلقًا؛ فقد بات البلد في ظل العملية السياسية مستباحًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولعل إحجام السلطات الحكومية سواء في بغداد أو أربيل عن التحرك الجاد لإدانة إيران على هذا الفعل، على خلاف ما قاموا به في إدانة القصف التركي شمالي العراق؛ دليل واضح وصريح على رضوخ هذه السلطات للسطوة الإيرانية”.
ووصف التقرير تهديد إيران بالاجتياح العسكري بالأمر الذي يجمع بين الطرفة والعجب؛ لأن إيران التي كانت موغلة في كل المفاصل العراقية بتدخلها ونفوذها، صارت اليوم مستحوذة على العراق كلّه عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا، ولا يعد التهديد بالاجتياح شيئًا مقارنة مع الوجود الميليشياوي والمخابراتي والعسكري أيضًا على الأراضي العراقية والذي بلغ ذروته بعد منتصف سنة 2014بحجة الحرب على الإرهاب ثم أخذ هذا النفوذ يتمادى حتى باتت إيران في حالة احتلال تام للعراق، فلا معنى إذن للتهديد بالاجتياح إلا بما يحقق ضغوطًا تبديه أحزاب السلطة -وهي أدوات إيرانية بطبيعة الحال- على نظرائها في أربيل الذين يتفاقم الخلاف بينهم ماليًا ونفطيًا.

ثامر العلواني
الدكتور ثامر العلواني: التقرير الدوري الثامن يصدر في توقيت مأساوي يعاني فيه المواطن العراقي
وبما يتعلق بملف حقوق الإنسان في العراق، شدد التقرير على أن هذا الملف يشهد انتهاكات جسمية، وقضاياهم تتعقد يومًا بعد آخر ولا تبدو في الآفاق سبل لحلها، أو إيقاف مسلسلها على الأقل؛ فالمشكلات المتعلقة بحقوق الإنسان في العراق أكبر وأوسع من أن تُحاط بتصريح عابر أو تقرير محدود؛ وقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين قد يكون الأكثر سبقًا في صناعة التصورات المعنية بهذا الشأن من خلال تقاريره المطردة المعززة بالإحصاءات والشهادات والتوثيقات، في مجالات مختلفة ذات صلة بملفات انتهاك حقوق العراقيين.
ولفتت هيئة علماء المسلمين معاناة النازحين بين مطرقة الضغوط الحكومية لترحيلهم القسري من مخيماتهم وسندان افتقار مناطقهم -التي تستولي عليها الميليشيات- للأمن والعمران، وتزداد معاناتهم أكثر مع دخول فصل الشتاء وبرده القارص، وربما يكون لموسم المطر دور أكثر إيلامًا لنحو مليون نازح لا يحتمون بسوى خيام مهترئة ولا تتوفر فيها وسائل التدفئة، وإن توفرت فإن لشحة الوقود ورداءة الطاقة الكهربائية أثرًا في تفاقم المعاناة، وهذا كلّه حاصل في ظل ضعف تام للمساعدات الإنسانية والإغاثية، ما بين إعاقة حكومية لعمل المنظمات والجمعيات وبين فساد في وزارة الهجرة في حكومة بغداد التي تورطت أكثر من مرة بتوزيع مواد غذائية فاسدة على بعض المخيمات، وسرقة الأموال المخصصة للمساعدات.
وأشار إلى ما كشفه تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الصادر في أواخر شهر تشرين الثاني الماضي؛ بشأن إهمال القانون وعدم محاسبة قتلة المتظاهرين، والذي فضح السلطات الحكومية حينما كشف عن عدم وجود عدالة في العراق، وأن وعودها بالمساءلة القانونية لأفراد الأمن والميليشيات المدعومة حكوميًا من المتورطين بقتل وتشويه وإخفاء مئات المتظاهرين والنشطاء منذ سنة 2019؛ لم تجد طريقًا للوفاء بها، فضلًا عن استنكار التقرير استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب.
وتناول التقرير الدوري الثامن استمرار الانتهاكات الحكومية لحقوق فلسطينيي العراق، والتي كان آخرها إصدار قرار باعتماد إجراءات تقضي بمنع الفلسطينيين المقيمين في العراق من العودة في حال قضوا أكثر من شهر واحد فقط خارج البلد؛ وهو ما يعني تهجيرًا قسريًا بدافع طائفي وعرقي وحرمانًا من حق مشروع لمكون مجتمعي يعيش في العراق منذ أكثر من سبعة عقود، ولا سيمّا وأن العديد من عائلات الفلسطينيين التي غادرت العراق مؤخرًا لأغراض علاجية في بعض دول الجوار تحتاج إلى ما يزيد عن الشهرين أو أكثر لإكمال مراحل العلاج، فضلًا عن عدم مقدرة من يروم السفر منهم للعلاج أو غيره على إتمامه بسب هذا القرار المنافي لحق الإنسان في التنقل والعلاج.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى