أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

مليون عراقي في محنة العيش من دون أوراق رسمية

مواطن من الموصل بلا بطاقة شخصية: لا أستطيع أن أخرج من المنزل، أخاف أن أقف أمام نقطة تفتيش ويطلبون هويتي وأقاد إلى معتقل التعذيب.

الموصل – الرافدين

يعاني نحو مليون عراقي جراء فقدانهم لهوياتهم ولأوراق رسمية مثل تلك التي تثبت الإقامة والزواج والولادات والوفيات، وبطاقة الهوية العراقية الموحدة الضرورية للحصول على الحصص التموينية الشهرية.
وفي بلد فشل في تضميد جراح الحرب وإعادة النازحين إلى ديارهم وبناء ما دمرته العمليات القتالية بعد خمس سنوات، يعيش نحو مليون شخص بدون مستند رسمي واحد على الأقلّ، بحسب إحصاءات نشرتها الأمم المتحدة.
ويعيق غياب هذه المستندات الرسمية “الوصول إلى خدمات أساسية مثل التعليم، والصحة، وإعانات الضمان الاجتماعي”، كما من شأنه “إعاقة حرية التحرك ويزيد من خطر التعرض للتوقيف والاعتقال”، وفق تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويجد من تنقصهم تلك الأوراق، أنفسهم عالقين في معارك قضائية لا نهاية لها، بفعل البيروقراطية المعقدة والنقص الشديد في الأموال.
ومن أجل تسوية أوضاعها، تتلقى عليا عبد الرزاق المتزوجة منذ عشر سنوات وتعيش في الموصل، لا تملك عقد زواج أو شهادات ولادة لأولادها الأربعة، مساعدة مجانية من محامية في منظمة “لجنة الإنقاذ الدولية”.
وتقول المرأة الثلاثينية “ماذا أفعل؟ المحامي (الخاص) يطلب 700 ألف دينار أو 800 ألف دينار (حوالى 500 دولار). أنا ليس عندي إمكانية أن آكل وأشرب. من أين أعطيه؟”. شقتها في الموصل دليل على سوء أوضاعها: الأرض من الاسمنت لا يغطيها شيء، فرشها وسجاداتها رقيقة، شبابيكها متكسرة ومغطاة بالورق المقوى.
ويشكل إرسال الأولاد إلى المدرسة تحدياً حقيقياً اليوم بالنسبة لعليا. ولا يمكن لها تسجيل عائلتها للحصول على مساعدات غذائية حكومية من خلال بطاقة تموينية، هي وزوجها النجار بحاجة ماسة اليها.
وشرعت محاميتها بإجراءات قضائية تسمح بالاعتراف بزواجها وأولادها رسمياً. ومن المقرر أن تعطي المحكمة قراراً في قضيتها في كانون الثاني. في الأثناء، حققت المرأة انتصاراً صغيراً، فابنتها الكبرى نازك التي ستبلغ قريباً العاشرة من العمر، دخلت إلى المدرسة.
ومن أجل الحصول على ختم جهاز المخابرات على سجلات القيد الخاصة بها وبعائلتها، كان عليها المحاولة ثلاث مرات. على سجل عليا عبد الرزاق، كتب أن شقيقها الموجود في السجن حالياً، متهمٌ بالانتماء إلى تنظيم داعش.
وهناك العديد من عقود الزواج التي تمّت في ظلّ سيطرة تنظيم داعش، ينبغي تسويتها. ويشرح علي عباس جهانكير المتحدث باسم وزارة الهجرة، أن هناك أطفالاً ولدوا من تلك الزيجات لا يزالون غير معترف بهم رسمياً، كما أن مكاتب مؤسسات رسمية دمرت بسبب الأعمال العسكرية وسيطرة تنظيم داعش.
وتشدد المتحدثة باسم “لجنة الإنقاذ الدولية” في العراق جوردان ليسير-روي على أهمية عمل المنظمات غير الحكومية مع كافة مستويات المؤسسات الحكومية من أجل تسهيل وتسريع وتيرة هذه الاجراءات.
وتقول “ينبغي الحصول على موافقات من المختار، لكن أيضاً لا بد من تغيير في السياسة العامة”، داعيةً إلى زيادة في موازنة الإدارة العامة للشؤون المدنية وتكثيف مهمات الفرق الجوالة.
وبفضل دعم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركائها، تمّت تسوية 150 ألف ورقة رسمية بين 2019 وحتى منتصف 2022.
ويشير تقرير نشر في تشرين الأول لعدة منظمات غير حكومية إلى التعقيدات التي تواجه العائلات “المشتبه بانتمائها” لتنظيم داعش. ومن أجل الحصول على شهادة ولادة، على الأم في بعض الأحيان تقديم فحص حمض نووي لعدد من أقرباء الأب المفقود أو المتوفي، وهي تحليلات لا يمكن القيام بها إلا في بغداد.
فقد حسين عدنان بطاقة الهوية حينما فرّ من المعارك في الموصل في العام 2017. وأوقفته بعد ذلك القوات الأمنية وقضى خمسة أشهر في السجن قبل أن تتم تبرئته والإفراج عنه.
وتزوّج حسين خلال فترة سيطرة التنظيم، ورزق بابن. وبمساعدة محامية في “لجنة الإنقاذ الدولية”، تمكّن من جعل طلاقه قانونياً، بعدما سجّل زواجه وابنه البالغ من العمر ستّ سنوات الذي لا يزال دون شهادة ولادة. وازدادت الاجراءات تعقيداً بسبب زواج زوجته السابقة وحملها.
وباشر كذلك بإجراءات للحصول على بطاقة هوية جديدة. ويقول “سأبقى في المنزل لحين أن أحصل على بطاقة الهوية”.
وعلى الرغم من الضغوط العائلية والمادية، يجلس حسين دون عمل. ويروي الشاب البالغ من العمر 23 عاماً وكان يعمل نادلاً في الماضي أنه تعرّض “للضرب والتعذيب” في السجن، ولا يزال يخشى أن يتمّ توقيفه من جديد.
ويقول “لا أستطيع أن أخرج أخاف أن أقف على نقطة تفتيش ويطلبون هويتي…ويتكرر ما حصل معي”.
وسبق أن قالت سبع منظمات دولية معنية بشؤون الإغاثة أن هناك مليون عراقي متضرر من النزوح يفتقرون إلى الوثائق المدنية الهامة التي تعيق وصولهم إلى الخدمات العامة وتزيد من خطر تعرضهم للفقر والإقصاء.
وذكر تقرير بعنوان “العيش في الهامش” صدر لمناسبة يوم الهوية الدولي وشارك في إعداده المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) والمجلس النرويجي للاجئين (NRC) ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC) ومركز العدالة، ومنظمات أخرى، بعد ما يقرب من خمس سنوات من إعلان انتهاء النزاع في الموصل، لا يزال الوصول إلى الوثائق المدنية محدودًا للغاية بالنسبة للأسر المتضررة من النزوح في العراق.
وطالبت مجموعات الإغاثة التي شاركت في إصدار التقرير بالسماح للنازحين بالتقدم بطلب للحصول على وثائق مدنية في منطقة نزوحهم بشكل عاجل وفصل متطلبات التصريح الأمني عن عمليات التوثيق المدني.
ويواجه النازحون الذين فقدوا معيلهم والذين تعيلهم النساء، معضلة مراجعة الدوائر الحكومية، للحصول على وثائق جديدة بعد أن فقدت وثائقهم المدنية الاصلية أثناء تدمير مدنهم من قبل القوات الحكومية والميليشيات.
ويتعرض مليون عراقي نازح يفتقرون الى وثائق ثبوتية إلى خطر الاستبعاد من الخدمات العامة الرئيسية، بما في ذلك الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم.
وعزا تقرير “العيش في الهامش” عدم حصول النازحين على الوثائق الى الحواجز البيروقراطية والإدارية، فضلا عن التقسيم الطائفي والتهميش الذي تتبعه السلطات في العراق ومتطلبات التصريح الأمني الذي تصفه الوكالات بأنه شبكة معقدة من العقبات التي تمنع الأشخاص الضعفاء من الحصول على المستندات التي يحتاجونها.
وقال جيمس مون، مدير مكتب المجلس النرويجي للاجئين في العراق “لقد تم إقصاء هذه الأسر إلى هامش المجتمع دون وجود أجزاء أساسية من الوثائق المدنية، مما يضاعف ويعزز نقاط الضعف الأخرى”.
وأضاف “بدون أوراق هويتك، لا يمكنك الوصول إلى الخدمات، ولا يمكنك التنقل بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنك تجاوز خمس سنوات من المعاناة منذ نهاية النزاع المعلنة”.
وقال فريدريك بولسون المسؤول في المجلس “إن الافتقار إلى الوثائق المدنية يمثل تحديا للأسر التي تعاني من الصعوبات. فلا يستطيع النازحون إثبات أنهم يمتلكون منازلهم، ولا يمكنهم الحصول على عمل، لذلك يعيشون على هامش المساعدة من وكالات الإغاثة”.
وطالب بولسون السلطات الحكومية في العراق بتحقيق التعافي الشامل، واتخاذ إجراءات عاجلة على أعلى المستويات لمساعدة النازحين في الحصول على الوثائق التي يحتاجون إليها.
وشدد التقرير على دعوة مجموعات الإغاثة والحكومات المانحة بالضغط على السلطات العراقية، من أجل مساعدة النازحين وإصدار الوثائق الثبوتية لهم، وتسهيل مراجعة الدوائر الحكومية وإيقاف المضايقات التي تمارسها الميليشيات والقوى المهيمنة.
وقالت مديرة لجنة الإنقاذ الدولية في المجلس النرويجي للاجئين، سمر عبود “لا يزال نقص الوثائق المدنية يقف في طريق النساء والأسر التي تعولها سيدات لتحقيق حقوقها الأساسية، مثل حرية التنقل والتوظيف والتعليم، لهم ولأطفالهم”.
وشددت بقولها “لا يمكنهم استئناف حياتهم من دون وثائق وبينما السلطات تقف في وجههم وتمنع عودتهم إلى حياة طبيعية”.
وطالبت عبود السلطات في العراق بإلغاء ربط إصدار الوثائق بالإجراءات الأمنية التعسفية، لمساعدة آلاف الأسر الضعيفة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى