أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

انهيار القدرة الشرائية يدخل العراقيين في محنة جديدة من الأزمات

العراقي أمام خيارات قاسية تؤول إلى انهيار أسرته بالطلاق، أو الانتحار، أو بيع أعضائه البشرية، أو الهجرة غير الشرعية إلى خارج البلاد.

بغداد- الرافدين
فاقم الانخفاض الكبير في القدرة الشرائية من محن العراقيين المستمرة نتيجة فشل السياسات الاقتصادية في البلاد وتراكمها على مدار عقدين.
ومع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار وصل الدخل الشهري للموظف والعامل من متوسطي الدخل في العراق، إلى ما يجعله ضمن الطبقة الفقيرة.
ووجد ملايين العراقيين أنفسهم يعانون من العجز في تسديد إيجار المنزل لمن لا يمتلكون بيوتًا وهم يشكلون نسبة تصل إلى 65 في المائة من العراقيين، فضلًا عن استحالة الإنفاق على طعام ومتطلبات الأسرة المعيشية.
وتنفق الأسر العراقية على متطلبات صارت سائدة منذ عشرين عامًا غير تكاليف المعيشة الطبيعية من الطعام والملبس.
وصار على العراقي أن يدفع تكاليف مولدة الكهرباء بعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 بتوفير الطاقة الكهربائية للمنازل، فضلًا عن أجور الطبابة وتكاليف مدارس الأولاد التي صارت أغلبها خاصة.
ويدور العراقي الذي يمتلك أسرة من خمسة أفراد في حلقة يومية من الإرهاق والعمل المضني، من أجل توفير قوت أسرته ومتطلباتها.
ودفعت المعيشة المرهقة الكثير من العراقيين إلى البحث عن طرق للهجرة غير الشرعية، فيما تسببت تلك الظروف في هدم بنية المجتمع العراقي مع زيادة نسبة الطلاق بشكل لم يشهده التاريخ العراقي المعاصر، فضلًا عن الانتحار وبيع الأعضاء البشرية لتوفير قوت الحياة لفترة معينية.
وحيال هذا الوضع لا تمتلك حكومة محمد شياع السوداني غير الوعود للعراقيين، وفشلت كل إجراءاتها في تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار.
ويأتي انخفاض القيمة الشرائية للمواطن العراقي مع الارتفاع في أسعار تصريف الدينار مقابل الدولار الذي وصل إلى 166 ألف دينار عراقي مقابل كل مائة دولار.
وأعلنت وزارة التخطيط الحالية عن تسجيل ارتفاع جديد في معدل التضخم الشهري، بنسبة 0.3 بالمائة، ما يؤدي وفق خبراء اقتصاديين إلى ظهور طبقة فقيرة جديدة تُضاف إلى شريحة الفقراء التي تعترف السلطات بأنهم أكثر من 23 بالمائة من العراقيين. وهي أرقام أقل بكثير من مما تسجله منظمات مستقلة.
وأثّر ذلك على القوة الشرائية لشرائح عدة ودفعهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم باتجاه المواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها هي الأخرى، كون غالبية البضائع في السوق العراقية مستوردة، ولم يعد التوجه إلى محال الملابس الجديدة، وانتشرت أسواق الملابس المستخدمة.
ولم تقتصر أزمة المواطنين على ارتفاع أسعار السلع، بل تسبّب ارتفاع سعر الدولار في تلكُّؤ من لديه التزامات مدفوعات بالدولار عن سدادها، منها أقساط المنازل والسيارات إضافة إلى الالتزامات المرتبطة بخارج العراق، منها أقساط الجامعات للطلبة العراقيين الذين يدرسون في جامعات أجنبية.
وتذبذُب أسعار العملة الأجنبية في العراق لم تطل أضراره المستهلك فقط، بل تهدّد مصالح تجار الجملة وأصحاب رؤوس الأموال، ما يهدّد الآلاف من موظفي القطاع الخاص بخسارة وظائفهم، ويفاقم ظاهرة البطالة، فقد يلجأ المستثمرون إلى الاستغناء عن بعض الموظفين بسبب الركود الاقتصادي الذي يهدد السوق، وعدم قدرتهم على دفع الرواتب.
وتوقع مختصون أن قيمة الدينار العراقي ستواصل الهبوط بالتزامن مع كل ارتفاع في قيمة الدولار وسعر صرفه المتداول في السوق المحلية، لأسباب متعددة، في مقدمتها النظام التجاري العراقي غير المنظم، والذي بموجبه يتم سحب العملة الصعبة من السوق الموازية بأسعار عالية، وهو ما ساعد على انخفاض الكمية المعروضة من العملة في السوق. فضلًا عن تهريب العملة الصعبة إلى إيران وسوريا ولبنان.


عبد الرحمن المشهداني: السياسات المالية الخاطئة وتهريب العملة إلى الخارج مصائب لا يدفع ثمنها غير الفقراء
ويواجه المجتمع العراقي تحديات اجتماعية بسبب انتشار الفقر، إذ تفشّت ظاهرة بيع الأعضاء البشرية وصل على إثرها سعر الكلية إلى 5 آلاف دولار أمريكي.
وكشفت تقارير أمنية اختفاء 450 طفلًا خلال الأشهر العشرة الأولى لعام 2022، يرجّح أن يكونوا ضحايا لعصابات الإتجار بالبشر.
وزادت ظاهرة التسول وعمالة الأطفال والاستغلال الجنسي، بسبب الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العراق الذي يصنف ضمن البلدان الثرية بمواردها النفطية.
وقفزت صادرات العراق النفطية خلال العام 2022 إلى 115 مليار دولار، بزيادة 52 بالمائة عن عام 2021، وهو العام الذي سجّل أعلى نسب للفقر، في مفارقة لا تدلّ إلا على وجود فساد كبير ألقى المواطن العراقي إلى أحضان الفقر والتهميش.
وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني إنّ “السياسات المالية الخاطئة وتهريب العملة إلى الخارج مصائب لا يدفع ثمنها غير الفقراء ومحدودو الدخل والموظفون البسطاء”.
وأكد المشهداني في تصريحات صحفية أنّ “إجراءات البنك المركزي الجديدة، التي تقضي بالتسجيل الإلكتروني للحصول على الدولار من مزاد العملة، تحتاج إلى تطبيق فعلي، وتمنح المواطنين فرصة الحصول على الدولار، وليس فقط حصر هذا الأمر بالمتنفذين ووكلاء الأحزاب”.
واعتبر أن الفساد هو المسبب الأول لارتفاع نسبة الفقر في العراق لكونه قد قضم النسبة الأكبر من موارد الدولة، إلى جانب فشل الحكومات المتعاقبة في تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بمحاربة الفقر والبطالة.
وأوضح أن “العراق لديه نحو أربعة آلاف إلى ستة آلاف مشروع بين الوهمي والمتلكئ، حيث توجد مشاريع صرفت لها المبالغ بشكل كامل، بينما نسبة الإنجاز على أرض الواقع هي صفر، وكذلك مشاريع صرفت لها نسبة كبيرة من الأموال ونسبة الإنجاز صغيرة جدًا”.
وبعد مرور عامَين على إقالته من منصبه، أعاد رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، محافظ البنك المركزي العراقي السابق، علي العلاق، إلى الواجهة، وسط وعود قطعها العلاق بإعادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار إلى ما كان عليه.
وارتبط اسم العلاق، الذي شغل منصب محافظ البنك المركزي العراقي في فترة 2014-2020، بقضية تلف نحو سبع مليارات دينار عراقي عام 2018، بعد تسرُّب مياه الأمطار إلى داخل البنك المركزي حيث كانت مخزّنة تلك الأموال.
وتلاحق تُهم فساد كبرى العلاق خلال فترة إدارته للبنك المركزي، من قضية مستندات الاستيراد الوهمية التي تمَّ بموجبها الحصول على العملة الصعبة من مزاد العملة في البنك المركزي، دون أن تستورد الشركات التي وردت أسماؤها في مستندات الاستيراد أي مواد من خارج العراق.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى