أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

عراقيون يشككون بمزاعم ملاحقة ناشري “المحتوى الهابط”

مدونون يسخرون من ازدواجية الحكومة ووزارة داخليتها في التعاطي مع ناشري المحتوى الهابط والناشطين المناهضين لها.

بغداد – الرافدين

شكك نشطاء ومراقبون بجدية وزارة الداخلية الحالية في وضع حد لما بات يعرف بـ “المحتوى الهابط” على مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلانها تشكيل لجنة لمتابعة ناشري هذا المحتوى و”تقديم صانعيه للعدالة”.
واستند المشككون إلى خشية وزارة الداخلية من مواجهة صناع هذا النوع من المحتوى “المنافي للذوق العام” على خلفية ارتباطاتهم بالميليشيات والأحزاب المتنفذة وشخصيات من الصف الأول والثاني في الإطار التنسيقي الموالي لطهران كما يؤكد متابعون.
وأعلنت وزارة الداخلية، في بيان “تشكيل لجنة لمتابعة المحتوى في مواقع التواصل ومعالجة الهابط منه وتقديم صانعيه للعدالة”.
وأضاف البيان الذي نشرته الوكالة الحكومية الرسمية أن “القضاء دعم مقترحات الأجهزة الأمنية حول ملف المحتوى في السوشل ميديا”، وأن “اللجنة باشرت عملها ووصلت إلى صناع المحتوى الهابط وألقت القبض عليهم”.
وتزامن تداول البيان مع نشر الحساب الرسمي الموثق لوزارة الداخلية على موقع تويتر مقطعًا مصورًا يظهر مشاهير على منصات التواصل لاسيما منصة تيك توك، مع تعليق “المحتوى الهابط إلى أين؟”.
وتلقى متابعون لحساب الوزارة التغريدة بسيل من السخرية والتهكم بعد أن اكتفت الوزارة بطرح السؤال دون أن تتخذ خطوات فعلية على الأرض.
وشبه مغردون العنوان المثير للجدل الذي استخدمته الوزارة بتلك العناوين التي يستخدمها الناشطون والمعلقون ممن ينتظرون خطوات حكومية جادة للحد من “المحتوى الهابط” الأمر الذي دفع الوزارة إلى حذف التغريدة.
ولرفع الحرج عن نفسها أعلنت الوزارة تدشين منصة إلكترونية للتبليغ عن “المحتوى الهابط” تتيح للمبلغ من خلالها إدراج روابط ووصف للمحتوى المبلغ عنه.
ويقول التعريف المرفق للموقع إنه “منصة إلكترونية خاصة بالإبلاغ عن المحتويات الإعلامية المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي وتتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي”.
وأثار إعلان وزارة الداخلية الجدل كذلك بين الداعين لـ”حماية المجتمع” من تلك المنشورات “المسيئة”، والقلقين على حرية التعبير الذين يعتقدون أن وزارة الداخلية “غير مؤهلة” أو معنية بتقييم المحتوى على منصات التواصل.
وقال المحامي مرتضى الكناني “إن القوانين المتعلقة بالنشر والتي لا تزال معتمدة في العراق تغطي وسائل التواصل الاجتماعي كونها من (وسائل العلانية) التي تنظم القوانين السائدة عملها”.
وأشار إلى أن هذه القوانين طالما أثارت الجدل كونها مقيدة لحرية التعبير التي نص عليها الدستور.
ويرى الباحث الاجتماعي محمد شاكر أن “وصف المحتوى الهابط يمكن أن يشمل أنواعًا كثيرة من المحتوى الموجود على مواقع التواصل”، مضيفًا “من دون تعريف محدد للمحتوى الذي تعمل وزارة الداخلية على محاربته لا يمكن إلا أن نشعر بالقلق من هذه الخطوة”.
وأضاف أن “القوانين هي واحدة فقط من عدة آليات للتغيير الاجتماعي يجب أن تعمل سوية، والآليات الأخرى المطلوبة هي تعزيز التعليم وحملات التثقيف والتوعية”.

الحكومة تلاحق الناشطين والمتظاهرين وتغض الطرف عن صناع المحتوى الهابط

بدوره يرى رئيس منظمة الدفاع عن حرية الصحافة، مصطفى ناصر وجود مساع منذ “أكثر من عقد لبناء حقبة دكتاتورية جديدة سمتها التغييب والسجون”.
وأشار إلى قضية المدون حيدر الزيدي، الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بعد إدانته بـ”إهانة مؤسسات الدولة”، على خلفية تغريدات انتقد فيها ميليشيا الحشد الشعبي.
ويتفق الكثير من الناشطين مع ما ذهب إليه ناصر بأن يكون القرار كما كل القوانين الأخرى في العراق سيفًا ذا حدين، فلا يكتفى بمحاسبة المسيئين فعلًا، بل تشمل المحاسبة أيضًا أصحاب الرأي الحر الذين ينتقدون الأوضاع والفساد والمحسوبية في البلاد.
ويشير الناشطون إلى اعتقال نحو عشرة أشخاص وجهت إليهم تهم مختلفة، على خلفية منشورات مصورة أو مكتوبة لهم على منصات التواصل الاجتماعي، منذ تشرين الأول الماضي، وأبرزهم المدون حيدر الزيدي.
في المقابل هناك حالات أخرى خرقت قيم وعادات المجتمع العراقي كما حدث في الأيام الماضية، حين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بالتعليقات الغاضبة إثر تداول مقطع مصور لعارضة أزياء، أثناء إجرائها جلسة تصوير في مقبرة بالعاصمة بغداد دون أن تبادر الحكومة لاعتقالها حتى اللحظة.
وقال مغردون إن الجلسة التي أجرتها هذه الـ “فاشنيستا” في مقبرة الشيخ معروف ببغداد تعد انتهاكًا لحرمة الأموات، وظاهرة خطيرة تشير إلى استهتار بعض العارضات في العراق.
وطالب البعض أن تحاسب العارضة ومن معها وفق المادة 373 من قانون العقوبات، التي تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين من انتهك أو دنس حرمة قبر أو مقبرة أو نصبًا لميت أو هدم أو أتلف أو شوّه عمدًا شيئًا من ذلك.
وأطلق مدونون وناشطون حملات لمقاطعة هذا النوع من المحتوى تحت مسميات عدة من بينها حملة “تصحيح”، مؤكدين على أن “صناع المحتوى الرقمي الهابط” يتسببون بانتهاك معايير المجتمع الأخلاقية وذلك عبر محتوى هابط ومخل بالأداب والذوق العام ونشر “التفاهة”.
وقال المدون رائد الزبيدي، وهو عضو في حملة تصحيح أن “المحتوى الهابط أصبح منتشرًا بشكل كبير في مواقع التواصل العراقية، وهو يصنع من قبل أشخاص يبحثون عن المشاهدات والإعجابات التي تترجم إلى أموال إعلانات واموال تدفع من قبل مواقع التواصل للمشاهير”.
وأوضح إن الحملة تهدف إلى حرمان هؤلاء من موردهم المالي من خلال مقاطعة محتواهم.
وأشاد مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية، بالحملات التي أطلقها الصحفيون والإعلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الصفحات والمواقع ذات المحتويات الهابطة.
وذكر المركز في بيان أن “التصدي لأصحاب المحتويات الهابطة باتت مسؤولية جماعية مشتركة يتحملها الجميع وأن أي تقاعس أو تساهل سيسهم بمزيد من الانتشار لهذه الصفحات”.
ويرى الباحث الاجتماعي والتربوي، فالح القريشي، أن “بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت سببًا رئيسًا في انتشار الكثير من الحالات الدخيلة على المجتمع العراقي مثل الفساد الأخلاقي وحتى حالات الانتحار، بسبب ابتزاز بعض الفتيات عبر هذه المواقع بسبب سوء استخدامها”.
وشدد على ضرورة متابعة الجهات المختصة لما ينشر من محتويات تسيء لسمعة العراق والعراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه المحتويات تدفع الكثير إلى الانحراف الأخلاقي بمختلف مستوياته، ولهذا يجب منع تلك المحتويات من الانتشار لمنع انتشار الفساد في المجتمع بشكل أكبر وأخطر.
وأضاف القريشي أنه “من الضروري أن تكون هناك قوانين خاصة بشأن كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفق ضوابط محددة ومعلنة”.

الميليشيات تشن حملات تسقيط وشيطنة لمناهضيها عبر الجيوش الإلكترونية

وتستغل الأحزاب وميليشياتها فوضى النشر والتراخي الحكومي، عبر الاعتماد على ما يعرف بالجيوش الإلكترونية والصفحات الوهمية التي تتخذ من أسماء الفتيات بالعادة ستارًا للتغطية على نشاطاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، لبث الأخبار المضللة وخطاب الكراهية والتحريض الطائفي، فضلًا عن نشر المحتوى الهابط.
وعلى الرغم من أن متابعة ما يصدر عن الحسابات الوهمية والجيوش الإلكترونية، يقع على عاتق ما يعرف بـ “جهاز الأمن الوطني” الذي يعمل بالتنسيق مع هيئة الإعلام والاتصالات كما يفترض، إلا أن هذا الجهاز لا يقترب من الصفحات الحزبية وتلك المعروفة بارتباطها بالمليشيات ويكتفي بملاحقة الناشطين المناهضين للحكومة.
ورصد بيت الإعلام العراقي في تقرير له، تنامي ظاهرة الجيوش الإلكترونية وازدياد خطورتها لاسيما أن القائمين عليها لم يعودوا يجدون حرجًا في كشف خلفياتهم وداعميهم، إذ بدأت تساهم المئات من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي العام بآراء مغلوطة لا تخلو من الكراهية، ولم تقتصر على الميدان السياسي، بل طالت شخصيات عامة فضلًا عن الأفراد.
ويستند التقرير على متابعة ومراقبة أكثر من 200 صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي على مدى ثلاثة أشهر، أظهرت بشكل واضح كيف تدار هذه الصفحات وماذا تستهدف ومتى، وكيف لعبت أدوارًا سلبية في السلم والأمن المجتمعيين في البلاد من جهة، وساهمت في إقحام الجمهور في أزمات سياسية من جهة ثانية.
وكشف أن أموالًا طائلة تُصرف على المنشورات الممولة التي تحمل خطاب كراهية وأخبارًا وصورًا مفبركة، بعد مراقبة النطاق الزمني لتمويل منشورات معينة وحجم التفاعل معها، ومع حساب فترة تمويل منشورات التي وصل بعضها لأكثر من 15 يومًا وإحصاء التفاعلات التي جمعتها هذه المنشورات، فإن تمويل كل منشور يكلف أكثر من 500 دولار استنادًا إلى أجور وآليات الإعلان الموضحة من قبل شركة ميتا المالكة لموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى