استمرار عمليات التغيير الديموغرافي في سامراء بقوة سلاح الميليشيات
هيئة علماء المسلمين في العراق: إقدام العتبة العسكرية وبتواطؤ من السلطات الحكومية على تغيير اسم الجامع الكبير في سامراء، جريمة مكتملة الأركان، وعن سبق إصرار وترصد.
صلاح الدين – الرافدين
تمادت قوى وأحزاب وميليشيات طائفية في الاستغلال المدمر للموارد الثقافية والتراثية العراقية لأغراض سياسية، فيما تستمر حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بإغلاق عيونها عن تغيير التاريخ بصلافة بعد الاستيلاء على الجامع الكبير في مدينة سامراء من قبل ما يسمى بالعتبة العسكرية وتغيير اسمه من الجامع الكبير إلى جامع “صاحب الأمر” لتحقيق مكاسب خاصة، مما يقلل من دوره التاريخي باعتباره مسجدًا لجميع العراقيين.
ويشجع الاستيلاء على الجامع الكبير في سامراء من قبل هيئات طائفية على استغلال وتشويه تاريخ العراق وهوياته المشتركة كوسيلة لزرع الانقسامات الثقافية. كما أنه يضر بشكل أساسي بالحياة الدينية والثقافية للبلاد وتركْ المجتمع أكثر انقسامًا بسبب السياسات الطائفية.
وكان الجامع قد أغلق منذ عام 2006 وسيطرت ميليشيا “سرايا السلام” عليه، ونشرت ما يسمى بالعتبة العسكرية إعلانًا تبين فيه تغيير اسم الجامع الكبير إلى جامع “صاحب الأمر” بعد ترميمه كما زعمت، ما أثار ردود فعل غاضبة بين العراقيين على الاستيلاء الصلف.
وحذرت هيئة علماء المسلمين في العراق من قيام ما تسمى “العتبة العسكرية” بمشاركة ميليشيات “سرايا السلام” وديوان الوقف الشيعي وإتمام الاستيلاء على جامع سامراء الكبير والمدرسة العلمية المتصلة به، مؤكدة على أنها خطوة أخرى خطيرة في مشروع الاستيلاء الممنهج على الأوقاف الإسلامية في العراق، وفرض الوصاية الطائفية بسطوة القوة العسكرية.
وقالت الهيئة في بيان أصدرته مساء الثلاثاء أن العتبة العسكرية أقدمت وبتواطؤ من السلطات الحكومية على تغيير اسم الجامع الكبير في سامراء، وإعادة افتتاحه تحت مسمى طائفي جديد، متخذة من ذريعة “إعادة ترميم القبة” غطاءًا للاستحواذ التام عليه في جريمة مكتملة الأركان، وعن سبق إصرار وترصد على مدى سبع عشرة سنة خلت.
وبيّنت أن الانتهاكات التي يرتكبها ديوان الوقف الشيعي بمعونة الميليشيات تحت مظلة السلطة الحكومية مستمرة في جميع أنحاء العراق، ولا سيما ما يتعلق منها بالهيمنة على الأوقاف الإسلامية في عدة محافظات.
وأوضحت الهيئة في بيانها أن ديوان الوقف الشيعي مارس بسطوة الميليشيات وأجهزة الأمن الحكومية حملة استيلاء على عقارات أبناء المناطق الغربية من سامراء المحيطة بالمرقد والجامع والمدرسة، سواء بوضع اليد عليها دون وجه حق أو بفرض البيع على مالكيها تحت طائلة التهديد والاعتقال، وفي بعض الأحيان بالإغراءات مقابل مبالغ مالية خيالية.
وشددت الهيئة على أن مجاورة الجامع الكبير والمدرسة العلمية للمرقد، لا تعطي حقًا للعتبة ولا لغيرها في الاستحواذ عليهما تحت ذريعة الإعمار، وأن ديوان الوقف السني هو المسؤول عنهما، وهو أيضًا المسؤول في المقام الأول عن التفريط بحمايتهما، ولا سيما وأن له سوابق في التخاذل عن القيام بمهامه، ومنها تسليمه نظيره الشيعي المرقد دون قيد أو شرط ونقل ملكيته إليه بعد أحداث سنة 2006م. لافتة إلى هذه المسؤولية يشارك في تحمّلها من يسمّون بالسياسيين “السنّة” الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا أوراقًا على طاولة العملية السياسية تتلاعب بها الأيدي كيفما شاءت.
ودعت الهيئة علماء العراق عامة وعلماء سامراء خاصة، وبالعراقيين جميعًا وبالسامرائيين على وجه الخصوص، القيام بما يوجب عليهم دينهم الحنيف، وبما تقتضيه مروءتهم في الدفاع عن تاريخ هذه المدينة الصابرة المجيد، وحاضرها ومستقبلها المهددين على حد سواء.
ورفض علماء وشيوخ عشائر سامراء محاولات الاستيلاء على الجامع الكبير والمدرسة العلمية في المدينة مؤكدين أنها خطوة ومحاولة لإشعال الفتنة الطائفية في البلاد.
وحذروا من مغبة السكوت على تلك المحاولات التي تستهدف مساجد السنة، داعين السلطات إلى التدخل العاجل ووقف تلك الممارسات من أجل تجنب التصعيد الطائفي التي تحاول بعض الجهات إثارته في المدينة.
وتفاعل ناشطون وأكاديميون على وسم “جامع سامراء الكبير” مطالبين الجهات المعنية بوقف السرقات التي تقوم بها “العتبات المقدسة” بقوة السلاح ونفوذ الميليشيات.
وقال المتحدث باسم مرصد “أفاد” حسين دلي ” بكل وقاحة المرجعية تشارك بالتغيير الديمغرافي”.
وأضاف “ما تسمى بالعتبة العسكرية التابعة للمرجعية الشيعية تغتصب جامع سامراء الكبير الذي يعود لأهل السنة وتغير هويته وتستولي عليه وتفتتحه تحت مسمى مسجد صاحب الأمر تحت قوة سلاح سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر والتي تسيطر على المنطقة منذ 2006”.
وحذر النائب في البرلمان الحالي شعلان الكريم من الفتنة وطالب بعودة الجامع ومدرسته الدينية إلى أهالي المدينة، وقال “أوضاع البلد لا تحتمل مزيدا من الاستفزازات أو المهاترات غير المحسوبة، ومن يوقد نار الفتنة سيكون أول من يحترق بها”.
وعد الصحفي عثمان المختار استيلاء العتبة على الجامع “بلطجة بقوة الميليشيات” قائلا “اليوم تم الاستيلاء على أقدم وأكبر جوامع مدينة سامراء والمدرسة الدينية العريقة الملاصقة للمسجد بلطجة بقوة بالميليشيات. سامراء وسط مخطط ايراني ليس بجديد لتغيير هويتها ومسخها”.
وقال الصحفي إياد الدليمي أن سياسية الاستقواء التي تمارسها الميلشيات المدعومة من الحكومة، كارثية.
وكتب “ترى ماذا سنقول للشيخ أيوب؟ بأي حديث سنبرر له الاستيلاء على المدرسة الدينية التي عاش فيها عمرًا كاملًا، عالمًا ومتعلمًا، ماذا سنقول لجدرانها التي كانت شاهدة على آلاف الطلاب الذين مروا عليها”.
وبين الصحفي زياد السنجري أن عمليات التغيير الديمغرافي منهج ثابت عند الميليشيات الموالية لإيران، وقال إن “عمليات التغيير الديمغرافي والاستيلاء على الجوامع وعقارات الوقف السني وأرضي ومدن ونواحي باكملها منهج ثابت وضعه قاسم سليماني”.
وكانت دراسة مطولة أصدرها معهد “تشاتام هاوس” في لندن عن “افتراس التراث الثقافي في العراق: الاستملاك الطائفي لماضي العراق” قد ذكرت أن المنطقة المحيطة بالمسجد العسكري مهملة، والبيئة المعمارية ذات الأهمية التاريخية في وسط سامراء بدأت بالتحول التدريجي من قبل الوقف الشيعي، ويجري هدم عشرات المباني وغيرها من المواقع التراثية التي تعود إلى الحقبة العثمانية، إضافة إلى تشريد عشرات الآلاف من الأسر السنية بعد سيطرة ميليشيا “سرايا السلام”، وهو ما جعل الحياة الثقافية لسامراء أقل تنوعًا.
وأشارت الدرسة التي كتبها نخبة من الباحثين في المعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس” أنه جرى إغلاق مسجد يديره الوقف السني “الجامع الكبير” وطالب الوقف الشيعي به كواحد من جوامعه.
واستولى الوقف الشيعي على مركز المدينة التاريخي في سامراء، بما في ذلك أصول الدولة المملوكة للسلطات المركزية وسلطات المحافظات، ما أدى إلى تغيير ديموغرافي في سامراء.
وبينت الدراسة أن استغلال الوقف للموارد الثقافية والدينية للمدينة، واتجاهه لأعمال البنية التحتية داخل المنطقة المسيجة، أدى إلى تغيير جوهري في طابع واحدة من أهم المدن العراقية. كما جرت تطورات مماثلة أيضا في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد.
وأكدت على أن المرقد العسكري بات الآن يمثل موقعًا مخصصًا لخدمة مصالح الوقف الشيعي، ويستخدم لتغيير سامراء نفسها، أكثر من كونه موقعًا عراقيًا مشتركًا.
ونقلت الدراسة عن أحد ممثلي مدينة سامراء قوله “لم تعد سامراء كسابق عهدها، لقد تغيرت العديد من الأشياء. لا يمكننا التحدث علنًا عما يحدث هنا، نشعر بالخوف. يجري تحويل المدينة عن قصد، ونحن بلا رأي، نحن مستعبدون”.