أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العراق يتذيل مؤشرات حقوق الإنسان ومرتبكو الجرائم يفلتون من العقاب

قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين: 2.5 مليون عراقي يعيشون في حالة نزوح شبه دائم، نصفهم لا يجدون مأوى لهم.

عمان- الرافدين
سلط التقرير السنوي لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق الضوء على جرائمِ القتلِ والإصابةِ خارجَ القانون، والاعتقالِ التعسفيِّ والاختفاءِ القسري والإعدامِ، والهجرةِ والتهجيرِ والنزوحِ القسري، إلى جانب أوضاع المرأة والطفل، والأقلياتِ، والخدماتِ والبُنىِ التحتية، والفساد المالي والإداري، والوضع الصحيِ والبيئي ونظيره التربوي والتعليمي، فضلاً عن وضع الحريات العامة والصحفية، وما يتصل بمشروع التغيير الديموغرافي، وظاهرة الإفلات من العقاب وعملياتِ التعذيب.
وأكد التقرير المطول الذي أصدره قسم حقوق الانسان في الهيئة، الثلاثاء السابع عشر من كانون الثاني، بقاء العراق في ظل حكومَتي الاحتلال الثامنة والتاسعة متذيلاً قوائمَ ومؤشراتِ قضايا حقوقِ الإنسان بشكل عام، في الوقت الذي يحظى مرتبكو الجرائم والمتورطون في الانتهاكات بإفلات مستمر من العقاب.
وقال مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين الدكتور أيمن العاني، إن التقرير السنوي لهذا الموسم لم يحمل عنوانًا محددًا، بسبب كثرة وتزاحم القضايا المتعلقة بالانتهاكات والجرائم التي تطال ملف حقوق الإنسان في العراق، ولكي يطلق المتابع تصوراته لكل ما يمكن التعبير عنه من مأساة يشهدها العراق في ظل العملية السياسية وأحزابها السلطوية التي تمارس الإجرام والإرهاب بكافة أشكالهما.
وتضمّن التقرير إحصاءات تتعلق بأحد عشر محورًا تشمل قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي تعزز حالةَ الفوضى الأمنيةِ، وارتفاعَ معدلاتِ الجريمة، وتجذرَ الفساد في جميع الدوائر الحكومية؛ الأمرُ الذي جعل العراق من البلدان الأكثر خطرًا والأكثر فسادًا في العالم.
ويهدف التقرير السنوي لعام 2022؛ إلى وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب في العراق وتغاضي القوى الدولية عن جرائم وفساد الحكومات المتعاقبة فيه على مدى نحو عقدين من الاحتلال المزدوج والمستمر في البلاد.
وما يزال العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي يتذيل قائمة الدول في قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وما تزال الحكومات المتعاقبة متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولين عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون والاعتقالات التعسفية التي تستهدف معارضي ومنتقدي الأحزاب المتنفذة والميليشيات المتحالفة معها، مع انتشار التعذيب الممنهج في كافة السجون الحكومية المعلنة لإجبار المعتقلين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبونها، وسط استمرار تغاضي منظومة القضاء لمزاعم موثوقة عن وقوع التعذيب، وإصرار القضاة على إصدار أحكام تصل إلى الإعدام بحق متهمين، متجاهلين غياب أبسط مقومات المحاكمات العادلة، بالتزامن مع سكوت هذه المنظومة عن قضايا الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب، وما يرافقها من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية، الأمر الذي يجعل العراق متصدرًا القائمة السوداء لمؤشر الإفلات من العقاب العالمي، ومن البلدان الأكثر خطرًا والأكثر فسادًا في العالم.


الدكتور أيمن العاني: التقرير السنوي لم يحمل عنوانًا بسبب كثرة الانتهاكات

وعلى مدار العام 2022؛ رصد قسم حقوق الإنسان نمطًا مستمرًا من الاعتداءات الخارجية على محافظات شمالي العراق التي أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين بينهم نساء وأطفال، من دون رد مناسب على هذه الاعتداءات من الجانب الحكومي، بالتزامن مع انتشار اتجار وتعاطي المخدرات وعمليات تهريب النفط والمال العام واستمرار تخريب الاقتصاد المحلي وغياب الخدمات الأساسية وتهالك البنى التحتية وانهيار كافة القطاعات الحيوية، مع بقاء أسباب ذلك، ولاسيما الفساد وسوء الإدارة وغياب التخطيط والسياسات الفاشلة في مواجهة الأزمات.
وتدخل أزمة النزوح الكبرى عامها التاسع وسط تواصل الإهمال الرسمي وتراجع الجهد الإغاثي، إذ لا يزال نحو مليون ومائتي ألف نازح داخليًا يعيشون طوال السنين الماضية في ظروف إنسانية سيئة للغاية، يفاقمها تلاشي أمل عودتهم إلى ديارهم بسبب الدمار الواسع الذي لحق بمناطقهم وإصرار الميليشيات على استمرار حملات التطهير الطائفي ضمن مخطط التغيير الديموغرافي الجاري تنفيذه في العراق بعد 2003، على غرار ما يجرى في مناطق كثيرة من البلاد، وتبقى عمليات الإغاثة المتواضعة عرضة للانحسار من جراء التضييق الحكومي المتواصل، وسط تجاهل وزارة الهجرة والمهجرين للأوضاع الإنسانية المتفاقمة في مخيمات النزوح المهملة.
ويظل العراق من أسوأ الدول بالنسبة للمرأة والطفل مع استمرار تعرضه هاتين الفئتين للقتل والخطف والاستغلال والاتجار بالبشر والزج في السجون والحرمان من أبسط الحقوق، مع المضي في سياسة تجهيل وإفقار الشعب العراقي الذي بات نصفه أميّين وثلثه تحت خط الفقر، وسط زيادة نسب البطالة وانعدام الأمن الغذائي، مع مضي الحكومات في اعتماد سياسة الإقصاء وعدم قبول الآخر.
ويتعرض الصحفيون المعنيون بنقل الحقيقة والمدافعون عن حقوق الإنسان بشكل مستمر إلى التهديد والقتل والاختطاف والابتزاز من قبل المتنفذين المستفيدين من عدم نقل حقيقة الواقع المزري الذي يعيشه العراقيون، مع تقنين الانتهاكات الجارية على نطاق واسع بتساهل حكومي وعلى أعين الأجهزة الأمنية؛ وتسهم الصراعات الدائرة على السلطة بين المشاركين في العملية السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر في مزيد من تدهور الحريات والحقوق الأخرى في البلاد.
ولا يزال عشرات الآلاف من السجناء الأبرياء يتعرضون لعمليات تعذيب واسعة النطاق ويواجهون كارثة إنسانية محققة داخل معتقلات تكتظ بالنزلاء وتفتقر لأبسط مقومات الحياة والصحة، بالتزامن مع انعدام إجراءات الوقاية وتفاقم انتشار الأمراض المعدية والسارية في السجون الحكومية المعلنة؛ الأمر الذي ينذر بالمصير المحتوم الذي ينتظرهم.

جهد توثيقي لكشف الجرائم المستمرة في العراق

وكشف التقرير السنوي لقسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين أن العراق ما يزال متذيلاً قائمة الدول وفق المؤشر العالمي للسلامة والأمن، حيث شهدت معدلات القتل ارتفاعا بنسبة تجاوزت 40 بالمائة مقارنة بسنة 2021.
وتسببت الانتقادات الموجه للأحزاب الحاكمة والميليشيات المتنفذة بنسبة عالية من الاعتقالات التعسفية، وتم تسجيل ارتفاع ملحوظ في وتيرة الاعتقالات بالتزامن مع ذكرى تظاهرات تشرين، إلى جانب استمرار التهم الكيدية ووشاية المخبر السري.
ومنذ مطلع العام 2022؛ رصد القسم اعتقال (67154) مواطنًا عراقيًا، (4201) منهم بتهمة الإرهاب، بينهم (211) امرأة وفتاة، وذلك في (7080) حملة دهم واعتقال معلنة فضلًا عن رصده (225) حالة قتل رافقت تلك الحملات.
وشهد العام 2022 حالات اقتحام للسجون التابعة لوزارة العدل من قبل ميليشيا الحشد وقوات سوات، التي قامت بالاعتداء على بعض المعتقلين وتعذيبهم، ولم تتخذ إدارات تلك السجون أي إجراءات جادة لردع المقتحمين أو محاسبتهم.
وما تزال السلطات الحكومية تحتجز آلاف النساء والأطفال الذين جرى اعتقال معظمهم بناء على أدلة واهية، وتعرضوا للتعذيب ليعترفوا بجرائم لم يرتكبونها، ومنهم من توفى بسبب التعذيب الشديد.
وبلغ الابتزاز في سجون العراق إلى الحد الذي بات فيه المعتقلون يشترون حياتهم بأموال طائلة، ما جعلها توصف بأنها أسوأ وسائل الابتزاز في العصر الحديث.
وما يزال لدى العراق أكبر عدد من الحالات الموثقة للاختفاء القسري في العالم، من دون أي تحرك رسمي يذكر لمعالجة هذا الملف المعلق منذ سنين، وتشير التقارير والإحصاءات غير الرسمية إلى أن أعداد حالات الاختفاء القسري التي حدثت بعد 2014 تجاوزت 55 ألف حالة، ما يزال مصيرهم مجهولاً.
ومنذ مطلع العام 2022؛ رصد القسم وفاة ما لا يقل عن 61 معتقلا داخل السجون الحكومية المعلنة، معظمهم معتقلون شبان لم يكن لهم أي تاريخ مع أمراض مزمنة قبل الاعتقال، وبينهم 43 ضحية كانت تبدو على جثثهم آثار تعذيب واضحة.
ورغم توقف أعمال العنف في المحافظات المنكوبة منذ سنين، ما تزال القوات الحكومية والميليشيات الولائية تمنع أهالي تلك المحافظات من الرجوع لمنازلهم بحجج عدة، ودخلت أزمة النزوح الكبرى عامها التاسع وسط تواصل الإهمال الرسمي وتراجع الجهد الإغاثي وما يزال نحو مليون و300 ألف نازح يعيشون أوضاعا مأساوية صعبة في المخيمات. ورصدنا خلال 2022 وفاة ثمانية أطفال من شدة البرد والجوع.
وبحسب وزارة الهجرة والمهجرين فإن 37 ألف عائلة ما زالت موجودة في 28 مخيمًا. وأكثر من 400 موقع غير رسمي تضم أكثـر من 14 ألف عائلة نازحة أخرى.
وشهد عام 2022 إغلاق وزارة الهجرة والمهجرين مخيمات في مدينة العامرية وطرد 220 عائلة من ناحية جرف الصخر ولا تستطيع هذه العائلات العودة إلى مناطقهم بسبب سيطرة الميليشيات على مناطقهم.
ويوجد 2.5 مليون عراقي يعيشون في حالة نزوح شبه دائم وباتوا بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، نصفهم لا يجدون مأوى لهم.
وشهدت محافظة نينوى هجرة عكسية بسبب سيطرة ميليشيات الحشد واستمرار افتعالها عمليات أو أحداثا أمنية لتبرير بقائها وأبرز تلك الجماعات هي كتائب حزب الله والعصائب وكتائب الإمام علي، إضافة إلى حشد الشبك، وبابليون.
وشهد عام 2022 تقدم 53 ألف شاب من كردستان العراق بطلبات اللجوء، أغلبهم من أعمار ما دون 18 عاما، 93 منهم لقوا حتفهم غرقا في البحر.
وتزداد معاناة الأطفال والنساء إلى الحد الذي نتج عنه انحراف كبير في مسار المجتمع بأكمله، وقدرت إحصاءات حجم عمالة الأطفال في العراق بنحو مليون طفل، ويكمن خطر عمالة الأطفال في علاقتها المباشرة مع جرائم الاتجار بالبشر، وقد تم بتسجيل فقدان 450 طفلاً خلال العام 2022 في عمليات الاتجار بالبشر.
وكشفت إحصاءات عن وجود خمسة ملايين يتيم، مع وجود أربعة ملايين ونصف مليون طفل ترزح عائلاتهم تحت خط الفقر.
ولا يزال من بقي من الأقليات في العراق “المسيحيون والشبك والصابئة المندائيون واليزيديون وغيرهم”، يرزحون تحت وطأة الانتهاكات المتواصلة في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة، في بلد يشهد انتكاسات كثيرة متتالية في مبادئ القانون الدولي الإنساني منذ 2003 وحتى اليوم؛ وقد هاجر قسم كبير من هذه الأقليات ولا سيما المسيحيون منهم الذين باتوا يشكلون أقل من 1 بالمائة من سكان العراق بعد أن كانوا نحو 3 بالمائة من السكان قبل الاحتلال الأمريكي، بينما أُجبر آخرون على النزوح داخل وطنهم.
وما تزال الخدمات الأساسية شبه معدومة في العراق واصبح توفرها من أعلى درجات الرفاهية في بلد يمتلك من الثروات ما يجعله من بين الدول الأغنى في العالم، ومع ازدياد حاجة العراق للمباني الخدمية ولا سيما محطات الطاقة الكهربائية والمستشفيات والمدارس وشبكات الطرق، يغيب التخطيط والتنسيق بين ما متوفر منها ومدى كفاءته وعدد السكان، إلى جانب الدمار الكبير الذي حل بالبنى التحتية من جراء القصف العشوائي العنيف خلال العمليات العسكرية.
وما زال الفساد بشتى أشكاله السمة السائدة في العراق وأصبحت قضايا الفساد مجرد أداة للتسويات السياسية، ومنذ 2010 يصنّف العراق من الدول الأكثر فسادًا في العالم، من دون تحسّن يذكر وفق منظّمة الشفافية الدولية.
ويظل نظام المحاصصة أصل الفساد في العراق الذي رهن البلاد لمخططات خارجية ومصالح حزبية وشخصية مع حجم فساد يقدر بـ 1680 مليار دولار ووجود 14000 مشروع وهمي أو متلكئ واعتماد لسياسة الاقتراض الخارجي التي تعد احتلالًا اقتصاديًا يرهن البلد لعقود قادمة وافتعال ضغوط عصفت بالدينار العراقي أدت إلى هبوط قيمته ما أدى إلى زيادة كبيرة ومتكررة بأسعار المواد الغذائية الأساسية.
ويعاني القطاع التربوي والتعليمي في العراق من تدهور كبير في جودة التعليم، وقد وصلت نسبة الأمية في العراق إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث، حيث بلغ عدد غير القادرين على القراءة والكتابة في العراق نحو 12 مليونا، بعد أن كانت البلاد وبحسب تقارير (اليونسكو)، خالية من الأمية وتمتلك نظاماً تعليمياً يعد الأفضل في المنطقة.
وتشكو جميع المستشفيات الحكومية من نفاد الأدوية ونقص المستلزمات الطبية بسبب الإهمال وغياب المتابعة، ويواجه مرضى السرطان الموت البطيء جراء شح الأدوية، مع استمرار هجرة الأطباء بسبب تعرضهم غير المتوقف للخطف والابتزاز والإهانة، ونقص بالأجهزة والمستلزمات الطبية وندرة العلاج. الأمر الذي يتسبب بموت آلاف المواطنين سنويًا.

تواطؤ حكومي لإفلات القتلة من العقاب

وسجلت مئات الإصابات بمرض الكوليرا وبداء الكلب بسبب المياه غير صالحة للاستعمال البشري، وبسبب الأعداد الكبيرة من الكلاب السائبة في عموم محافظات البلاد.
ولا زالت عمليات تلوث الهواء بالغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط مستمرة، وتسبب استمرار انتهاكات الثروة المائية للعراق من قبل دول الجوار، ولاسيما إيران في أزمة المياه المتفاقمة في البلاد وزيادة الجفاف والتصحر؛ انخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفرات بنسبة 73 بالمائة. وهذا تسببت بهلاك المزروعات وانخفض الإنتاج الزراعي بنسبة تصل إلى 90 بالمائة عما كان قبل سنين قليلة سابقة. ونفوق أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية والسمكية في البلاد ومن ثم عمليات نزوح للأهالي. نزوح أكثر من 4200 عائلة من 8 محافظات عراقية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى