أخبار الرافدين
كرم نعمة

مازال ضمير الغرب مفقودا حيال شعوب إيران

هل جاءت العقوبات الأوروبية على إيران متأخرة؟ يبدو لي أن الأهم من البحث عن إجابة لهذا السؤال البحث عن ضمير الغرب المفقود حيال معاناة الشعوب الإيرانية.
مهما يكن من أمر وصلنا نقطة في منتصف الطريق حيال نظرة الغرب إلى النظام الثيوقراطي المتخلف في إيران، بعد فرض بروكسل ولندن حزمة جديدة من العقوبات بحق مسؤولين وكيانات إيرانية.
فقد أدرج الاتحاد الأوروبي أسماء 37 شخصية وكيانا إيرانيين، بما يشمل قادة من الحرس الثوري ووحدات عسكرية تابعة له، على قائمته للعقوبات على خلفية ارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان.
من جهتها، فرضت بريطانيا عقوبات على خمسة أشخاص وكيانين، ليرتفع بذلك الى 50 عدد الأشخاص والكيانات الإيرانيين الذين أدرجتهم على قائمتها السوداء، بما يشمل تجميد أصول ومنع سفر.
ومقابل سؤال من يثق بملالي إيران التي تقترب من نقطة الغليان؟ كانت تأتي إجابة غربية مواربة قبل فرض العقوبات الأخيرة، في محاولة استبعاد الواقع. لكن ليس بمقدور الحكومات الأوروبية المتواطئة مع السلطة في طهران، أن تلغي هذا الواقع المرير القائم منذ عام 1979 في بلد يرفض أن ينضج فيه اتباع الخميني.
دعك من كل التصريحات شديدة اللهجة، كان آخرها تصريح رئيسة الحكومة الإيطالية جورجا ملوني المحمل بالتحذير بأن ما يحدث في إيران غير مقبول وإيطاليا لم تعد قادرة على التغاضي عنه. ثم التصريحات البريطانية بعد إعدام المواطن البريطاني – الإيراني علي رضا أكبري.
ذلك “غير المقبول” بمثابة مهادنة لا تختلف كثيرا عن توجهات الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما أراد أن يجعل من إيران حامية للسلام في الإقليم بالعودة الى الاتفاق النووي الذي ألغاه سلفه دونالد ترامب.
قبلها أخبرت الحكومة البريطانية الأمم المتحدة أن “المملكة المتحدة تقف إلى جانب شعب إيران”. لكن الداخل الإيراني المحتج لم يشعر بذلك، كما أن أولئك الذين أجبروا على الفرار للنجاة بحياتهم لم يشهدوا بعد هذا التضامن.
فتوقع استقرار العلاقات مع إيران في ظل إدارة أمريكية عازمة على العودة إلى الاتفاق النووي، وبرغماتية سياسية أوروبية ترى أن من مصلحتها إعادة الاتفاق، ثبت أنه خاطئ بمجرد قياس درجة الغليان الشعبي وسماع أصوات الشعوب الإيرانية المتصاعدة في الميادين والطرقات، التواقة للحرية.
فلماذا يخذل الغرب مرة أخرى الإيرانيين، ولا يقف معهم بضمير إنساني، في أقل اعتبار، لاستعادة بلدهم من الزمرة الثيوقراطية المتخلفة؟
قد تكون ديمقراطيات العالم الغربي مرتبكة، لكنها تبدو أفضل بكثير من حوادث لعبة اصطدام السيارات التي كانت الأنظمة الأوتوقراطية تلعب بها، واستمرت نفس اللعبة مع نظام الملالي عندما غيرت قواعدها ووضعتها بيد الميليشيات العابرة للحدود لتهدد مصالح الغرب قبل مصالح دول الاقليم.
هناك أمل مستمر ومتصاعد في إيران، ومع أنه لا يعول على الموقف الغربي المنافق بما يتعلق بمفاهيم الحرية. لكن “الغرب الديمقراطي” بحاجة لاستعادة ضميره المفقود عندما يتعلق الأمر بحرية الإيرانيين المخطوفة.
فقد ثبت مرة أخرى أن جوقة الأصوات المعتادة التي لا تتوقع الانهيار الوشيك في إيران خاطئة، وليس كما كان الحال عندما تصبح القوة المهيمنة مرهقة، تتدخل قوى أخرى منتفعة من النظام لتدعمه، كما فعلت الولايات المتحدة لمصلحة نظام خامئني في محاولات إعادة الاتفاق النووي.
فقد حان الوقت كي يظهر العالم الغربي أنه يهتم حقاً بالإيرانيين. مع كل المؤشرات التي تفيد أن السلطة في إيران تعيش بخوف من الاقتراب من مرحلة الانهيار.
هناك أمل جسدته الناشطة والمعارضة الإيرانية نسرين بارفيز في مقال بصحيفة التايمز البريطانية. عندما عبّرت عن شعورها بأمل أكبر لإيران أكثر من أي وقت مضى خلال الأربعين عاما الماضية، فقد اعتقد النظام أن القوة الغاشمة ستسحق الاحتجاجات التي تضاعفت منذ مقتل مهسا أميني في أيلول، لكن بدلا من التراجع، انضم أشخاص من جميع فئات المجتمع إلى النساء الإيرانيات المتظاهرات.
فإذا كانت الحكومة البريطانية جادة في دعم الانتفاضة الإيرانية، فعليها وفق بارفيز، قمع أنشطة نظام طهران في بريطانيا وإعادة الدبلوماسيين الإيرانيين إلى بلادهم. لكن الأهم من ذلك أن تعامل الإيرانيين الفارين للنجاة بحياتهم برأفة وأن تدعمهم لإعادة بناء حياتهم في هذا البلد.
بينما يرى الكاتب السياسي في صحيفة “وول ستريت جورنال”، والتر راسل ميد. ما وصفهم بـ “البايدنيين” الذين يهنئون بعضهم ويزعمون أن “الدبلوماسية عادت!” يحتاجون إلى فهم إيران أكثر.
على مستوى آخر يرجح الباحث المرشح لنيل دكتوراه دولة في العلاقات الدولية بجامعة بلغراد ستيفان يوييتش، أن يتجرأ الإيرانيون على استفزاز واشنطن، اعتماداً على ترددها في الوقوف ضدهم.
وبعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الدموية في المدن الإيرانية، لا أحد يرى أن نظام الملالي يتحلى بالمرونة مع شعبه ولم يقدم أي تنازلات ذات مغزى.
وكل الذي يحصل من عمليات التضليل التي يمارسها النظام في طهران تهدف إلى صرف انتباه الإيرانيين عن الدعوات للاحتجاج أو لإثارة الانقسامات والشكوك بين النشطاء، وهذا لا يغير كراهية الناس للنظام.
في النهاية لا أحد يخون الشعب الإيراني مثل الإعلام الغربي إلا الرئيس الأميركي جو بايدن. فيما يتعلق بأحد التحديات المركزية للسياسة الخارجية الأمريكية في عصرنا، لا يستطيع الرئيس بايدن تغيير الحقائق بشأن إيران المارقة.
ولا توجد عدالة في نظر الغرب إلى إيران بنفس ما يتم به تسويق فكرة ملتبسة وغير مؤكدة عما يجري في دول أخرى. لكن لا أحد يجيب عن سؤال لماذا يتم معاملة إيران بطريقة لم تحصل أبدا مع أنظمة مارقة أقل منها خطرا على السلم الدولي؟
لسوء حظ المنطقة، لا نجد نزعة صارمة من قادة الدول العربية المتضررة من إيران لحد الآن، فهي تكتفي بالمطالبة والمهادنة من دون أي ضغط يذكر على إرغام إيران لتغيير سياستها. ذلك يبدو لي سببا يجعل الغرب مستمرا في خيانة الشعب الإيراني عندما لا يلمس أي فعل ضاغط من الدول المتضررة من إيران.
هناك نسختان من إيران وفق تعبير حسين روناغي، السجين السابق والمدون الإعلامي اليوم. فهو أحد الشهود الأحياء الذي عاش التعذيب في سجون النظام، ويشعر بالخذلان العالمي بعد أن شهدت إيران خمس انتفاضات محلية ضد النظام في السنوات الأربع الماضية رفع فيها الإيرانيون شعار “الموت لخامنئي” بدلا من شعار “مرك بر أمريكا” (الموت لأمريكا)، ومع ذلك، فإن معظم الناس في الغرب، حتى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم على دراية بإيران، لا يعرفون الواقع الإيراني، لأن التغطية الإعلامية الأجنبية تتجاهله باستمرار أو تُنكره.
واحدة من أكثر الصور عن إيران الحقيقية سبق وأن رسمتها الكاتبة آذر نفيسي في سردها العميق للواقع السياسي المتخلف في كتاب “أن تقرأ لوليتا في طهران”، فعالم الإيرانيين تحت حكم الملالي قد تشكّل وفقًا لمنظور العدسات عديمة اللون لذلك الرقيب الأعمى. وتكتب نفيسي “ليس واقعنا فحسب؛ وإنما خيالنا أيضا، فتزامن ابتكارنا لأنفسنا مع ابتكار شخص آخر لنا حتى صرنا نموذجا مزيّفا من صنع خياله، فهذا بلد يؤول كل إيماءة تأويلا سياسيا أيا كانت تلك الإيماءة خاصة أو شخصية، فهم يجدون بأن ألوان غطاء رأسي وربطة عنق أبي رموزا للانحلال الغربي وللنزعة الإمبريالية”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى