أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

سياسة “البذخ” في التوظيف الحكومي تصيب المؤسسات بالخمول وتكبل الاقتصاد العراقي

مراقبون يعدون لجوء حكومة السوداني إلى توظيف شرائح كبيرة من العاطلين عن العمل وتثبيت المتعاقدين محاولة استباقية للسيطرة على انفجار وشيك للشارع.

بغداد – الرافدين

أثار استحداث نحو 286 ألف درجة وظيفية في مؤسسات الدولة ووزاراتها الحكومية، موجة انتقادات وتحذيرات واسعة بين أوساط الاقتصاديين من تداعيات هذه الخطوة على الموازنة العامة ومواردها في ظل الترهل الوظيفي في البلاد والاعتماد شبه التام على النفط كمصدر رئيس في تأمين رواتب الموظفين.
وأعلنت وزارة المالية الحالية، استكمال إجراءات استحداث الدرجات الوظيفية التي أقرها مجلس الوزراء بضمنها شريحة المتعاقدين في عدد من الوزارات والمحافظات في مشروع موازنة عام 2023 التي يفترض أن تقدم مع بدء الفصل التشريعي الجديد للبرلمان الحالي.
واشار اقتصاديون إلى أن هذه الخطوة تعبر عن رغبة حكومية في تلافي أزمة البطالة بغض النظر على الكلف المتوقعة، خاصة إذا ما تعرضت عائدات النفط للهبوط في ظل توقعات بانخفاض أسعار النفط وتكرار سيناريو عام 2020.
وعد المختص بالتنمية الاقتصادية، أحمد صباح، وجود ما يقرب من 2.5 مليون موظف في القطاع العام المدني، مع وجود أكثر من 1.75 مليون منتسب في صفوف الأجهزة الأمنية، مؤشرًا على أن البلد مقبل على عجز مالي كبير في المستقبل القريب مع وجود توقعات تشير إلى انخفاض أسعار النفط مجددًا.
ويرى صباح أن هذه الأعداد من الموظفين ترهق الموازنة العامة للدولة، وتزيد من حالة الخمول في أداء المؤسسات قياسًا بعدد الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من عمل حقيقي.
وأضاف أن على الدولة التوجه فورًا لحل هذه المشكلة، وفتح آفاق الاستثمار في جميع المجالات، وتفعيل دور القطاع الخاص للمساهمة في رفع الثقل الكبير عن الموازنة العامة للبلد.
وتعقيبًا على الأرقام القياسية لأعداد الموظفين، كشف المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الحالي مظهر محمد صالح أن نسبة موظفي الدولة في العراق تقدر بنحو 37 بالمائة من مجموع اليد العاملة في البلاد، الأمر الذي يعني أن هناك موظفًا حكوميًا لكل 10 مواطنين.
ويقارن صالح بين أعداد الموظفين الحكوميين بالنسبة لعدد المواطنين في العراق ودول أخرى، حيث إن الموظف الحكومي في ألمانيا يخدم 150 مواطنًا، وفي مصر هناك موظف لكل 25 شخصًا، وأن العراق يعد الأعلى على مستوى العالم في هذه النسب.
ويضيف أن البلاد تشهد سنويًا دخول 500 ألف شخص لسوق العمل داخل البلاد، مما يسهم في تسليط مزيد من الضغط على الحكومة لأجل توفير فرص عمل في القطاع العام.
ومن خلال معرفة أن 37 بالمائة من اليد العاملة بالعراق تعمل في القطاع العام، وإذا ما كان عدد الموظفين الكلي 4.5 ملايين موظف، فإن مجموع اليد العاملة في العراق يزيد على 12 مليونًا.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن الاستحداثات الوظيفية الأخيرة سيكون لها تأثير واضح على الموازنة العامة للدولة، وسيدفع البلد فاتورة التوظيف مع أي انخفاض لأسعار النفط في السوق العالمية، وبالتالي خفض قدرة الدولة على تخصيص أموال أخرى لأغراض كلف التشغيل أو أبواب الإنفاق التنموي والاستثماري.
وأشار التميمي إلى وجود ضعف في الرؤية الاقتصادية لدى القوى السياسية، من خلال عدم اتفاقها على منهج اقتصادي واضح، فضلًا عن ضعف إرادة الحكومة في تنفيذ سياسات اقتصادية واعدة قد تكون الخصخصة إحداها.

جبار اللعيبي: التمادي في سياسة أبيع نفط وأعطي رواتب ستؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها

ويتفق وزير النفط الأسبق جبار علي اللعيبي مع ما ذهب إليه التميمي فيما يتعلق بمخاطر الاعتماد على النفط في دفع الرواتب ويضيف أن العراق بات يعتمد على الإيرادات النفطية بشكل فاق التصور بنسبة 98 بالمائة.
وحذر اللعيبي من التمادي في الارتهان إلى الواقع الحالي عبر آلية الاعتماد على النفط لتمويل الدولة ودفع رواتب موظفيها، “إذا استمرت مسلمة أبيع نفط وأعطي رواتب والله كريم ما دام النفط ماشي، من دون إدراك مخاطر هذه السياسة التي ستؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها”.
ويرى أن “النفط مقبل على تقلبات بالأسعار، كما شهدناه سابقا حين وصل إلى 140 دولارًا للبرميل ثم هبط سريعًا، فلا يوجد ضمان بقاء الأسعار وثباتها في الأسواق العالمية”.
بدوره قال النائب في البرلمان الحالي باسم الغريباوي إن الحكومات المتعاقبة منذ 2003، توارثت مسألة التوظيف ولم تعط حلولًا حقيقية لحل هذه المشكلة، مما ولد ضغطًا على الموازنة السنوية العامة للدولة.
وأشار الغريباوي إلى أنه في حال انخفاض أسعار النفط، وهو متوقع، فإن قدرة الدولة على سداد وتأمين رواتب الموظفين ستكون محفوفة بخطر كبير، خاصة إذا استمر باب التوظيف مفتوحًا بهذا الشكل.
وشدد على أن بقاء الفساد في مؤسسات الدولة على ما هو عليه اليوم، واعتماد ذات الاستراتيجية والسياسة الاقتصادية المتوارثة، من عدم إيجاد إيرادات بديلة غير النفطية لرفد الموازنة العامة، يجعل الدولة أمام مشكلة كبيرة.
وخلال جائحة كورونا انهارت أسعار النفط عام 2020 مما تسبب بعدم قدرة حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي على دفع رواتب الموظفين بانتظام، وهو ما استمر لأشهر عديدة لم تنته إلا بخفض قيمة الدينار أمام الدولار لتأمين السيولة النقدية حينها والذي مازالت ارتدادات هذا القرار شاخصة حتى اللحظة بعد تدهور سعر الصرف مجددًا.
ويعلق أستاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني على ذلك بالقول إن التقارير الدولية والتوقعات تشير لاحتمالية تعرض العالم لموجة ركود اقتصادي وتراجع لأسعار النفط التي دائما ما تشهد نكسة كل 4 إلى 5 سنوات، وهذا يعني احتمالية انفجار وغضب شعبي قادم في حال عجزت الحكومة عن دفع رواتب الموظفين وعدم توفير فرص عمل جديدة.
ويتابع المشهداني أن مشكلة البطالة لا يمكن معالجتها من خلال التوظيف الحكومي، وأن القطاع الخاص دائمًا ما يتعرض لانتكاسات قد تكون مقصودة، لحساب دول جوار العراق التي تصدر بضائعها للعراق.
ويضيف ليس بعيدًا عن الأذهان ما حدث في السنوات الأخيرة من مظاهرات تطالب بتوفير فرص العمل، وهو ما أجبر الحكومة على فتح باب التوظيف لشرائح كثيرة من الخريجين، في محاولة لامتصاص غضب الشارع نتيجة البطالة دون مراعاة لأي مآلات مستقبلية.

مساع حكومية للسيطرة على الشارع عبر توظيف عشرات الآلاف دون مراعاة للتبعات الاقتصادية

وعلى الصعيد السياسي عد مراقبون البذخ في التوظيف جزءًا من حملة “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، لإعادة ترميم صورته أمام الشارع عبر نافذة تأمين فرص العمل التي باتت بمثابة حملة دعائية مبكرة من قبل “الإطار” لتلميع صورته قبل الانتخابات القادمة بهدف إعادة شعبيته داخل الوسط “الشيعي” على وجه التحديد، على حساب التيار الصدري الخامل سياسيًا منذ عدة أشهر.
وبين فترة وأخرى تجدد حراكات مدنية عراقية التلويح بالعودة إلى الشارع وإعادة ترتيب قاعدتها الشعبية، لمواصلة كفاحها لتلبية الحقوق الشعبية، مثل “إنهاء المحاصصة” و”حظر الأحزاب وميليشياتها الطائفية”، التي باتت من بين أبرز مطالب تلك القوى إبان ثورة تشرين، وسط خشية من أن يكون وجود التيار الصدري خارج العملية السياسية عاملًا مساعدًا في تأجيج الشارع ضد حكومة السوداني التي شكلها خصوم الصدر في “الإطار التنسيقي”.
ويتفق النائب الحالي هادي السلامي مع هذا الرأي بالقول إن “السوداني، والفريق السياسي داخل مكتبه، يسعى إلى إرضاء العراقيين عبر التعيينات وإغداق الوعود على المواطنين، لأنه خائف جدًا من تفجر الاحتجاجات في أي لحظة”.
ويضيف السلامي، أن “استمرار القوى التي تملك السلاح في التحكم بالمشهد السياسي يعني أن الوضع الاجتماعي قد يسوء أكثر”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى