أخبار الرافدين
وليد الزبيدي

غياب عوامل بناء المقاومة

يفترض توافر عدة عوامل لنشوء المقاومة وتحريكها والإعداد لكوادرها على طريق انطلاقتها العسكرية، وتلك العوامل أصبحت ضرورية لأي مقاومة ظهرت على الأقل منذ بداية القرن العشرين، وازدادت أهميتها بعد تشكيل الثنائية القطبية في النصف الثاني من القرن العشرين،
وتتمثل بالجوانب الإعلامية، ووجود أرض تجري عليها معسكرات تدريب المقاتلين، والدعم المالي، والقدرة على تحرك قيادات المقاومة في المحيطين الإقليمي والدولي، بغرض التعريف بقضيتهم وشرح أبعادها وتوضيح طبيعة برنامجها السياسي، ولكن وبسبب الهيمنة الأمريكية المطلقة على المنطقة والعالم، فإن جميع المستلزمات الضرورية لنشوء المقاومة في العراق، لم تتوافر على الإطلاق. لهذا، فإن الدراسة النظرية الأولية، التي تبحث بإمكانية نشوء المقاومة العراقية، يمكن أن تذهب بصاحبها إلى “اليأس”، لعدم توافر الظروف الموضوعية والعوامل المساعدة على خروج مقاومة عراقية، وتصور الكثيرون في ضوء ذلك، أن مقاومة في العراق قد تظهر، لكن بعد حين قد يطول أمَده لسنوات أو عقود، وإن بدأت فإنها ستخبو بسرعة، وأن المشروع الكوني الأمريكي، سيأخذ طريقه إلى دول العالم الأخرى انطلاقا من العراق. وفي واقع الحال ومن خلال دراستنا المقارنة، التي حاولنا من خلالها التعرف على ظروف نشوء وتطور عدة تجارب مقاومة في التاريخ الحديث، وجدنا أن من أولى النقاط التي تفردت بها المقاومة العراقية هي سرعة انبثاقها، وتطورها الكبير خلال أسابيع وأشهر من بداية الاحتلال برغم كل ما تمتلكه القوات الأمريكية، من أسلحة على درجة عالية من التطور، يضاف إلى ذلك، الإمكانيات الأمريكية الهائلة في مختلف المجالات، ما يجعل التفكير بمجابهتها من قبل أفراد أو مجاميع شبه مستحيل بعد الانهيار السريع في المنظومتين العسكرية والإدارية للدولة العراقية خلال الغزو “الذي ابتدأ في العشرين من آذار2003” وتمكنت القوات الأمريكية من احتلال العاصمة العراقية في يوم الأربعاء التاسع من نيسان من العام نفسه، أي خلال ثلاثة أسابيع فقط، يضاف إلى ذلك عوامل إحباط أخرى، لا تقل أهمية عن عامل القوة العسكرية المتمثل بالسيطرة المطلقة على الجو، وعلينا أن لا ننسى واحدا من العوامل المهمة في حروب العصابات وهو عامل التضاريس، التي يفتقد إليها العراق تماما، خصوصا المناطق التي انتشرت فيها القوات الأمريكية والبريطانية، ابتداء من مناطق البصرة والعمارة في الجنوب إلى الموصل شمالا والأنبار غربا وكركوك شمال شرق وديالى شرقا مرورا ببغداد ومحيطها وصلاح الدين، فالأرض منبسطة تماما، وتخلو من الهضاب والجبال والغابات والأحراش، التي تعد ضرورية جدا في ميداني تنفيذ الهجمات ضد العدو وتأمين الانسحاب للمقاتلين.
نتحدث عن العوامل التي توافرت لجميع المقاومات التي حصلت خلال العقود القليلة الماضية. لهذا، فإن الدارس والباحث في حال شرع بوضع خطة على الورق لكي تنطلق منها حركة مقاومة على الأرض في العراق، ستخلص بدون أدنى شك إلى نتائج وتوصيات في غاية السلبية، هذه التوصيات لن تكون مشجعة، بل قد توصي بأن حركة من هذا النوع قد تكون بمثابة انتحار. لكن ما حصل على أرض الرافدين كان أمرا مختلفا تماما.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى