أخبار الرافدين
كرم نعمة

أمريكا العظمى مريضة

لم يستطع دونالد ترامب أن يفي بوعده بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، كما أن جو بايدن المريض يرقد على نفس سرير الولايات المتحدة المريضة بحق، أكثر من ديمقراطيتها المنهكة.
فمزاعم ترامب عن عودة أمريكا العظيمة لم يكن لها علاقة بالتوازنات التجارية والعسكرية وخلق فرص العمل، بقدر ارتباطها بإحساس أن الأجانب المتعجرفين يعتبرونه أحمقا. بينما في عصر بايدن أٌذلت الغطرسة الأمريكية من أفغانستان حتى أوكرانيا بعد كسرها في العراق.
يعترف بول كروغمان أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة نيويورك، وأحد أهم كتاب صحيفة نيويورك تايمز، بأن العالم كان يضحك على الولايات المتحدة عندما يتحدث أو يٌغرد ترامب على تويتر، ومن المؤكد أن مؤيديه تصوروا أن الأمر نفسه ينطبق على نخب العولمة المحلية.
ويجمع غالبية كتاب أعمدة الصحافة عالية الحساسية في الولايات المتحدة على سخافة ترامب وافتقاره الواضح للقدرة الفكرية والنضج العاطفي ليصبح رئيسًا، وهي أمور كانت جزءًا مما جعله محبوبًا لقاعدته.
لكن هناك القليلين من الديمقراطيين من يعتقد أنه أذكى من ذلك. فالمرض السياسي المصاب به بايدن يجعله نسخة أكثر فشلا من ترامب.
اليوم لا يخفي كروغمان مثل العديد من الليبراليين، سعادته بتدمير ذات اليمين الأمريكي أثر المحاولات الفاشلة لانتخاب رئيسًا للكونغرس “عقدت 15 جلسة تصويت، حتى تراجع نحو عشرين نائبا جمهوريا متشددا عن موقفهم بعدم دعم كيفن مكارثي، متجاهلين دعوة ترامب إلى تأييده”. أُنتخب مكارثي رئيسا للكونغرس أخيرا، لكن القصة لم تصل إلى نهايتها بعد.
وهذا يعني أن هناك نزاع حقيقي داخل الديمقراطية الأمريكية. إنها أعراض مرض الفوضى وليس جدلا يعبر عن صحة الديمقراطية كما تريد بعض وسائل الاعلام الإيحاء بذلك، بيد أنها تفشل في الدفاع عن أقدم الأفكار الديمقراطية عن “الحلم الأمريكي” لأن هناك أعراض باينه للعالم على الولايات المتحدة المريضة بديمقراطيتها، بعد أمريكا المنكسرة بغطرستها. وطبيعة الخلاف بين الجمهوريين أنفسهم ومع الديمقراطيين لم تكن منسوجة بأحكام هذه المرة.
ذلك ما دفع ترامب إلى توجيه رسالة إلى النواب الجمهوريين على منصته للتواصل الاجتماعي قائلا “لا تحولوا انتصارا كبيرا إلى هزيمة هائلة. حان الوقت للاحتفال، أنتم تستحقون ذلك! كيفن مكارثي سوف يقوم بعمل جيد”. مع ذلك لا يوجد ترقب لهذا العمل الجيد.
في واقع الأمر، لا يوجد هذه المرة نزاعا حول السياسة بين الجمهوريين والديمقراطيين في انتخاب رئيس مجلس النواب، فلا أحد يعتقد أن هناك الكثير من اليسار في الولايات المتحدة ممن يعرّفون أنفسهم بالطريقة التي يفعلها الكثير من اليمين من خلال استيائهم.
“الاستياء” بدلاً من “المظالم”. المظالم تتعلق بالأشياء التي تعتقد أنك تستحقها، وقد تتضاءل إذا حصلت على بعض ما تريد. ويتعلق الاستياء بالشعور بأنك تُحتقر، ولا يمكن تهدئته إلا من خلال إيذاء الأشخاص الذين تحسدهم، على مستوى ما.
تلك الصورة تعبر عن أحد أعراض أمريكا المريضة التي صار يتم فيها تبادل لعبة سياسية قديمة لجعل الخصوم ضعفاء وأغبياء بعضهم البعض. لعبة “الديمقراطيون مهتمون جدا بإهانة الجمهوريين، بينما يعمل الجمهوريون بكل ما أوتي لهم من ازدراء سياسي في إذلال الديمقراطيين” ذلك الذي يحصل منذ أسابيع في الكونغرس الأمريكي. ولم ينته بعد انتخاب مكارثي.
إن كنا نتحدث عن التاريخ هناك، فما يحصل في الكونغرس اليوم ليس طبيعيا، وأن تكرر سابقا، لكن الأعراض أشد من أن يتم إهمالها من قبل الطب السياسي. فشعار “أمريكا أولا” صار في هوامش الخلاف هذه المرة.
لا يخفي المدافعون عن “الحلم الأمريكي” أنهم يدركون أن العالم صار يضحك على الولايات المتحدة، فقد تحولت وصفة الفشل لأحلام العولمة الشريرة إلى أعراض مرض جديد على المفاهيم السياسية، حتى جعلت من أمريكا نقيضا للعظمة.
لا نزعم هنا بغير ان الولايات المتحدة لا تزال الدولة الأساسية على جبهات متعددة. عندما تبدو أنها أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، لكنها فشلت منذ دورتين رئاسيتين في إقناع العالم بانها قادرة على انتاج إدارة فاعلة، لذلك فأن خطر هذا الفشل لا يقتصر على أمريكا وحدها، بل أن المخاطر ستكون دولية. لنتخيل ما الذي يحصل لو تسبب ذلك الفشل في حدوث أزمة مالية ضخمة بالدولار؟
حتى بعد اتفاق الجمهوريين على مكارثي، كم سيبقى في منصبه بعد هذا الجدل السام؟
هناك شيء واحد مؤكد، إن الولايات المتحدة كقوة عظمى أقل مما كانت عليه بالفعل. وأعراض المرض بدت واضحة عليها ليس لأطباء السياسة وحدهم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى