أخبار الرافدين
طلعت رميح

مسارات خطيرة في الحرب الأوكرانية

دخلت الحرب بين روسيا والغرب على الأرض الأوكرانية مرحلة الخيارات والمسارات الخطيرة، وأصبح الطرفان يتحركان الآن على حافة الهاوية.
روسيا مطالبة بالذهاب نحو خيارات خطرة، بعد إعلان الولايات المتحدة عزمها إمداد الجيش الأوكراني بالصواريخ بعيدة المدى، وبعد بدء دورة التحضير السياسي والإعلامي لإمداد هذا الجيش بالطائرات الغربية. وبعدما قررت الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا مد الجيش الأوكراني بالدبابات الثقيلة المتطورة بل إن روسيا مطالبة بوضع خطة تجيب فيها عن سؤال أزمة الانتصار في الشرق إذ الصراع يتحول بشكل أعمق مع الغرب على خلفية أحقاد تاريخية، تتوارى معها مشكلة أوكرانيا وتحل محلها أجواء الحرب العالمية الثانية!
والغرب أصبح في وضع الخيارات الصعبة والخطرة هو الآخر، لأن روسيا تكاد تنهي عملية تدميرها للجيش ومقومات الدولة الأوكرانية، وحالة السيطرة على مناطق ثرواتها وموانيها، بما يحدث تأثيرًا خطيرًا على التوازن الإستراتيجي بين الغرب وروسيا. أو لأن القوات الروسية تتقدم وليس هناك إمكانية لإعادة دفعها للوراء الآن، إذ يحتاج إدخال الأسلحة الجديدة إلى وقت، سيكون كافيًا لكي تحقق روسيا سيطرتها على الشرق الأوكراني.
وكذا لأن رد الغرب بتصعيد الحرب، يكون أمام اتخاذ قرارات خطرة تجلب ردود فعل أخطر من روسيا.
سيكون الغرب في مأزق حقيقي لو أكملت روسيا سيطرتها على كل ما تريد في الشرق ثم توغلت قواتها باتجاه الجنوب والغرب. ورد الفعل الممكن هو تغيير الخطط الغربية، إذ ستجد الدول الغربية نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات بالدخول في وضعية اقتصاد الحرب لتلبية متطلبات توسع المعارك.
وتلك خيارات مختلفة عما جرى سابقًا وهي تطرح ولوج مسارات تتعلق بأهداف الحرب لا طريقة سيرها فقط.
لم تعد معادلات الحرب تتطلب ردود فعل ذات طابع تكتيكي بين أطرافها، كما حدث من قبل حين قصفت أوكرانيا جسر القرم أو حين قصفت العمق الروسي، فبادلتها روسيا بقصف العمق.
أو كما حدث من تحول روسيا للهجوم في الشرق، فجرى إدخال أسلحة مدفعية غربية أبرزها هيمارس الأمريكي.
نحن أمام تغييرات تتعلق بتغيير نمط الحرب على نحو شامل، إذ تنتقل من حالة حرب المشاة والمدفعية والصواريخ الميدانية إلى الحرب الميكانيكية السريعة وإلى نمط أقرب إلى الحرب العالمية الثانية.
في ردود الفعل السابقة كانت المخاطر محدودة بشأن احتمال اندلاع حرب بين الناتو وروسيا. لكن الأمور تذهب الآن باتجاه نمط الحرب الواسعة أو حتى الشاملة، حين أعلنت الدول الغربية عن الدفع بالدبابات. قالت روسيا لا تغيير سيحدث والذي توقفت عنده هو استخدام اليورانيوم المنضب في قذائف دبابات ليوبارد الألمانية، إذ اعتبرتها روسيا قنابل نووية قذرة، وكانت الإشارة كافية لفهم رد الفعل الروسي. وقد تلت روسيا تلك التصريحات بالإعلان عن إجراء مناورات لاختبار جاهزية الصواريخ النووية الإستراتيجية من نوع يارس.
وفي الخيارات الروسية الحالية، فإن الأمور تذهب نحو الخطر، إذ على الأغلب أن تذهب لتوسيع مساحة سيطرتها على الأرض في العمق الأوكراني بهدف إبعاد الصواريخ الأوكرانية بعيدة المدى ما يعني أن روسيا تحتاج إلى التوسع لمساحة تزيد عن 150 كيلو متر في عمق أوكرانيا بعد حدود الشرق. وهذا ما ألمح إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وذلك أمر يحتاج إلى زيادة عدد القوات الروسية لتوسيع مساحة العمليات.
وقد تعود روسيا لفكرة الهجوم من أراضي بيلاروسيا وأن تتحرك في الجنوب، بل حتى التوسع إلى درجة احتلال مناطق مرور الأسلحة الغربية سواءً من بولندا أو اليونان. وقد تكون روسيا على موعد مع خيار إعلان الحرب على أوكرانيا. وفي الخيارات الغربية، ستزيد التحركات لتعميق إنهاك روسيا وهو ما يتطلب توسيع إمداد أوكرانيا بالأسلحة. كما أن توسع سيطرة روسيا على الأرض سيشكل عامل ضغط على الغرب لتعميق تدخله، وقد يسود توجه بضرورة استغلال فتح وانتشار القوات الروسية على مساحات واسعة لتوجيه ضربات قاصمة وضرورة الانتقال من حالة الاستنزاف التدريجي للجيش الروسي.
وفي كل الأحوال سيتوجه الغرب لتحويل حرب المواقع الأقرب إلى الثابتة الآن إلى أعمال الحركة والاختراق في العمق، وسيعمل على جر الطيران الروسي للدخول في عمق الأراضي الأوكرانية لإيقاع أقسى الخسائر به عبر صواريخ باتريوت ومنظومات القبة الحديدية الصهيونية التي يجري التفاوض بشأن تصديرها لأوكرانيا.
وسيزداد الضغط على الغرب أكثر إذا تمكنت روسيا من السيطرة على مناطق في جنوبي أوكرانيا إلى درجة تحقيق التواصل مع إقليم ترانسنيستريا الروسي الملاصق لأوكرانيا والمعترف به دوليًا كجزء من مولدوفا.
والأهم في كل ذلك، أن الحرب دخلت مرحلة التداعي وهي الحالة الأخطر في أمراض الحروب. وفي التداعي فإن ما يتوفر كثير، ولا يغترن أحد بالموقف الغربي الذي يبدو شديد الانضباط، ففي داخله صراعات وتناقضات خطيرة للغاية، كما أن القوات التي تقاتل بها روسيا تشكل مزيجًا خطيرًا من النظامية وغير النظامية المتنابذة. وأن الأحوال في أوكرانيا معقدة ويزيد من مخاطرها تدفق الأسلحة الغربية في بلد مصنف أنه أكثر الدول فسادًا في أوروبا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى