أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تفشي الأمية المعرفية في المجتمع العراقي بالتوازي مع وجود 12 مليون أمّي

خبراء تربويون يحذرون في اليوم العربي لمحو الأمية من تعمد قوى سياسية وطائفية تجهيل المجتمع العراقي من أجل تفكيكه.

بغداد- الرافدين
حذر خبراء تربويون من تفشي أمية معرفية وثقافية بالتوازي مع أمية القراءة والكتابة في المجتمع العراقي.
وأجمع الخبراء لمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية الذي حدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو” في الثامن من كانون الثاني سنويا، على أن الأمية المعرفية والثقافية تتفشى داخل المجتمع العراقي بالتوازي مع أمية القراءة والكتابة.
وشددوا على أن وجود 12 مليون أمي في العراق وفق الإحصاءات الرسمية الأخيرة يقابلها، عملية تجهيل للمجتمع وبث أفكار طائفية وتقسيمية وخرافات داخلية على حساب القيمة المعرفية للعلوم والآداب.
وحذروا من أن عملية “التجهيل” للمجتمع العراقي متعمدة من قبل جهات وقوى سياسية وطائفية تعمل على تجهيل المجتمع من أجل تفكيكه وبالتالي السيطرة عليه سياسيا.
وقررت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو”، من خلال الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار، أن يكون الثامن من كانون الثاني من كل سنة يوما عربيا لمحو الأمية وتعليم الكبار.
وتشير “ألكسو” إلى الحاجة لموضوعات تعليمية تعمق الوعي السياسي بما يتعلق بحق المواطن بالإدلاء بصوته في لانتخابات، وتمكين المتحرر من الأمية من ممارسة حقه الدستوري، إضافة إلى تمكينه من مهارات الإنترنت والتكنولوجيا وضبط الذات والوقت، وغيرها.
ويشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022 الصادر عن صندوق النقد العربي إلى أن نسبة الأمية بين البالغين “15 سنة وما فوق” قدرت في الدول العربية بنحو 24.6 في المئة وهي بذلك تفوق مثيلاتها في جميع الأقاليم في العالم، باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغت نحو 33.9 في المئة.
وتبين إحصاءات البنك الدولي ان 90 بالمائة من الطلاب العراقيين لا يفهمون ما يقرأونه، بسبب الصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور فيه وضعف نواتج التعليم الذي “يعجز عن تقديم المهارات الأساسية إلى الطلاب والتي تشكل أساس التعلم وتنمية المهارات”.
وأظهرت نتائج تقييم لمهارات القراءة ومهارات الرياضيات للصفوف الأولى كان قد أجراه البنك الدولي أنه “بحلول الصف الثالث لم تكن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين الذين تم تقييمهم قد اكتسبوا بعد المهارات الأساسية الكافية”.
ولم يتمكن “ما يقرب من ثلث طلاب الصف الثالث من الإجابة بشكل صحيح على سؤال واحد حول أحد النصوص المناسبة لأعمارهم قرأوها لتوهم”، بينما “لم يتمكن 41 بالمائة من طلاب الصف الثالث من حل مسألة طرح حسابية واحدة بشكل صحيح”.
ويرى البنك الدولي أنه جراء نواتج التعلم المتدنية “تبرز الحاجة الماسة إلى التركيز على الطلاب من الفئات الأكثر احتياجًا والمعرضين لخطر التخلف عن الركب والتسرب من نظام التعليم”.


الدكتور أيمن العاني: هناك تعمد حكومي بتفشي الجهل لضمان خفض الوعي الشعبي وقتل روح التضحية.
ويذهب بعض الاختصاصيين في مجال التربية والتعليم إلى أن اتساع الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه أدى الى عدم كبح نزيف التسرب من المدارس وبالتالي صب هذا التسرب في ارتفاع نسب الأمية ووصولها لهذه الأرقام الخطيرة.
وسبق أن أقرّت وزارة التربية الحالية، بأنّ أعداد الأميين في العراق بلغت مستويات صادمة، لافتةً إلى أنّها تجاوزت 12 مليون شخص. فيما كشفت وزارة التخطيط الحالية عن وجود أكثر من 7600 موظف أمّي في المؤسسات التابعة لحكومة بغداد.
وبحسب وزارة التربية، فإنّ “مشروع” محو الأمية الذي أطلقته عام 2021، يُعدّ فاشلًا، ويسير بشكل خاطئ؛ نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة والفساد المستشري في مشاريع الوزارة، مشيرةً بذلك إلى أنّ البلاد تتّجه نحو ارتفاع أعداد الأميين، وليس إلى محو الأمية.
ويؤكد مختصون في الشأن المجتمعي أنّ تفشي الأمية في العراق مرتبط بالأزمات التي أحدثتها الحكومات المتعاقبة وسوء إدارتها للبلاد، لافتين إلى أنّ الأرقام الحقيقية أكبر مما أعلنت عنه الوزارة.
وهناك أكثر من مليون طفل دون الخامسة عشرة هم إمّا نازحون أو انخرطوا في سوق العمل في العراق.
وتفشت الأمية في المحافظات الجنوبية والمناطق التي شهدت عمليات عسكرية، نتيجة ضعف التوعية والاهتمام الحكومي، وتردي الأوضاع الاقتصادية فيها.
وارتفعت نسب الأمية بين الذين تتراوح أعمارهم بين “6 – 55” سنة بشكل كبير في الآونة الأخرة، وتشكل أرقامًا صادمة يعصف بقطاع التعليم في البلاد، الذي يتجه نحو تفشي الأمية بدل القضاء عليها، بسبب الأزمات التي أحدثتها الحكومات المتعاقبة وسوء إدارتها للبلاد.
ونقلت مصادر صحفية عن مسؤولين في حكومة بغداد، عدم وجود مشاريع تطويرية لتوفير بيئة تعليمية جديدة للتلاميذ في البلاد، بالإضافة إلى وجود نقص في المدارس في عموم البلاد، الأمر الذي أدّى إلى تراجع كبير في مستويات التعليم، مبينةً أنّ نسبًا كبيرةً من الطلاب في المدارس ما يزالون غير قادرين على القراءة والكتابة بسبب مشكلات تتعلق بـ “النظام التعليمي”.
ويجمع خبراء تربويون على صعوبة حصر أسباب زيادة الأمية في العراق لكثرتها، إلّا أنّ أبرزها كان الفساد في قطاع التربية منذ سنة 2003، وهذا ما اعترف به رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي على هامش لقائه عددًا من التربويين، إذ أشار إلى أنّ عوامل سوء الإدارة والفساد وعدم وجود كادر حقيقي للتربية أسهمت كلّها في تدني مستوى التعليم.
وحقّق العراق في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مراتب عالمية متقدمة في القضاء على الأمية، عبر حملات واسعة شملت جميع مدن وقصبات البلاد، عرفت باسم “القضاء على الأمية”، واستمرّت عدة سنوات، وحققت نجاحًا كبيرًا.
وقال الدكتور أيمن العاني مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين أن الأمية ليست مجرد مشكلة تعليمية واجتماعية واقتصادية، وإنما هي قضية سياسية لها تداعيات خطيرة بعيدة المدى، مبينًا أن القضاء على الجهل لم يكن أولوية لدى أي من الحكومات المتعاقبة التي عملت على تفشيه لضمان خفض الوعي الشعبي وقتل روح التضحية والتفاني بين أبناء الوطن الواحد ونسف مقتضيات العمل الجماعي لبناء وطن غني بثرواته ينعم أبناؤه بالعيش الرغيد.
الدكتورة ريا قحطان
الدكتورة ريا قحطان: العراق الذي يعاني من الأمية اليوم حصل على جائزة اليونسكو عام 1979، لنجاحه في برامج محو الأمية.
وتقارن الدكتورة ريا قحطان الأستاذة في جامعة بغداد، الوضع الحالي مع الوضع السابق إذ تؤكد أن العراق حصل على جائزة اليونسكو في العام 1979، كونه نجح في برامج محو الأمية والآن وبعد مرور أكثر من أربعين عامًا نطلع على بعض التقارير الدولية التي تشير إلى أن نسبة الأمية في العراق قد وصل إلى نحو 25 بالمائة من السكان بمعنى تراجع خطير، وهو ضمن موجة التراجع في الكثير من مقومات الحياة الأساسية الأخرى.
وتؤكد قحطان على أن هذا التراجع بدأ بعد فرض الحصار الاقتصادي على البلد عام 1990، والاحتلال الأمريكي عام 2003، وأن الأمر لا يتطلب أكثر من بناء مدارس جديدة، وتعيين المعلمين والإداريين فيها، وتوفير المستلزمات المادية للمدرسة من أثاث وغيرها، في ظل الميزانيات الانفجارية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى