أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

محاربة المحتوى الهابط ذريعة جديدة لتقييد حرية التعبير في العراق

أساتذة في كلية الإعلام بجامعة بغداد يطالبون الحكومة والأحزاب ونواب البرلمان بالارتقاء بخطابهم الذي يلحق ضررًا وطنيًا بالعراقيين ويمثل أردأ أنواع المحتوى الهابط.

بغداد – الرافدين
شككت منظمات حقوقية في مزاعم الحكومة الحالية بمحاربة المحتوى الهابط في العراق بذريعة تأثيره على الذوق العام، في الوقت الذي تروج فيه الحكومة للخطاب الهابط سواء بالأكاذيب والتلفيق المستمر أو عبر قنوات الأحزاب والميليشيات التي تروج للطائفية والتقسيم المجتمعي في أسوأ أنواع الخطاب الهابط والأكثر ضررًا على المجتمع العراقي.
وشكّلت وزارة الداخلية في الحكومة الحالية هيئة لمتابعة المحتوى المنشور في شبكات التواصل تحت مسمى خدمة “بلّغ”، وهي منصة إلكترونية خاصة، يتم الإبلاغ عن المحتويات الإعلامية المنشورة في مواقع التواصل في قائمة من المخالفات تتضمن: إساءة للذوق العام، أو رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي.
ولم يعرف إن كان من مهام هذه الهيئة متابعة المحتوى الهابط الذي تروج له وسائل إعلام وقنوات فضائية تابعة لأحزاب وميليشيات مشاركة في الحكومة.
وأدانت منظمة إنهاء الإفلات من العقاب في العراق الحملة الممنهجة، التي تقوم بها السلطات لتقييد حرية التعبير تحت ذريعة ملاحقة ما سمته المحتوى الهابط.
وأوضحت أن “مصطلح المحتوى الهابط هو مفهوم مطاط غير موصوف قانونيًا لذلك سوف يتم استخدامه بما ينسجم مع مصالح الأحزاب الحاكمة”.
وبينت المنظمة، عدم وجود خطوط واضحة للمقصود منه عند أحزاب السلطة، ولذلك “سيكون ذريعة لملاحقة أي شخص يقوم بانتقاد السلطة بأسلوب فكاهي أو ساخر”.
ويرى، خبراء الإعلام أن اقتصار المحتوى الهابط على فيديوهات وتغريدات الباحثين عن الشهرة لافتقارهم إلى حس المسؤولية، هو تبسيط أقرب إلى الجهل بطبيعة هذا المحتوى.
وعزت، أستاذة في كلية الإعلام بجامعة بغداد شيوع المحتوى الهابط في العراق، إلى الانهيار القيمي والاجتماعي والسياسي الذي يسود البلد منذ عام 2003.
وذكرت الأستاذة في تصريح لـ “الرافدين” مفضلة عدم ذكر اسمها “إن المحتوى الهابط يغلف حياتنا في العراق سواء بمزاعم السياسيين ولغتهم الركيكة، أو بالخطاب الإعلامي والطائفي الذي تطلقه فضائيات الأحزاب والميليشيات، وليس فقط بفيديوهات الأميين من صبيان مشاهير مواقع التواصل”.
وطالبت الحكومة أولًا بأن ترتقي بخطابها وتصدق مع الشعب من أجل ألا يكون خطابها هابطًا وأسوأ من كاذب، من أجل أن يثق الجمهور بدعواتها في محاربة الخطاب الهابط.

كرم نعمة
كرم نعمة: قادة الأحزاب والميليشيات يجسدون أردأ أنواع المحتوى الهابط عندما يتعاملون مع السياسة كبيع مسحوق الغسيل.
وقال الصحفي كرم نعمة، إن ما يحدث في العراق السياسي والإعلامي يمثل بامتياز مفهوم “المحتوى الهابط” عندما يتعامل زعماء الأحزاب والميليشيات ونواب البرلمان مع السياسة كمسحوق الغسيل.
وعزا كرم نعمة في تصريح لقناة “الرافدين” المزاعم الحكومية لملاحقة الأفراد المروجين لأنفسهم بحثًا عن الشهرة، إلى عجزها عن محاسبة الساسة وقادة الميليشيات عندما تتحول تصريحاتهم إلى أردأ أنواع المحتوى الهابط وهي تدفع باتجاه الكراهية وتقسيم المجتمع وكسر الوطنية لحساب مفاهيم طائفية ضيقة.
وأضاف الكاتب المهتم بشؤون وسائل الإعلام وصدر له مؤخرًا كتاب بعنوان “السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي” إن الإعلام العراقي اليوم يمثل أكبر مصادر المحتوى الهابط بطبيعة خطابه التي تتنازل عن المفهوم التاريخي لجوهر الصحافة بوصفها المصدر الحر لتبادل المعلومات.
وأكد على أن الإعلام العراقي قد أصيب بالوهن والارتخاء في لجة دورة القتل والترهيب المتواصلة، وكان من الصعوبة أن يجازف أي صحافي بحياته من أجل الحقيقة. ذلك ما جعل المحتوى الهابط سائدًا في العراق.
مصطفى سالم: النظام الميليشياوي الفاسد والتبعي في العراق هو المحتوى الأكثر هبوطًا وإباحية.
ويرى الكاتب العراقي مصطفى سالم أن النظام الميليشياوي الفاسد والتبعي في العراق هو المحتوى الأكثر هبوطًا وإباحية.
وكتب “ستبقى العلاقة قائمة بين استقبال وترويج التفاهة وبين ممارستها كسلطة وسياسة وطقوس، ولذا الحاضنة الشعبية للنظام والعملية السياسية هي نفسها حاضنة المحتوى الهابط”.
وكان اعتقال القوات الحكومية للعديد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بتهمة نشر المحتوى الهابط قد أثار جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال مصدر أمني عراقي إن سلطات البلاد نفّذت حملة اعتقالات بدعوى “مكافحة المحتوى الهابط على منصات التواصل” استهدفت عددًا من المدونين والمؤثرين في الرأي العام، وقوبلت الحملة بتفاعل واسع بين مؤيد وناقد.
وطالب ناشطون الحكومة بمحاسبة جميع الأطراف التي تنحدر إلى الخطاب السياسي الهابط على منصات التواصل الاجتماعي، معتبرين أن تأثير هذا النوع من الخطاب أكبر على المجتمع.
واعتبر عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي أن النظام الذي يحاكم من ينشر المحتوى الهابط بحجة تأثيره على الذوق العام نظام مزاجي وغير عادل.
ورأى أن هذا النظام يعفو عن سارق قوت الشعب، متهمًا سياسات الحكومات الخاطئة بدفع بعض الأفراد إلى كسب المال سواء من خلال نشر المحتويات الهابطة أو الانحراف أو السقوط ضحية لتجارة المخدرات أو الإتجار بالبشر.
وذكر بأن عدد مستخدمي الإنترنت في العراق فقط 20 مليون عراقي من أصل 5 مليار مستخدم وما يقرب من 2 مليار صفحة إنترنت، متسائلًا، كيف ستتعامل الحكومة العراقية مع المحتويات الهابطة القادمة من خارج الحدود.
وتهكم البياتي في تغريدة له على تويتر، على الحملة التي أطلقتها الحكومة، وهي تتغاضى عن مروجي الأكاذيب والمحتوى السياسي الهابط، بقوله، “ماذا عن المحتوى الهابط في كلام السياسيين عن بعضعم البعض”.
وحول اعتقال القوات الحكومية لصانع محتوى كوميدي في مدينة العمارة بذريعة محاربة المحتوى الهابط، علق البياتي، “هذا النظام يبدوا أنه يبحث عن أعداء له بشكل مستمر لكي يحفر قبره بيده”.
وأكدت، مؤسسة “أنسم” للحقوق الرقمية، أن خطاب الكراهية والإساءة على الإنترنت بات ظاهرة منتشرة في العراق، وبدأت بالتأثير سلبًا على حياة العراقيين.
ويخشى الكثير من الناشطين أن يكون القرار كما كل القوانين الأخرى في العراق سيفًا ذا حدين، فلا يكتفي بمحاسبة المسيئين فعلًا، بل يشمل أيضًا أصحاب الرأي الحر الذين ينتقدون الأوضاع والفساد والمحسوبية في البلاد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى