أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

السوداني فتح الطريق لهروب لصوص سرقة القرن

قاضي محكمة تحقيق الكرخ ضياء جعفر يتذرع باستعادة مبالغ ضئيلة من سراق المال العام، لتبرير تواطؤ القضاء مع هروب لصوص الدولة.

بغداد- الرافدين

وصفت مصادر أمنية عراقية هروب أقطاب لصوص سرقة القرن الذين استولوا على 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب إلى خارج العراق، بأنه لم يكن هروبًا بقدر ما كان تسهيل خروج لهم من قبل حكومة محمد شياع السوداني.
وأكدت المصادر أن المتهم الأول في واحدة من أكبر عمليات سرقة أموال الدولة نور زهير، سافر خارج العراق بتدبير من أحزاب وميليشيات مسلَّحة متورطة بعملية السرقة.
وكان القضاء وبالتواطؤ مع قادة أحزاب في الإطار التنسيقي قد أطلق سراح نور زهير بكفالة، نهاية تشرين الثاني الماضي، بعد أن “أبدى استعداده لتسليم المبالغ المالية المترتبة بذمّة شركاته وإجراء التسوية المالية البالغة أكثر من تريليون و600 مليار دينار خلال فترة زمنية محددة”.
وأطلق سراح المتهم الآخر بالسرقة رئيس اللجنة المالية في البرلمان ومستشار رئيس الوزراء السابق هيثم الجبوري، بعد أن قام بتسديد 9 مليارات دينار من أصل 17 مليارًا.
كما أطلق القضاء سراح كبار المتورطين في القضية بعد عرض إعلامي ساذج بذريعة إعادة جزء من الأموال المسروقة، الأمر الذي يكشف عدم جدية الإجراءات الحكومية والقضائية في محاسبة المتورطين.
ويشير خبراء إلى أن ما عُرفت بسرقة القرن كان لها تبعات أثرت على حركة السيولة والحوالات، ودفعت بزيادة في أسعار صرف الدولار في الأسواق العراقية.
وتتهم قوى شعبية عراقية القضاء بالمشاركة في عملية السرقة سواء بالتراخي وعدم الجدية في محاكمة اللصوص، أو عبر إطلاق سراحهم بذرائع مثيرة للتهكم.
ويأتي التهكم الشعبي العراقي في دولة تتصدر المراتب العليا الأكثر فساد في العالم مع تحذيرات الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت من أن سرقة القرن في العراق لن تكون الأخيرة. في إشارة إلى ضلوع رجال أعمال ومسؤولين ومصارف في سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب في البلاد.
ولا تخلو التقارير الإعلامية الدولية، من اسم العراق الذي يتصدر النشرات الإخبارية بوصفه البلد الأكثر فسادًا.
ويُصنف العراق ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم، إذ احتل المرتبة 157 عالميًا ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية.
وقالت بلاسخارت في رسالة لمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفساد، أن “الفساد المستشري والممنهج يعتبر أحد أكبر التحديات التي تواجه العراق”، مشيرة إلى أن تكلفته الاقتصادية وتأثيره السلبي على الاستقرار والازدهار هائلان إذ أنه يقوض التقدم، ويحرم المواطنين من حقوقهم، ويثبط الاستثمار الدولي، ويسلب من الدولة الموارد اللازمة لتزويد مواطنيها بمدارس ومستشفيات وطرق أفضل، وخدمات عامة أخرى لا حصر لها.
وكشف قاضي محكمة تحقيق الكرخ، القاضي الأول ضياء جعفر، عن إعادة المتهم الرئيسي في قضية سرقة القرن، نور زهير نحو 300 مليون دولار من أصل 2.5 مليار دولار.
وأثار تصريح جعفر سخرية واستغراب قطاعات شعبية واسعة من ضآلة المبلغ المتواضع الذي جرت استعادته في مقابل قيام السلطات بإطلاق سراح السارق.
وبشأن الكتاب الرسمي الصادر عن القضاء قبل أيام، وتضمَّن رفع الحجز عن أملاك السارق نور زهير ذكر جعفر أنه “واضح ويشير إلى قيام المتهم بتسديد مبالغ مالية أُودعت في خزينة الدولة، وعلى إثرها رُفع الحجز عن العقار أو عن الشركة الذي سدَّد مبلغها بشكل كامل لخزينة الدولة”.
وأضاف أن “التحقيقات في قضية سرقة القرن مستمرة، وهناك صعوبة بشأنها؛ كون أغلب الأطراف التي ارتكبت الجريمة خارج العراق، وهذه إحدى العقبات التي تواجهنا، لكننا سنجد المخرج لملاحقتهم بشكل أصولي وإعادة الأموال المهرَّبة كافة”.
وشكك عراقيون بمصداقية رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني بعد انتهاء مهلة الأسبوعين التي حددها للمتهم الأول فيما عُرف بسرقة القرن نور زهير، بشأن إرجاع المبالغ المنهوبة المقدرة بـ 2.5 مليار دولار، من دون أن يتحقق أي شيء لغاية الآن، الأمر الذي يكشف تمييع القضية مع مرور الوقت.
ووفقًا لما تم استرداده من الأموال المسروقة، التي لا تتعدى ما نسبته 3 بالمائة من مجموع المبالغ، فإنه لا توجد حتى الآن أي مؤشرات على إمكانية إعادة باقي الأموال، خصوصا بعد سفر المتورطين بالسرقة إلى خارج العراق.
ويؤكد مراقبون، بأن التحقيق سيُستخدم كأداة لتصفية الحسابات، وأن نظامًا يسوده الفساد وتطغى عليه المصالح الخاصة، من الطبيعي أن يتعطل فيه التحقيق.
وسبق أن كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن سرقة القرن التي استولت على 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق أدارتها ميليشيا بدر التي يرأسها هادي العامري القيادي في الإطار التنسيقي الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني.
وذكرت الصحيفة في تقرير موسع كتبته الصحفية المقيمة في بغداد سيمونا فولتين، أن رئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي غض النظر عن السرقة مع البنك الذي أجاز السحوبات، وهيئة النزاهة والبنك المركزي، عبر وثائق مسربة تعود إلى عام 2021 تجاهل فيها التدقيق المالي.
وعلق مدير مشروع مبادرة العراق في “تشاتام هاوس” ريناد منصور بالقول، “ينجح الفاسدون والأقوياء باستخدام سلطتهم لاستهداف الفئات الأضعف، غالبًا ما تُستخدم آليات مكافحة الفساد أداة للتصفية السياسية”.
وذكر المحلل السياسي، سجاد جياد، أنه “من المتوقع أن تطير بعض الرؤوس من البنوك، وبعد ذلك ستُنسى القضية بهدوء، على الأرجح هذا ما تخطط إليه النخبة السياسية التي يبدو أنها عادت إلى ممارساتها القديمة وسالف عهدها”.
وترى ريا جلبي مراسلة صحيفة فايننشال تايمز في بيروت، أن السوداني، قد يواجه صعوبةً في محاسبة كبار أعضاء المؤسسة السياسية، مشيرة إلى أن “مسؤولية هذه الفضيحة تقع على عاتق من هم في أعلى هرم السلطة، ويتورط فيها الكثير من اللاعبين رفيعي المستوى، بمن فيهم وزراء حاليون وسابقون وموظفو الخدمة المدنية ورجال الأعمال”.
وذكرت، أن “الفساد المستشري في العراق أدى إلى تآكل مؤسسات الدولة في ظل حكم الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والتي ساهمت في ترسيخ نظام المحاصصة بين الأحزاب المتنافسة على المناصب الحكومية العليا وتغذية المحسوبية داخل الوزارات”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى