أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

غسيل الأموال يخنق رئة بغداد بإزالة البساتين وتشييد المجمعات التجارية

نيويورك تايمز: مشروع "العراق مول" المؤمل اكتماله العام المقبل في بغداد يكشف كمية غسيل الأموال الهائلة التي استثمرت فيه.

بغداد- الرافدين
كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن لصوص الدولة في العراق يقومون بغسيل الأموال التي استولوا عليها ببناء مجمعات سكنية وأسواق، مؤكدة على أن الاستثمار العقاري في بغداد بات أداة رئيسية لغسيل الأموال في العراق.
ويكشف الاستثمار العقاري كمية غسيل الأموال بعد اكتشاف سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة العامة في عملية احتيال عرفت باسم سرقة القرن.
وقال رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، إن جزءا كبيرا من الأموال المسروقة من الضريبة تم تحويله إلى مشاريع عقارية في بغداد.
وفي بلد يحتلّ المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن “مدركات الفساد”، فأن قضية ارتفاع أسعار العقارات في بغداد مرتبطة بغسل الأموال، كما يعترف بسهولة المسؤولون.
ويشرح المحلّل الاقتصادي العراقي على الراوي بأن “المشكلة بالسوق العقارية هي أن التعامل يكون نقداً” وبالتالي يسهل “إخفاء الأموال بأراضٍ وبنايات”. ويرفع ذلك من “السيولة في السوق… وبالتالي الأسعار ترتفع”.
وعند بيع هذه العقارات، يتمّ الأمر “بعقود رسمية وبيان وعقد بيع وشراء، الموضوع يكون رسمياً”، وبالتالي “تبييض الأموال” عبر ذلك، يكون “سهلاً جداً”.
وفي تقرير لمركز “ذي سنتشوري فاوندشن” للأبحاث، يشير الباحث العراقي سجاد جياد إلى أن “أكثر من مليار دولار” من أموال الضرائب المسروقة البالغة 2.5 مليار، “استثمرت في 55 عقاراً في بغداد، ومليار دولار أخرى وزعت بين ممتلكات، وأراضٍ، وأصول أخرى”.
وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه في حين أن بعض عمليات إزالة المساحات الخضراء غير قانونية أو حصلت على تصاريح بناء احتيالية، فقد تم تنفيذ المشاريع الكبرى التي أدت إلى تدمير آلاف الهكتارات من البساتين بموافقة السلطات الحكومية.
وقالت آنا سواف، مديرة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في بغداد، إن بعض المساحات الخضراء التي تختفي تُعزا إلى قانون الاستثمار لعام 2006 الذي شجع على خصخصة الأراضي المملوكة للحكومة لبناء مراكز تسوق ومجتمعات سكنية بمحاطة بأسوار.
وأضافت إن الحدائق التي تم بناؤها غالبا ما تقتصر على السكان أو أولئك الذين يمكنهم دفع رسوم الدخول.
ويكشف بناء مشروع “العراق مول” المؤمل اكتماله العام المقبل في بغداد عن كمية غسيل الأموال الهائلة التي استثمرت فيه.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير مطول ان ثمن بناء مركز التسوق “العراق مول” الذي يعد الأكبر في المنطقة، هو غسيل الأموال المسروقة من الدولة وخنق رئة بغداد عبر إزالة بساتين ومساحات خضراء.
وقال غيث قاسم رئيس بنك نور العراقي الإسلامي، الذي يمتلك 37 في المئة من شركة جوهرة دجلة الاستثمارية للمركز، إن مجموعته حصلت على ترخيص من هيئة الاستثمار في بغداد للبناء على أرض كانت مملوكة للدولة.
وأضاف “الأراضي الزراعية ماتت الآن… الكثافة السكانية في بغداد الآن مرتفعة للغاية، وأنت ترى بغداد تتوسع وتحولت العديد من الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية أو تجارية”.
ويشير الموقع الرسمي للمشروع إلى أن المول هو من المواقع المميزة على نهر دجلة ويعد من أضخم المشاريع التجارية في العراق.

الشيخ أحمد سالم الجبوري: أرضي وجودي وشرفي، كيف يبيع المرء شرفه؟
وعبر الشارع من موقع بناء “العراق مول”، حيث كانت بساتين النخيل قبل بضع سنوات فقط، توقف البناء في مركز تسوق آخر أصغر، وهو مشهد مألوف في بغداد، حيث تم إغلاق العديد من المشاريع بسبب مخالفات البناء أو من قبل الميليشيات والمسؤولين الحكوميين الفاسدين الذين يطالبون بالرشاوى لاستئناف العمل.
وعلى بعد ميلين من موقع بناء العراق مول، جلس الشيخ أحمد سالم الجبوري، في منزله محاطًا بأشجار النخيل في بستان مساحته 10 هكتارات تمكن من التشبث به، رافضا بيعه بينما جيرانه باعوا الأرض في الغالب تحت ضغوط ميليشيات وأحزاب متنفذة داخل الحكومة.
وقال الجبوري لمراسلة صحيفة نيويورك تايمز في بغداد “أرضي وجودي وشرفي، كيف يبيع المرء شرفه؟”.
وأضاف إن عشيرة الجبوري تعيش على هذه الأرض منذ أن جاء جده الأكبر من سوريا عام 1841.
وأكد على أن بعض الجيران قرروا البيع بعد أن قطعت الميليشيات المياه عن بساتينهم. بينما بقيت أشجار النخيل لديه، فقد ذبلت أشجار البرتقال والتفاح والكمثرى الأقل مرونة بسبب نقص المياه.
وشدد الجبوري بأن الزراعة انتهت في العراق لأنه لا يوجد دعم حكومي على الإطلاق.
وبالنسبة للعديد من أهالي بغداد، تعتبر الحدائق بمثابة تذكير بعصر أكثر كرمًا قبل أن تتشتت العائلات بسبب الصراع، عندما كان الأطفال يلعبون في المساحات الخضراء ويتم تناول الطعام في الهواء الطلق. وكانت حتى المنازل الصغيرة تحتوي على حديقة، أنها جزء من المعمار العراقي المفتوح، الذي غيره لصوص الدولة الى أشكال قبيحة قاتلة للذائقة البصرية.
وفي الأعظمية، أحد أقدم أحياء بغداد، مشت نوفا عباس، وهي من السكان القدامى، فيما تبقى من حديقة أسرتها، مشيرة إلى الياسمين الوردي، الزنابق، الرمان، النخيل، والأشجار الأخرى. كانت بمثابة حامية لمنازلنا.
وأكدت عباس على أن بعض أشجار النخيل كانت تسقى من بئر حفرها جدها في القرن الماضي.
وكانت الأعظمية، مع بساتينها الضخمة بالقرب من نهر دجلة واحدة من أبرد مناطق بغداد في الصيف. وكانت أشجار الأوكالبتوس الكثيفة المنتشرة في كل شارع تقريبًا تمنع الغبار.
وقالت نوفا عباس “حتى في آب الساخن لم نكن نحتاج أكثر من مروحة لأن الأعظمية كانت أبرد بخمس درجات من بقية أحياء بغداد”.
وتم بيع البساتين تدريجياً في منطقة الأعظمية وأغلب أبناء المدينة الاصلاء غادروها تحت الضغوط الطائفية وخطط التغيير الديمغرافي لأحد أهم أحياء بغداد.
وأكدت عباس أنه تم بناء 70 منزلاً على الأقل في البساتين التي كانت عائلتها تمتلكها، والعديد منها بلا أشجار أو حدائق.
وتشهد بغداد ومحافظات عراقية أخرى حركة بناء حثيثة تستبدل البساتين والحدائق الخضراء بأبراج خرسانية تتجاهل تغيرات المناخ، فضلا عن أن أسعار وحداتها السكنية باهظة لا تتحملها الطبقة الوسطى، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وتعد منطقة الدورة على الأطراف الجنوبية للعاصمة بغداد شاهدة على حجم التغيير الهائل الذي يشهده العراق على حساب المساحات الخضراء التي تعتبر متنفسا لمدينة من أكثر مدن العالم سخونة.
وكانت منطقة الدورة مشهورة ببساتينها على جانبي نهر دجلة الذي تحاذيه، لكن هذه البساتين تحولت بشكل متزايد إلى عمارات خرسانية شاهقة.
آنا سواف: قانون الاستثمار لعام 2006 قتل المساحات الخضراء في بغداد
وأشار تقرير الصحيفة الأمريكية إلى إنه تمت التضحية بالبساتين والحدائق في بغداد لصالح “بناء غير منظم على مدى العقد الماضي”، ما قلل من المساحات الخضراء التي تساعد في تخفيف ارتفاع درجات الحرارة في واحدة من أكثر المدن حرارة في العالم.
ويقوم مفتشو البلديات بشكل روتيني بالتحقيق في تقارير عن تدمير أشجار النخيل بشكل غير قانوني للسماح للمالكين بالبناء على الأرض، لكن الدوريات، حتى المدعومة من قبل قوات وزارة الداخلية، لا تستطيع أن توقفها.
وقالت مريم فيصل، المحاضرة في كلية الفارابي في بغداد “نفقد تدريجيا الرئتين الحيتين في مدينتنا”، مشيرة إلى أن انخفاض المساحات الخضراء في العاصمة خلال العقدين الماضيين إلى حوالي 12 في المئة من أكثر من 28 في المئة.
وأضافت “عندما تمشي الآن في بغداد، ستجد العديد من المناطق التي ليس بها شجرة واحدة، خاصة في المناطق الأحدث… في العديد من مشاريع الإسكان الآن عندما تفتح باب الشرفة الخاص بك، تجد شرفة أخرى أمامك”.
وفي بلد يتراوح فيه متوسط دخل الفرد بين 400 إلى 500 دولار في الشهر، بحسب مسح نشر في 2022 لمنظمة العمل الدولية بالتعاون مع السلطات العراقية، تبلغ أسعار العقارات السكنية في بغداد بين ألفي دولار للمتر الواحد و8 آلاف أو أكثر، حتى مع زيادة عدد المجمعات السكنية التي تملأ إعلاناتها شوارع العاصمة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى