أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

مجلس القضاء الأعلى أضفى شرعية على نظام ودستور مسخ في العراق

القضاء كان على مدار عقدين، شريكا وفاعلا ومدافعا عن أكبر عملية سرقة لمفهوم الدولة العراقية في التاريخ.

بغداد- الرافدين
تحول “يوم القضاء” الذي يتم الاحتفال به منذ عام 2017 من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة، إلى مناسبة إدانة للقضاء منذ عام 2003. بوصفه شريكا ومنقذا لأحزاب فاسدة ولصوص دولة.
ويمثل مجلس القضاء الأعلى الذي تم تشكيله بموجب قرار الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر بعد الاحتلال، واجهة لتمرير قرارات غير شرعية والتواطؤ مع عمليات فساد كبرى وإفلات الجناة من العقاب. وتفسر فقرات القانون وفق مصالح الأحزاب والميليشيات المتحكمة بالسلطة.
ويعكس مجلس القضاء الأعلى صورة مشوهة للقضاء العراقي لم يمر بها منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث قام بتفسير القرارات وفق مصالح أصحاب النفوذ في الأحزاب الحاكمة.
ومع أن ديباجة مجلس القضاء تؤكد على استقلاله، إلا أن هذا الكلام لا يمثل إلا نفسه على الورق فمجلس القضاء الأعلى مجرد أداة قانونية لتمرير قرارات غير عادلة بحق العراقيين وتسويغ عمليات فساد كبرى في الاستيلاء على ثروة البلد منذ عام 2003، وإطلاق جناة ثبت بالدليل دورهم في تصفية وقتل العراقيين على الهوية.
وزعم رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، يوم الإثنين، بعدم خضوع القرارات القضائية لنفوذ السلطات أو المصالح السياسية.
وقال زيدان في كلمة له خلال الاحتفال بـ “يوم القضاء العراقي”، إن “القضاء المستقل أهم مؤشر على الدولة الرشيدة التي ينعم مواطنوها بالعدالة والاستقرار والرفاه، لأنه الضامن للحقوق والحريات”.
فيما أعلن رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، التزامه بدعم القضاء والعمل على استقلاله وبسط هيبته.
وتهكم خبراء قانون وقضاة رواد على تصريحات زيدان والسوداني، واصفين إياها بتعبيرات عاطفية مجردة من أي مسحة قضائية عادلة.
وأكد الخبراء على أن هيبة الدول تقاس بقضائها باعتباره الحصن الأخير قبل انهيار مفهوم الدولة، وتجارب العقدين الماضيين تؤكد أن القضاء في العراق كان شريكا وفاعلا ومدافعا عن أكبر عملية سرقة لمفهوم الدولة في التاريخ.
ولا يعول العراقيون على سلطة القضاء ويعدونه هامشا لعملية سياسية ودستور مسخ أنتج نظاما سياسيا فاشلا.
وكان خبير قانوني عراقي ترأس المعهد القضائي على مدار 12 سنة في ثمانينات القرن الماضي، قد عبر عن أسفه أن يكون القضاء في العراق هامشا لعبث سياسي وتنافس على الحصص بين قوى وأحزاب فاشلة.
وقال الخبير القضائي مفضلا عدم ذكر اسمه حفاظا على سلامته، في تصريح لقناة “الرافدين” “لم يحدث في تاريخ القضاء العراقي، هذا الانحدار في مستوى العدالة وعدم الإخلاص لجوهر القضاء، عندما تحول القضاء الى لاعب سياسي يتنافس بين المتصارعين على حصتهم في مغانم الدولة”.
وعبر عن أسفه بعد أن صار القضاء يداهن ويخضع وينافق الأحزاب السياسية وفقا لمصالح أنانية لا تمت بصلة لمفاهيم العدالة الوطنية العليا.
وسبق أن وصف أستاذ قانون متقاعد تصريحات فائق زيدان بشأن تعرضه للابتزاز وفشل النظام البرلماني في العملية السياسية، بأنها لا تبرؤ ذمته من إضفاء شرعية على عملية سياسية فاسدة.
وقال الأستاذ الذي درّس في كلية القانون بجامعة بغداد منذ سبعينات القرن الماضي، إلى حين تقاعده بداية التسعينات وانتقل للعمل في جامعات ليبية وأردنية وإماراتية، إن مجلس القضاء الأعلى ورؤساءه منذ عام 2003 شركاء في تشريع عملية سياسية غير قانونية ألحقت الضرر الفادح بتاريخ القضاء العراقي.
وأضاف الأستاذ الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس، مفضلا عدم الكشف عن هويته لأنه يعيش في بغداد “قد يتعامل العراقيون بنية سليمة مع تصريحات زيدان التي اعترف فيها بالفشل البرلماني ومطالبا بتعديل الدستور، إلا أن ذلك لا يمنع من كونه شريكا حقيقيا ومدافعا عن هذا الفشل”.
وتساءل “عن أي قضاء عادل يتحدث زيدان وهو يعترف بتعرضه للابتزاز من بعض الأحزاب، ألا يعني ذلك أن كل ما يقوم به مجلس القضاء الأعلى منذ عام 2003 هو إضفاء شرعية على نظام ودستور مسخ”.
وقال “أنا كرجل قانون أقدر لزيدان هذا الكلام بشأن فشل النظام البرلماني والتقسيم الطائفي الكامن في الدستور، لكنه لا يغير من حقيقة دوره، فكل انتقادات زيدان مجرد محاولة متأخرة لا أهمية لها من دون استقلال وإعادة بناء النظام القانوني في العراق”.
وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، قد وصف تجربة النظام البرلماني في العراق بالفاشلة.
وقال زيدان في حوار صحفي مكتوب إن “تجربة النظام البرلماني في العراق فاشلة بامتياز، والاحداث التي ترونها في العراق تؤكد ذلك”، مؤكداً على أنه “مع تغير النظام البرلماني الى نظام رئاسي وليس شبه رئاسي”.
واعترف بتعرضه للابتزاز عندما رشح رئيساً لمحكمة التمييز وتأخرت عملية التصويت سنة بسبب الابتزاز السياسي.
ويرى عراقيون أن القضاء بوصفه هامشا لعملية سياسية فاسدة منذ عام 2003، لم يجد غير أن يكرر حد الابتذال كلمات متشابهة في كل قضايا الفساد والقتل على الهوية من أجل استغفال الرأي العام والتهرب من تحقيق العدالة.

هيئة علماء المسلمين في العراق: منظومة القضاء تتغاضي عن مزاعم موثوقة عن وقوع التعذيب، وإصرار القضاة على إصدار أحكام تصل إلى الإعدام بحق متهمين، متجاهلين غياب أبسط مقومات المحاكمات العادلة.
وقالوا “أن القضاء لم يستطع منذ عام 2003 أن يقود أيا من كبار رؤوس الفساد الى المحاكمة العادلة، فكيف به أن يحقق العدالة”.
واتهموا مجلس القضاء الأعلى بأنه شريك فاعل ومتواطئ مع كبار رؤوس الفساد في الأحزاب والقوى والميليشيات المسيطرة على العملية السياسية.
وقال خبير قضائي عراقي مقيم في العاصمة الأردنية عمان، لا يمكن الوثوق بالقضاء العراقي عندما يتعلق الأمر بفساد وجرائم القادة السياسيين منذ عام 2003.
وتساءل الخبير القضائي في تصريح لقناة “الرافدين” مفضلا عدم ذكر اسمه بسبب حساسية وظيفته الدولية، عن حزمة الجرائم التي ارتكبها نوري المالكي من قبل، من إدارة الحرب على الهوية إلى التفريط بمدن عراقية، حتى هدر أكثر من مئتي مليار دولار من خزينة الدولة بعمليات فساد مكشوفة.
وأضاف أن سرقة القرن التي تم بموجبها الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة اختبار حقيقي للقضاء العراقي، عندما اصدر تحت ضغط الأحزاب والميليشيات قرارا بأخلاء سبيل السارق.
وقال “كلها جرائم كبرى كان على القضاء العراقي أن يقوم بدوره التاريخي المشرف ومحاسبة المالكي وبقية لصوص الدولة، لكن ذلك لم يحدث”.
وشدد الخبير القضائي العراقي الذي أصدر 12 مؤلفا في القانون الدولي باللغتين العربية والانجليزية، على إن القضاء يمثل أخر حصن لمفهوم الدولة، وهناك دولة منهارة في العراق واقعة تحت سطوة اللادولة، بما فيها القضاء.
في غضون ذلك سلط التقرير السنوي لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق لعام 2022، الضوء على انهيار منظومة القضاء في العراق وافلات الجناة من العقاب.
وذكر التقرير أنه ما يزال العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي يتذيل قائمة الدول في قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وما تزال الحكومات المتعاقبة متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولين عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون والاعتقالات التعسفية التي تستهدف معارضي ومنتقدي الأحزاب المتنفذة والميليشيات المتحالفة معها، مع انتشار التعذيب الممنهج في كافة السجون الحكومية المعلنة لإجبار المعتقلين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبونها، وسط استمرار تغاضي منظومة القضاء لمزاعم موثوقة عن وقوع التعذيب، وإصرار القضاة على إصدار أحكام تصل إلى الإعدام بحق متهمين، متجاهلين غياب أبسط مقومات المحاكمات العادلة، بالتزامن مع سكوت هذه المنظومة عن قضايا الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب، وما يرافقها من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية، الأمر الذي يجعل العراق متصدرًا القائمة السوداء لمؤشر الإفلات من العقاب العالمي، ومن البلدان الأكثر خطرًا والأكثر فسادًا في العالم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى