أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل نجحت أمريكا في استدراج ألمانيا؟

بدا المشهد مرتبكًا ومليئًا بالمتناقضات. أحد جوانب المشهد بدت معبرة بعفوية، حين سأل صحفي أمريكي رئيسه بايدن فور إعلانه قرار إرسال دبابات أبرامز لأوكرانيا: هل أجبرتكم ألمانيا على اتخاذ هذا القرار؟ كان الصحفي مندهشًا.
ذلك أن بايدن سبق أن رفض إرسال تلك الدبابات لأوكرانيا، وتبارى بعدها مسؤولون من البنتاغون وخبراء عسكريون أمريكيون في ذكر الأسباب الفنية لعدم إرسال تلك الدبابات لأوكرانيا، وإذا ببايدن يتخذ قرارًا بإرسالها بعد أن أعلنت ألمانيا أنها لن تصرح للدول التي استوردت دبابات ليوبارد، بإعادة تصديرها لأوكرانيا إلا إذا أعلنت الولايات المتحدة إرسال دبابات ابرامز إلى أوكرانيا.
وفي الجانب الآخر، بدا التناقض شديد الوضوح أيضًا. فالمستشار الألماني أولاف شولتس الذي قد أعلن موقفًا قاطعًا بعدم التدخل العسكري في الحرب الأوكرانية، إذ قال نحن لسنا جزءًا من الصراع العسكري ولن نكون. قاوم هو وإدارته كل الضغوط التي تعرضت لها بلاده لإرسال تلك الدبابات، ورفض. هو نفسه من وافق على إرسال الدبابات التي تنقل الحرب في أوكرانيا نقلة خطرة، إذ تهدد بالانزلاق نحو حرب مباشرة بين روسيا والناتو.
لقد تعرضت ألمانيا لضغوط شديدة، وصلت حد إعلان بولندا عن عزمها إمداد أوكرانيا بالدبابات الألمانية دون الحصول على موافقة برلين، كما واجهت ألمانيا ضغوطًا وصلت حد الحديث عن تشكيل تحالف بين الدول الـ14 التي استوردت تلك الدبابات، بما يضعف قدرة ألمانيا على الاعتراض على إعادة تصديرها لأوكرانيا.
كما لم تلتفت ألمانيا للابتزاز الإستراتيجي البريطاني في الإعلان عن إرسال دبابات تشالنجر لأوكرانيا، بما يهدد ألمانيا بإضعاف نفوذها ودورها في أوروبا.
كان المشهد ملبدًا وكان ينذر بتشقق في مواقف حلف الناتو، حتى أعلن بايدن تغيير موقفه والموافقة على إرسال دبابات أبرامز لأوكرانيا، وفعل شولتس الأمر نفسه وأعلن عن إرسال ليوبارد، لأوكرانيا. وهو ما طرح علامات استفهام كبيرة.
هل تمكنت الولايات المتحدة من استدراج ألمانيا إلى فخ القيام بالتصعيد الأخطر في الحرب؟ أم إن ألمانيا هي من حققت أهدافها حيث بدت ندًا لأمريكا في ادارة القرار الغربي وظهرت كمن يفرض شروطًا عليها لا تستطيع سوى تنفيذها؟
ومن الأصل، لماذا أصرت ألمانيا ألا ترسل دباباتها إلى أوكرانيا، إلا إذا أرسلت أمريكا دبابتها الأشهر؟
وماذا بعد أن قررت أمريكا وألمانيا وبريطانيا إرسال تلك الدبابات الثقيلة لأوكرانيا؟ هل تنزلق الحرب الأوكرانية إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو؟
تصريحات السفير الروسي في ألمانيا سيرجي نيتشايف، كشفت جانبًا مهمًا من أسباب تردد أو مناورة ألمانيا. عندما قال إن استخدام أي قذيفة من دبابات ألمانية تحتوي على اليورانيوم المنضب، يعنى استخدام قنبلة قذرة نووية ضد روسيا وهو تحذير روسي برد نووي، لذلك امتنعت وترددت ألمانيا والأغلب أنها لم توافق على تصدير تلك الدبابات إلا بعد الحصول على تعهدات أمريكية بتشكيل مظلة نووية لحماية ألمانيا، تلعب هي دورًا في قرار تفعيلها.
أما لماذا تراجعت أمريكا عن موقفها الرافض لإرسال دباباتها، ثم قبلت تحت الضغط الألماني، فذلك لأنها لم يكن أمامها إلا أن تغيير موقفها، حتى لا تفتح فجوة خلافية في العلاقات الأمريكية الألمانية داخل الناتو، لن تكون إلا لمصلحة روسيا، وهو خلاف، كان سيهز معنويات الجيش الأوكراني الذي يتعرض في هذا التوقيت لهجوم روسي كبير.
وفي دلالات الموقف الألماني، يمكن القول أيضًا، إن ألمانيا أرادت الحصول على غطاء إستراتيجي غربي لموقفها الذي ستستثمره روسيا أكبر استثمار، إذ هي المرة الأولى التي تصل فيها دبابات ألمانية إلى حدود روسيا منذ الحرب العالمية الثانية. ما يعني أن روسيا ستجد في ذلك فرصة كبيرة لحشد الرأي العام الروسي ضد ألمانيا عبر إعادة إحياء ذكريات الحرب النازية وجرائم هتلر ضد الشعب الروسي. ولأن روسيا ستضيف ألمانيا إلى موقع العداء الشامل، كما هو حال أمريكا وبريطانيا.
لكن للموقف الألماني جوانب أخرى. فألمانيا وإن كانت ترى في زيادة مساهمتها في الحرب الأوكرانية، فرصة لترجمة ما أعلنته عن تحول جيشها بعد تطويره إلى جيش قادر على حماية أوروبا، إلا أنها رأت ضرورة توخي الحذر حتى لا تقع في الفخ الأمريكي. ألمانيا تدرك أبعاد الخطة الإستراتيجية الأمريكية التي تستهدف إنهاك أوروبا وروسيا في صراع حربي- دفعت هي وبريطانيا لإشعاله، وتفهم جيدًا، أن الولايات المتحدة تدفع لتصدر ألمانيا مشهد المواجهة مع روسيا لتتراجع هي خطوة للوراء، ثم تدير الطرفين الأوروبي والألماني بشكل خاص، مع الروس، وفق مبدأ الاحتواء المزدوج.
ويمكن القول إن ألمانيا أرادت أن تحصل على قدر من الإسهام في اتخاذ القرار الإستراتيجي بشأن مسار الصراع الأوكراني على حساب الدور الأمريكي، إذ الدول التي لا تساهم في ادارة الحروب لا فرصة لها في تحديد الترتيبات التي تليها.
المانيا، في النهاية، كسبت الكثير من قرار إرسال دباباتها، إذ نالت الاعتراف بأنها صارت ندًا للولايات المتحدة على صعيد صناعاتها التسليحية وقرارات إدارة الصراع في أوروبا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى