أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

مخاوف من تنامي خطر الزلازل وتهديدها لأرواح المواطنين في العراق

تحذيرات من تحول المباني الأيلة للسقوط وتلك التي لاتراعي شروط البناء السليم إلى مقابر جماعية لسكانها خلال الكوارث والهزات الأرضية في العراق.

بغداد – الرافدين
كشف إعلان مديرية الدفاع المدني، دخول العراق الخط الزلزالي، عن حجم الخطر المحدق بالبلاد التي كانت بمنأى عن هذا الخطر خلال العقود الماضية وسط تقاعس حكومي في التعاطي مع هذه المعطيات الجديدة وتأثيراتها على أرواح المواطنين.
وحذرت المديرية على لسان منسقها الإعلامي، نؤاس صباح من تأثر المباني المشيدة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بالكوارث الطبيعية، كونها شيدت في وقت كان العراق خارج خط الزلزال.
وقال إن العراق دخل مؤخرًا على الخط الزلزالي وأن مديرية الدفاع المدني غير مسؤولة عن متابعة المباني واستيفائها لشروط السلامة من الزلازل والهزات الأرضية.
ودفع الزلزال “المدمّر” الذي ضرب تركيا وسوريا وتسبب بانهيار عشرات الآلاف من المباني ومقتل نحو 45 ألف شخص في كلا البلدين، إلى فتح باب النقاش حول المباني والمجمعات السكنيّة والمراكز التجارية “المولات” التي شيدت خلال السنوات الاخيرة في العراق ومدى التزامها بشروط الوقاية من الزلازل.
وقالت نائبة نقيب الجيولوجيين في العراق مديحة محمد النعيمي “ليست جميع المنشآت والمباني العراقية مصمّمة على أسس الصيانة المحمية من المخاطر الزلزالية”.
وأكدت النعيمي على ضرورة استشارة الخبير الجيولوجي عند اختيار مواقع بناء المباني والأبراج العمودية لدراسة طبيعة ومواصفات الطبقات الصخرية التي سيُقام عليها البناء من جهة وتفاصيل التصاميم الهندسية من جهة أخرى.
وشددت على أن أبرز الشروط الواجب توفرها عند بناء المجمعات السكنية العمودية تتعلق بـ “دراسة الأرض التي تقام عليها الأبنية بكل أنواعها من حيث الصلادة ونوعية الصخور وارتفاع منسوب المياه الجوفية”.
بدوره كشف مسؤول شعبة المحطات الزلزالية العراقية سلوان غازي ذنون عن أبرز الأسباب التي تزيد من سرعة انهيار المباني والأبراج العمودية بفعل الزلازل، ومنها “ما يتعلق بأبعاد المباني وكثافة العناصر الإنشائية وتوزيعها على التربة بوجود مقاييس معينة لا بد من أخذها بالحسبان”.
ويستطرد قائلًا “إن البناء فوق المباني القديمة يزيد من ضعف المقاومة، لا سيما إذا لم تعالج الأرض قبل البناء فضلًا عن إن توزيع فتحات النوافذ والأبواب في الجدران الداخلية مع وزن المبنى يزيد من قوّته”.
ويضيف ذنون أن “المباني النحيفة مثل تلك الموجودة في كردستان العراق يجب ألا يزيد عدد طوابقها على 4 أو 5، لكن هذا غير موجود في بعض المجمعات، ولا سيما في أربيل، الأمر الذي يجعلها عرضة لتكون من أكثر المباني تضررًا في حال وقوع زلازل قوية”.

تحذيرات من تأثير الهزات الأرضية على البنايات السكنية المشيدة في التسعينات والثمانينات

ويسلط أكاديميون ومختصون الضوء على إشكالية أخرى تتعلق بمدى التزام المباني المشيدة حديثًا بما يعرف بـ “الكود الزلزالي” أو معامل البناء الزلزالي الذي يلزم الشركات المنفذة بمراعاة شروطه عند البناء ومدى دقته في ضوء المعطيات الجديدة التي تشهدها المنطقة.
ويؤكد اختصاصي علم الزلازل الدكتور واثق غازي عبد النبي وجود معامل بناء زلزالي في العراق تم إعداده من قبل لجنة مختصة تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ضمت اشخاصًا من كافة الوزارات ذات العلاقة في عام 2017 وهو مدرج في مدونة الزلازل العراقية (م. ب. ع. 303) وأن هذا الكود الزلزالي متاح لكافة الوزارات ذات العلاقة مثل وزارة النقل ووزارة الاسكان والإعمار ووزارة التخطيط ووزارة الصناعة والمعادن ويتم تسليمه لكل الشركات المسؤولة عن بناء المنشئات الحيوية الكبيرة (جسور، سدود، مبان شاهقة) وكذلك المجمعات السكنية الحديثة.
ويضيف عبد النبي الذي يعمل أستاذًا في قسم علم الأرض بكلية العلوم التابعة لجامعة البصرة “إلا أن السؤال الآن، هل يتم الالتزام بهذا المعامل الزلزالي عند تنفيذ المشاريع الإنشائية، هذا ما لا أعرفه”.
بدوره يؤكد أستاذ الجيولوجيا في جامعة سومر، علي رمثان، أن “الكود الزلزالي هو عبارة عن دراسات معمقة لوضع معايير زلزالية للبلد، وعلى ضوء هذا الكود لا يتم بناء أي شيء بدون الخضوع لمعايير واشتراطات الكود الزلزالي اعتمادًا على معامل خطورة المنطقة”.
ويشير رمثان المختص بالزلازل إلى جانب درجته العلمية إلى أن “الكود الزلزالي الموجود حاليًا في العراق غير دقيق ويتم تجاهله بشكل كبير من قبل السلطات”، مبينًا أن “المراكز العلمية العراقية، سجلت أكثر من ألف هزة أرضية خلال السنوات العشر الماضية في المنطقة السهلية العراقية، وهو رقم مرشح للازدياد”.
ويقع العراق على الصفيحة العربية الملاصقة لكل من الصفيحة الإيرانية وصفيحة الأناضول، حيث تتأثر على مدار العام بالهزات الأرضية كما الحال في مدن السليمانية ومندلي وخانقين ومناطق أخرى وهي الأكثر تعرضًا للهزات من غيرها من المدن مع محاذاتها للصفيحة الإيرانية الشرقية.

عدم الاكتراث بمعامل البناء الزلزالي ينذر بكارثة مركبة عند حصول الزلازل المدمرة

وكشفت مديرة قسم الرصد الزلزالي في هيئة الأنواء الجوية، سميرة رضا خلف عن أقوى الهزات التي تعرض لها العراق خلال الحقبة الزمنية الماضية منذ عام 1979 حيث “تعرضت أربيل في 18/12/1980 إلى هزة أرضية بقوة 5.4 درجة وتأتي الهزة الثانية في 17/2/1992 في الموصل والشرقاط، في حين كانت الهزة الثالثة في كركوك مركز محافظة التأميم بتاريخ 15/1/1999 وبقوة 5 درجات”.
وجاءت “الهزة الرابعة في كركوك ايضا بتاريخ 18/9/2007 بدرجة 5.2، لتكون الهزة الخامسة بقوة 5.2 في 23/3/2001 بمنطقة علي الغربي التابعة لمحافظة ميسان جنوب العراق”.
وشهد العراق منتصف تشرين الثاني 2017 زلزالًا بلغت شدته 6.5 على مقياس ريختر، ضرب مناطق عدة من وسط وشمال وجنوب العراق، وأسفر عن مقتل 11 شخصًا و547 جريحًا، غالبيتهم من مناطق شمالي البلاد، إثر انهيار منازل مواطنين وأخرى لسفوح جبلية بالمنطقة القريبة من أربيل، وفقًا لبيان صدر عن السلطات الحكومية في بغداد وأربيل.
وفي خضم هذه المعطيات تبرز مشكلة أخرى ذات علاقة وطيدة بتنامي خطر الزلازل في العراق تتمثل في المباني الآيلة للسقوط بسبب تقادم البناء والفساد الذي شاب مراحل تشييدها وسط مخاوف من تحولها إلى مقابر جماعية لقاطنيها عند حدوث أي كارثة.
وعن خطر المباني الآيلة للسقوط علق نؤاس صباح بالقول إنه “بعد حادثة انهيار قطارة الإمام علي، وما تلاها من حادثة انهيار مبنى المختبر الوطني، بدأت المديرية بإجراءات الكشف على المباني في عموم المحافظات العراقية، من خلال المشاهدات العينية للتصدعات والتشققات، وكذلك ملاحظة الدعامات وغيرها، وتحويل المؤشر عليها من ملاحظات إلى الدوائر الهندسية للبتّ بمدى صلاحيتها باعتبارها صاحبة الاختصاص”.
وأشار المنسق الإعلامي لمديرية الدفاع المدني نؤاس صباح إلى أن الدفاع المدني أحصى خلال العام الماضي وجود 2517 مبنى من المحتمل أن يكون آيلًا للسقوط في عموم المحافظات، تم تحويل ملفاتها جميعًا إلى الجهات المعنية لحسم الأمر والتأكد من سلامتها.
ولفت إلى أن أغلب الملاحظات تأتي نتيجة تقادم البناء والرطوبة، وكذلك الأخطاء الهندسية في المباني المشيدة حديثًا بسبب إضافة طوابق أخرى، كما جرى في مبنى المختبر الوطني مما أدى الى انهياره بالكامل.

انهيار مبنى المختبر الوطني ببغداد مثال صارخ على تهديد الفساد لأرواح المواطنين

وأعرب عراقيون في ظل الأخبار الواردة من تركيا وسوريا عن مخاوفهم من المباني التي جرى تشييدها مؤخرًا وتلك الآيلة للسقوط بعد أن شهد بعضها انهيارًا مفاجئًا خلال الأشهر الماضية، ما تسبب بخسارة أحبتهم وسط تساؤلات عن مصيرها في حال تعرض العراق إلى موجة زلزالية مشابهة لتلك التي حصلت قبل عشرة أيام في تركيا وسوريا.
ولم يخف المواطن حسين مشاعره الحزينة حينما تذكر مشهد انتشال جثة زوجته المصابة بالسرطان، وطفلته التي لم تتجاوز أعوامها الثلاثة، من تحت أنقاض مبنى المختبر الوطني في حيّ الكرّادة بالعاصمة العراقية بغداد، الذي انهار مطلع شهر تشرين الأول الماضي.
وبين حسين أنه “ذهب لشراء الطعام والحلويات لهما بانتظار حلول الموعد الطبي، ولكن، عندما عاد، كان المبنى منهارا.. وحينها بدأ بمناداتهما علّهما يردّان عليّه، ولكن شاء الله وما قدّر فعل”.
بدوره يرى المهندس المدني محمد العامري أن مشكلة المباني الآيلة للسقوط بدأت بالظهور في العراق ما بعد العام 2003، مع مرور البلاد بتغيّرات سياسية وأمنية واجتماعية أدت إلى ظهور الفساد، وأثّرت على مفاصل الدولة كافة كتلك المعنية بمتابعة المشاريع العمرانية.
ويقول العامري إن “هناك مبانٍ تتعهّد بها شركات حكومية أو قطاع خاص أو قطاع أهلي لا يتم الالتزام خلالها بحدود المواصفات الهندسية، التي لها محددات”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى