أخبار الرافدين
طلعت رميح

انقلاب في الكيان الصهيوني!

تتكاثر وتحتد التحذيرات التي يطلقها قادة سياسيون في الكيان الصهيوني، من احتمالات الانهيار الداخلي. ووصل الأمر أن قال يائير لبيد زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق، “إن الولايات المتحدة مرعوبة مما يحدث في إسرائيل”.
ورغم توافر عوامل واحتمالات الانهيار الداخلي في الكيان، وتعمقها، إلا أن التحذيرات التي تطلق الآن، لا تبحث في تلك العوامل بقدر ما هي توظيف سياسي لمظاهرها في مواجهة ما يوصف بالانقلاب الذي يقوده بنيامين نتنياهو.
لقد تحدث رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك عن احتمالات الانهيار وقال “إن إسرائيل تعاني اليوم من تهديد واحد فقط، ألا وهو الأزمة الداخلية”. باراك تحدث عن شرخ داخلي كبير وعن تصاعد جو الكراهية بين اليهود، وأشار لاحتمالات اندلاع حرب أهلية. كما لم يعد الحوار حول الانهيار الداخلي، نخبويًا.
لقد تحدث رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ لسكان الكيان، قائلا إن الدولة العبرية “على وشك الانهيار القانوني والاجتماعي”، وضرب أمثلة من التأريخ. وقال إن غياب الحوار يمزق المجتمع من الداخل، معتبرًا أن الوضع بات يشبه برميل متفجرات على وشك الانفجار.
فماذا يجري؟
واقع الحال أن ما تحدث به هؤلاء وغيرهم، حقيقي، وأن أسباب التمزق والانهيار الداخلي في الكيان عميقة، وباتت أكثر بروزًا وتسارعًا في الفترة الأخيرة، لكن المحذرين الصهاينة يتجاهلون الأهم فيها، بل يتعمدون إخفاءه، ويقصرون رؤيتهم على قضية انقلاب نتنياهو أو الخلاف السياسي الجاري.
لقد عاشت النخبة الصهيونية أزمة انقسام عميقة بينها، بقدر ما عاش النظام السياسي مأزقًا خطيرًا، في المرحلة الأخيرة.
وجرت عدة انتخابات أعقبها تشكيل حكومات هشة، إذ كانت النتائج تأتي مناصفة بين طرفين، وسرعان ما كانت تتفكك الحكومات وتجري الدعوة لانتخابات جديدة، بفعل صوت نائب هنا أو هناك.
وما إن انتهت تلك الحالة بوصول نتنياهو للحكم مجددًا، حتى أصبح هو ومن تحالف معهم عنوانًا لأزمة أشد تعقيدًا.
لقد تحرك نتنياهو نحو تقييد صلاحيات المحكمة العليا ومنح الكنيست حق إلغاء بعض أحكامها حماية لنفسه ولحلفائه من الملاحقة القضائية في قضايا فساد، فانفجرت التوترات والمظاهرات التي ظهرت فيها ملامح مستجده تشير إلى عمق الصراع. وهنا اشتدت التحذيرات من حدوث اقتتال داخلي وانهيار.
انتشرت المظاهرات وتواصلت في نحو 30 مدينة ووصلت حد محاولة تعطيل سفر نتنياهو إلى إيطاليا وتعويق لقاءات مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الزائر. وتطور المشهد إلى ما بات يصيب قادة ونخب الكيان بالرعب. فبعد توسع الاتهامات لنتنياهو وحلف المتطرفين معه بقيادة انقلاب على الدولة والقانون وعلى أسس تشكيل الكيان، دخلت المؤسسة العسكرية على خط الصراع. قدم جنود وضباط من الاحتياط –وهم معبرون واقعيًا عن العاملين في الجيش أيضًا- عرائض تحتج على إجراءات نتنياهو بشأن القضاء. وحذروا من عدم تلبية نداء الاحتياط حال إقرار التعديلات. ودخل الطيارون الحربيون على خط الأزمة، وهم قلب القوة الجوية ومن يشنون الهجمات على سوريا وغزة الآن، وأعلنوا أنهم لن يكونوا متأكدين من قانونية الأوامر التي تصدر إليهم بالقصف في ظل إهدار المبادئ القضائية. كما بدأت حملة سحب للاستثمارات من الكيان الصهيوني، وتصاعدت حملة الدعوة للعصيان المدني ووصل أمر احتمالات التمرد إلى الشرطة وعن رفض تنفيذ أوامر حكومة نتنياهو والمتطرفين الحاخاميين، كما انتشرت دعوات وتحريض بالقتل. وذلك ما دفع القادة السياسيين للتحذير من خطر الانهيار. وهو تحذير يتوزع في اتجاهين، الأول هو محاولة قطع الطريق على انقلاب نتنياهو، والثاني هو التحذير من تفاقم الصراع ووصوله حد الاحتراب.
لكن الكيان الصهيوني ممزق ومهدد بالتفكك لأسباب أعمق يتجاهلها هؤلاء القادة. وما انقلاب نتنياهو وزمرة الحاخاميين معه، إلا ترجمة لتلك الحالة العميقة من التفكك المتعدد الأسباب.
إذا تعمقنا في الفهم فالكيان الصهيوني يعيش على وقع انقسامات حاده تصل به حد تمزق مكوناته، فهناك قضية الصراع على مؤسسات صنع القرار بين اليهود من أصول غربية “الأشكاناز” ونظرائهم من أصول شرقية “السفارديم” وهو صراع ذو طابع عنصري.
والتجمع الصهيوني شهد ويشهد في السنوات الأخيرة، حالة انقسام بين الحاخاميين “الحريديم” والعلمانيين وهي حالة انقسام تصل حد اختلاف مناطق السكن والتقاليد والمفاهيم الحياتية والسياسية بما في ذلك حالة الخدمة في الجيش الصهيوني. وهي حالة صراع خطيرة بالفعل، تتنامى الآن في ثوب السياسة، إذ هؤلاء الحاخاميون هم من حملوا نتنياهو إلى الحكم مؤخرًا وهم من يدعمون الانقلاب على أسس بناء مؤسسات الكيان الصهيوني وقوانينه العامة.
ولهذا التفكك زوايا مهمة أخرى تزيده تعقيدًا، فهناك هشاشة فكرة بناء هذا الكيان. وإذا كان هناك من حاول ملئ الفراغات في فكرة تأسيسه بطرح أفكار توراتية للإمساك بالأرض فهناك من حضر إلى تلك الأراضي لتحقيق أحلامه الحياتية فإن وجد الأرض قاتلة سيغادر هؤلاء مختلفون عن المستوطنين الأوائل وقد ظهرت شركات لتسهيل الهجرة العكسية التي كانت قد بدأت مع العمليات التي جرت في العمق الصهيوني خلال الانتفاضات السابقة.
كل هذا وغيره يتجاهله القادة المحذرون ويركزون فقط على ما يصفونه بانقلاب نتنياهو.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى