السوداني يقترح على واشنطن تعليق الرقابة على تحويل الدولار لتسهيل تهريبه إلى إيران
مسؤول أمريكي: إجراءات الرقابة الجديدة ستحد من قدرة الجهات الخبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي.
بغداد- الرافدين
وصف مصرفي عراقي أدار سوق بغداد للأوراق المالية، تصريحات رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني بأن الرقابة على التحويلات المالية للمصارف العراقية تضر بالفقراء، مجرد ذر رماد في العيون، من أجل استمرار تهريب الدولار إلى إيران وسوريا وحزب الله اللبناني.
وقال المصرفي العراقي من مقر إقامته في العاصمة الأردنية عمان تعليقا على تصريح السوداني لصحيفة وول ستريت جورنال، بأن “تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي يضر بالفقراء ويهدد ميزانية حكومته لعام 2023”. بمثابة دفاع عن لصوص الدولة وشركات ومصارف الاحتيال التي يديرها مسؤولون في حكومة السوداني نفسه.
وأضاف المصرفي في تصريح لقناة “الرافدين” مفضلا عدم ذكر أسمه، ان القدر السياسي جعل العراق مرتهنا سياسيا لإيران واقتصاديا للولايات المتحدة، وذلك ما دمر العراق سياسيا واقتصاديا.
وقال أمريكيون إن بنك الاحتياطي الفيدرالي بدأ في تشرين الأول الماضي بفرض ضوابط أكثر صرامة على تعاملات البنوك التجارية العراقية بالدولار، في خطوة تهدف للحد من عمليات غسيل الأموال والوصول غير القانوني للدولار إلى إيران ودول أخرى تخضع لعقوبات مشددة في الشرق الأوسط.
وفرضت السلطات الأمريكية رقابة على التحويلات المالية من المصارف العراقية، للحيلولة دون صول الدولار الى إيران المحاصرة من قبل الولايات المتحدة وسوريا وحزب الله اللبناني.
وبموجب الإجراءات الجديدة، يتعين على البنوك العراقية استخدام منصة إلكترونية جديدة مرتبطة بالبنك المركزي العراقي من أجل تقديم طلب الحصول على الدولار، وبعدها يتم مراجعة الطلب من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن النظام الجديد يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولار إلى طهران ودمشق وملاذات غسيل الأموال في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتستحوذ مصارف وشركات تحويل أموال تابعة للأحزاب المرتبطة بإيران بسوق الصرف والتحويل، في مسعى لفك الحصار الأمريكي على إيران.
ويتم تحويل مبالغ طائلة من الدولار إلى إيران بتواطؤ حكومي وبصفقات احتيال خارج نظام (سويفت) الدولي.
وينبغي على المصارف العراقية حالياً تسجيل تحويلاتها بالدولار على منصة إلكترونية، تدقق الطلبات.
ويقوم الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بفحصها وإذا كانت لديه شكوك يقوم بتوقيف التحويل.
ورفض الاحتياطي الفدرالي منذ بدء تنفيذ القيود، 80 بالمائة من طلبات التحويلات المالية للمصارف العراقية، على خلفية شكوك متعلقة بالوجهة النهائية لتلك المبالغ الذي يجري تحويلها.
وقال السوداني في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال إن “هذا الأمر محرج وحاسم” بالنسبة له. مؤكدا إنه سيرسل وفدا إلى واشنطن الشهر المقبل مع اقتراح بتعليق تنفيذ الاجراءات الجديدة لمدة ستة أشهر.
وأيد بعض المسؤولين العراقيين تشديد الرقابة على البنوك العراقية الخاصة، ومنهم عضو لجنة النزاهة في البرلمان هادي السلامي الذي قال إن الأحزاب السياسية والميليشيات العراقية تسيطر على معظم البنوك، وتستخدمها لتهريب الدولار إلى دول الجوار.
وأضاف “نحن بحاجة إلى وقف هذا الأمر على الفور”.
غلا أن بعض رؤساء الأحزاب والميليشيات المرتبطين بإيران وجهوا انتقادات أكثر حدة للولايات المتحدة، ومنهم رئيس ميليشيا بدر هادي العامري الذي اتهم واشنطن “باستخدام العملة كسلاح لتجويع الناس”.
واعتبر العامري الذي كشفت الوثائق الرسمية والمراسلات ان مرتبطين بميليشيا بدر وراء سرقة القرن بالاستيلاء على 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة، أن الأمريكيين يستخدمون “الدولار كسلاح لتجويع الناس”.
ويقول رئيس مجلس إدارة مصرف الجنوب الإسلامي والمسؤول السابق بالبنك المركزي العراقي محمود داغر “إنه بموجب القواعد القديمة لم يكن العراقيين ملزمين بالإفصاح عن تفاصيل الجهة التي يتم إرسال الأموال إليها إلا بعد أن تتم عملية التحويل”.
وأضاف “على مدى 20 عاما، اتبعنا نفس النظام.. لكن سياسة الصدمة التي انتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي أحدثت أزمة داخل الاقتصاد العراقي”.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تعليقا على الحسابات التي يحتفظ بها لحكومات أجنبية، ومنها الحسابات العراقية، القول “لدينا نظام امتثال قوي لهذه الحسابات يتحدث بمرور الوقت استجابة للمعلومات الجديدة”.
وقال مسؤول أمريكي إن الإجراءات الجديدة ستحد من “قدرة الجهات الخبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي”.
وتشعر حكومة السوداني بالقلق إزاء فرض الولايات المتحدة ضوابط طويلة الأمد على التعاملات بالدولار بهدف وقف تدفق الأموال إلى إيران، في ظل تراجع اقتصاد البلاد وفقدان العملة المحلية نحو 10 في المئة من قيمتها.
ومنذ احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية عام 2003 عملت البنوك العراقية في ظل قواعد أقل صرامة، لكن بعد ما يقرب من عقدين من الزمان، يؤكد مسؤولون أمريكيون وعراقيون أن الوقت حان لجعل النظام المصرفي العراقي أكثر امتثالا للضوابط العالمية المتعلقة بتحويل الأموال.
ومنذ أن دخلت الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ، تم حظر أكثر من 250 مليون دولار يوميا، كان أغلبها يذهب إلى إيران والى حساب مسؤولين فاسدين في الحكومات المتعاقبة.
ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود معلومات كافية حول وجهة الأموال النهائية أو أخطاء أخرى، وفقا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين وبيانات رسمية حكومية.
وفي ظل ندرة الدولار، انخفضت قيمة العملة العراقية بما يصل إلى 10 في المئة، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة، بما في ذلك السلع الأساسية مثل البيض والدقيق وزيت الطهي.
ولتزويد العراق بالدولار، تقوم طائرات تابعة للقوات الجوية الأمريكية بتسليم كميات من الدولار إلى بغداد كل بضعة أشهر.
لكن معظم التدفقات من العملة الأمريكية تتدفق إلكترونيا من خلال التعاملات التي تجريها البنوك العراقية الخاصة، والتي تتم معالجتها عبر الحساب الرسمي للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي حيث يتم إيداع عائدات مبيعات النفط.
وقال البنك المركزي العراقي في بيان صدر في الخامس عشر من كانون الأول الماضي إن المنصة الإلكترونية الجديدة تتطلب توفير “تفاصيل كاملة عن العملاء الذين يريدون تحويل الأموال”، بما في ذلك المستفيدون النهائيون.
وأضاف البيان أنه “يتم اكتشاف عدد من الأخطاء مما يضطر البنوك لإعادة تنفيذ العملية.. ستستغرق هذه الإجراءات وقتا إضافيا قبل أن يتم قبولها وتمريرها من قبل النظام الدولي.”
ومنعت أربعة مصارف عراقية من الاشتراك في مزاد العملة الذي يشرف عليه البنك المركزي العراقي وهي “آسيا الإسلامي” و “الشرق الأوسط” و “الأنصاري الإسلامي” و “القابض الإسلامي”، وفقا لمسؤولين عراقيين ووثائق قضائية.
ويضغط المسؤولون الأمريكيون على العراق منذ سنوات لتشديد ضوابطه المصرفية. ففي عام 2015، أوقف الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة مؤقتا تدفق مليارات الدولارات إلى البنك المركزي العراقي بسبب مخاوف من احتمال وصولها للبنوك الإيرانية أو تحويلها لمتشددي تنظيم الدولة الإسلامية، حسبما قال مسؤولون في ذلك الوقت.
ويؤكد مصرفيون عراقيون وتجار عملة أن القواعد الجديدة تهدف لوقف تهريب الدولار. وكان المستوردون يزورون فواتير البضائع التي لا تصل أصلا إلى العراق، ولكن يتم دفع ثمنها بالدولار إلى جهات مجهولة خارج البلاد.
وقال صاحب محل صرافة في منطقة الكرادة ببغداد يدعى حمزة الصراف للصحيفة الأمريكية إن “الدولارات بالتأكيد تذهب إلى إيران وتركيا وسوريا واليمن ولبنان وأحيانا دبي”.
وبسبب طلبات الامتثال الجديدة ومنعهم من استخدام البنوك، اضطر المستوردون العراقيون إلى تأخير تقديم الطلبات أو إيجاد طرق أخرى للدفع للموردين مثل استخدام شبكات تحويل الأموال غير الرسمية المعروفة باسم الحوالة. وقال الصراف إن بعض التجار يقومون بتحميل الدولارات وشحنها خارج العراق في سيارات.