أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

عراقيون يبيعون أعضائهم لسد رمق أسرهم

عصابات المتاجرة بالأعضاء البشرية توزع عناصرها لتشكيل حلقات متصلة تتعاون مع سماسرة داخل المستشفيات والجهات الأمنية.

بغداد – الرافدين
كشف الإعلان عن عصابة مكونة من عشرة أشخاص للمتاجرة بالأعضاء البشرية عن اتساع الظاهرة داخل المجتمع العراقي تحت وطأة الحاجة التي تدفع الأشخاص لبيع أعضائهم من أجل توفير قوت أسرهم.
وتؤكد عملية إلقاء القبض على عصابة مكونة من خمسة رجال وخمس نساء في منطقة الشعب في بغداد متورطين بتجارة الأعضاء البشرية. أن هذه التجارة مستمرة وأن المزاعم الحكومية بالقضاء عليها مجرد تصريحات إعلانية للتخفيف من وطأتها.
وسبق أن كشف فيلم وثائقي انتجه المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” عن انتشار تجارة البشر في العراق منذ عام 2003 بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مكنتها شبكة المصالح بين أحزاب السلطة والميليشيات المسلحة.
وذكر المعهد في ندوة تمهيدية أثناء عرض الفيلم “أن انتشار تجارة البشر جاء نتيجة لإرث الولايات المتحدة في العراق والمزيج السام للتحالف بين الأحزاب والميليشيات الذي رسخ الفقر والجهل والتهميش لكثير من طبقات المجتمع لاسيما فئة النساء التي أصبحت أكثر عرضة لتجارة البشر والاستغلال”.
وأجمع متحدثون في الندوة على أن جهود السلطات الحكومية المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر والأعضاء غير فعالة، وفي كثير من الأحيان يتعرض الناجون للتهميش وحتى القتل، مؤكدين على أن النظام السياسي الحالي والفساد ساهم بتكريس هذه الانتهاكات والتجارة.

تشاتام هاوس: انتشار تجارة الأعضاء البشرية جاء نتيجة لإرث الولايات المتحدة في العراق والمزيج السام للتحالف بين الأحزاب والميليشيات الذي رسخ الفقر والجهل والتهميش لكثير من طبقات المجتمع

وقال المعهد إن التجارة بالبشر في العراق تفشت بعد عام 2003 بأشكال مختلفة، ما بين استغلال الأطفال للتسول، وتجارة الأعضاء البشرية، موضحًا أن تقريرًا لوزارة الخارجية الأمريكية، أعلن أن الحكومة في العراق لا تفي بشكل كامل بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر.
وقال مصدر أمني يعمل بدائرة للطب العدلي في بغداد، إن “عمليات الاتجار بالبشر وبيع الأعضاء البشرية أصبحت ظاهرة خطرة بسبب كثرة ضحاياها”.
وأضاف مفضلًا عدم كشف هويته لأسباب أمنية “دائرة الطب العدلي التي أعمل فيها تتسلم بين حين وآخر جثة أو جثتين من الجنسين بأعمار مختلفة مقطعة الأوصال، وعليها آثار عمليات جراحية، ثم يتبين أن عصابات سرقت أعضاءً من هذه الجثث”.
وقال في تصريحات صحافية “أصبح بيع الأعضاء البشرية تجارة رائجة في العراق بعد تفشي الأمراض والأوبئة، خصوصًا الفشل الكلوي، علمًا أن 90 بالمائة من عمليات بيع الأعضاء البشرية هي لعمليات بيع الكلى”.
وأكد على أنّ “عصابات بيع الأعضاء البشرية تنشر أفرادها قرب المستشفيات بهدف تشكيل حلقات متصلة تتعاون مع سماسرة من أطباء وموظفين داخل المستشفيات”.
وعزا مراقبون اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق إلى تزايد حدة الفقر والبطالة، وضعف الأمن، وقوة الميليشيات التي تقوم بدعم الشبكات الإجرامية والانتفاع منها، مضيفًا أن غياب القانون وضعف الأجهزة الأمنية، أدى إلى انتشار الجريمة المنظمة.
وكشف تحقيق أجراه اتحاد الصحفيين الاستقصائيين وجود ما سموها أزقة الموت في بغداد والتي تضم عصابات لتجارة المخدرات والاتجار بالبشر.
وكشف الفريق الصحفي عن تحول تلك المناطق في العاصمة إلى ما يشبه الدولة المصغرة في ظل وجود مافيات تجند لها العيون لتجنب المداهمات الأمنية، حيث ينتشر مقاولون لتأجير الأطفال والنساء لمهنة التسول في مناطق بغداد ونقلهم بعربات التكتك، والإشراف عليهم ومراقبتهم في التقاطعات وشوارع العاصمة.
وأوضح التقرير الاستقصائي انتشار ظاهرة بيع المخدرات وحبوب الكريستال المصنعة محليًا، وتكثر في فروع بعض الأحياء القريبة من منطقة البتاويين أما عصابات المتاجرة بالأعضاء البشرية فإنها تتجول بحرية تامة مستغلة استشراء الفساد داخل المنظومة الأمنية الحكومية بوجود المال والسلاح.
وفي أحدث الجرائم ما كشف عنه مصدر أمني عن اعتقال عصابة مكونة من 10 أشخاص في بغداد تتاجر بالأعضاء البشرية.
وقال المصدر، إن قوة أمنية من تحقيقات مكافحة الاتجار بالأعضاء البشرية ألقت القبض على عصابة مكونة من خمسة رجال وخمس نساء في منطقة الشعب في بغداد متورطين بتجارة الأعضاء البشرية.
وتحوّلت عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية مع مرور الوقت إلى ظاهرة بعد انتشار العصابات المتخصصة، وإبداء رغبة كثيرين في بيع بعض أعضائهم البشرية لمحاولة معالجة تدهور أوضاعهم المعيشية.
وكشف تقرير نشره مجلس القضاء الأعلى في العراق، منتصف العام 2022، عن إحدى طرق الاتجار بالأعضاء البشرية من خلال إنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنفيذ مهمات لاستدراج أشخاص للتبرع بأعضائهم مقابل مبالغ مالية كبيرة، ثم بيعها”.
وكشف مدير تحقيق مكافحة الاتجار بالبشر في بغداد العميد وسام الزبيدي، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية، أن سعر بيع الكلية الواحدة يصل إلى 33 ألف دولار، مشيرًا إلى أنهم سيعملون على مكافحة الاتجار بالبشر خلف الحدود أيضًا.
وحول تصاعد وتيرة عمليات المتاجرة بالأعضاء البشرية في العراق وما تمثله من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وللأمن المجتمعي، أكد عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية سابقًا علي البياتي، أن “الاتجار بالبشر من الجرائم المنظمة التي بدأت تنتشر بالعراق ولا سيما بعد العام 2003، على وقع الخلل الأمني والظروف العصيبة والاستثنائية التي مرت بها البلاد طيلة الأعوام الماضية”.
وأضاف البياتي، أن “تفشي الفقر والعوز في المجتمع العراقي اضطر الكثيرين لبيع أعضاء من أجسادهم لقاء المال وسط انتشار المافيات والعصابات التي تمتهن هذه التجارة، والتي لديها امتدادات إقليمية ودولية تتعاون معها وتنسق”.
وعبر عن أسفه لأن الحكومة لم تتعاط بالشكل الحاسم والمطلوب مع خطورة اتساع نطاق هذه الظاهرة، لافتًا إلى ضرورة “سن تشريعات تسمح وفق الضرورات الصحية والطبية وتحت إشراف طبي كامل، بالتبرع للأعضاء لمن هم بحاجة لها، بحيث يتم إنقاذ حياتهم، ويمكن أن يكون ذلك لقاء مقابل مادي، بمعنى أن تتم العملية بطريقة قانونية مسموح بها وبما يقطع الطريق أمام عصابات بيع الأعضاء والاتجار بها”.
من جانبها، قالت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، إن “البلاد لا تزال دون المستوى المطلوب لإيقاف ظاهرة الاتجار بالبشر، بحسب التصنيف الدولي، على الرغم من وجود قانون مكافحة الاتجار بالبشر في العراق، إلا أن السلطات الحكومية لم تنفذ القانون بعد مرور 10 سنوات على إقراره، في ظل عدم فعالية ما تسمى باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر”.
ويحمل ناشطون الحكومة في العراق مسؤولية تفاقم الظاهرة، من جراء تقصيرها وتهاونها في إدارة هذا الملف الخطير، في ظل ضعف تطبيق القانون، وسطوة الميليشيات المسلحة والعصابات المدعومة من جهات متنفذة، إلى جانب تفشي الفقر والبطالة والمخدرات.
وكشف، المتحدث باسم وزارة الداخلية الحالية، اللواء خالد المحنا لوسائل الإعلام، طرق الاحتيال والأساليب التي تستخدمها عصابات الاتجار بالبشر للإيقاع بالضحايا”.
وأشار إلى، أن غالبية عصابات الاتجار بالبشر تنشط في المناطق التي يعيش سكانها تحت خط الفقر، وتشهد أوضاعها تدهورًا كبيرًا.
وشرح المحنا، أساليب الاحتيال الكثيرة التي تتبعها هذه العصابات للإيقاع بضحاياها منها، ترغيب الأشخاص ببيع أعضائهم البشرية عبر إغرائهم بمبالغ مالية كبيرة جدًا، وضمان خضوعهم لعمليات جراحية في مستشفيات بعد تزوير الوثائق الشخصية لإيهام إدارة المستشفى بأن المتبرع قريب للمريض، باعتبار أن القانون العراقي يسمح بتبرع أقارب المريض بالأعضاء”.
وأكد المسؤول في وزارة الهجرة والمهجرين الحالية، موسى حميد، أن “معدلات الاتجار بالبشر، خصوصًا المعوقين والأطفال والفتيات، في ارتفاع مستمر من جرّاء كثرة العصابات التي تمارس هذه الجريمة، ولا تزال موجودة، وتهدد المجتمع العراقي”.
ولفت حميد إلى، أن “هناك عصابات مسؤولة عن إدخال معوقين من بلدان من بينها باكستان وبنغلادش وإيران، ونشرهم في الشوارع بهدف التسول، فضلًا عن استخدام الاتجار بالبشر كوسيلة للتجارة بالأعضاء البشرية”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى