أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

إطلاق سراح الزيني يكشف انصياع الحكومة لتهديدات الميليشيات

ميليشيا الحشد تتحول إلى قوة موازية للدولة ومؤسساتها بعد وصمها بهالة من القدسية لضمان عدم إدانة زعاماتها بالجرائم الطائفية في تكريس واضح لسياسة الإفلات من العقاب.

ديالى – الرافدين
أثار إطلاق سراح القيادي في ميليشيا بدر المنضوية تحت غطاء ميليشيات الحشد الشعبي صباح الزيني، استياءً لدى الأوساط الشعبية، بعد الانصياع الواضح للقوات الحكومية لتهديدات مقربين من الزيني على الرغم من ضلوعه بعمليات قتل وخطف في محافظة ديالى، المحاذية لإيران.
واعتقلت قوة أمنية، فجر الجمعة، صباح الزيني، وهو شقيق النائب في البرلمان الحالي صلاح الزيني، وسط ترحيب واسع من سكان المدينة، بعد تورطه بعدد من الجرائم الطائفية وجرائم التصفية التي طالت خصومه في المحافظة.
واحتشد عدد من أفراد ميليشيا بدر في ديالى إلى جانب النائب صلاح الزيني الذي لوح بالتصعيد في حال لم يطلق سراح شقيقه خلال ساعات في لغة تصعيد تبين سطوة الميليشيات وتحديها الصريح للدولة كما يرى مراقبون.
ونشر صباح الزيني بعد ساعات على تهديد شقيقه رسالة مصورة على صفحته الشخصية على فيسبوك طالب فيها أنصاره في الميليشيات بضبط النفس وعدم إطلاق النار ابتهاجًا بإطلاق سراحه في خطوة عدها مراقبون بمثابة بيان للتأكيد على إخلاء سبيله من قبل القوات الحكومية.
وشهدت المحافظة المحاذية لإيران مؤخرًا سلسلة من الهجمات والمجازر التي تشير أصابع الاتهام إلى وقوف ميليشيا بدر وميليشيا العصائب خلفها بسبب دوافع طائفية وأخرى تتعلق بالصراع على المكاسب المالية المتحققة من تهريب المخدرات والبضائع القادمة من إيران فضلا عن الحرب المستعرة للسيطرة على العقارات والأراضي.
وكان مسلحون قد اغتالوا الشهر الماضي، أشهر أطباء القلب أحمد طلال المدفعي، بعد خروجه من عيادته في شارع الطابو وسط بعقوبة تزامنًا مع تنفيذ مجزرة مروعة في منطقة الجيايلة.
واتهم حينها قائممقام بعقوبة، عبد الله الحيالي، الأجهزة الأمنية بالعجز عن ضبط الأوضاع الأمنية، وتعقب المتورطين، مشيرًا إلى أن “متنفذين يقفون وراء تلك الهجمات”.
وفي مسعى لتطويق تلك الأزمات، وصل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى المحافظة الأربعاء الماضي، وأوعز بإطلاق عملية واسعة، لتعقب المتورطين بتلك الجرائم، كما أمهل القادة الأمنيين أسبوعًا لفرض الأمن، واعتقال المطلوبين، حيث أدت العملية الأولى، إلى اعتقال صباح زيني.
وتساءل عراقيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن سبب إطلاق سراحه، وفيما إذا تعرضت القوات الأمنية، إلى ضغوطات بشأن ذلك، خاصة وأن الزيني، قيادي بميليشيا بدر بزعامة هادي العامري.
وكان عدد من نواب ميليشيا “بدر”، في البرلمان الحالي، قد استنكروا عملية الاعتقال، التي وصفوها “بالمهينة والمنافية لمبادئ حقوق الإنسان” في إشارة إلى الصورة التي نشرتها أجهزة الأمن الحكومية للزيني بالملابس الداخلية إلى جوار الاسلحة والأدلة الجرمية.
ودعا نواب الميليشيا التي تفرض سطوتها على محافظة ديالى رئاسة البرلمان إلى “تشكيل لجنة تحقيقية مشتركة، من لجنة حقوق الإنسان ولجنة الأمن البرلمانيتين للتحقيق في طريقة الاعتقال”.

الحكومة تفرج عن صباح الزيني بعد أيام على اعتقاله في ديالى بتهم تتعلق بالإرهاب

وفي هذه الأثناء أعاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تداول مقطع من لقاء تلفزيوني يظهر فيه هادي العامري زعيم ميليشيا بدر التي ينتمي لها الزيني، وهو يعترف بتهديد الكتل السياسية للقضاء العراقي، مما اضطره للرضوخ عدة مرات لهم.
وأشار العامري خلال لقاء تليفزيوني إلى أنهم كسياسيين مارسوا الضغط على القضاء من أجل منع تفعيل بعض الملفات بدعوى أنها تستهدف أطرافًا معينة.
وجاءت اعترافات العامري التي أعاد المدونون تداولها لتثبت تغول الميليشيات وسطوتها وتحولها لقوة تفوق قدرتها الاجهزة الحكومية والقضاء الحالي الذي يدعي القائمون عليه بالاستقلالية.
وكان العراق قد شهد قبل عامين أسرع عملية إطلاق سراح لمتهم بالإرهاب في تاريخ البلاد على غرار ما حصل للزيني، بعد الإفراج عن قاسم مصلح، زعيم ميليشيا الحشد الشعبي في محافظة الأنبار، لعدم كفاية الأدلة، بحسب القضاء الحالي.
وكانت السلطات الحكومية قد اعتقلت مصلح، في السادس والعشرين من أيار 2021، بتهمة اغتيال ناشطين بارزين خلال ثورة تشرين، وعلى رأسهم إيهاب الوزني في مدينة كربلاء.
وتسبب اعتقال مصلح بأزمة بين ميليشيا الحشد وحكومة الكاظمي، كان من أهم فصولها محاصرة مقر رئاسة الوزراء، وسط العاصمة بغداد، من قبل قوات وصفتها الحكومة بـ “الخارجة عن القانون”.

الدكتور فراس الياس: لم يعد أحد يعوّل على الحكومة لكبح جماح الفصائل التي أصبحت اليوم قوة عسكرية واقتصادية كبيرة

وعلق أستاذ العلوم السياسية، الدكتور فراس الياس، بالقول إن “اعتماد الحكومة لاستراتيجية أنصاف الحلول، أفقدها هيبتها ومصداقيتها، فلم يعد أحد يعوّل عليها لكبح جماح الفصائل، التي أصبحت اليوم قوة عسكرية واقتصادية كبيرة”.
وأضاف أن “إطلاق سراح مصلح لا يخرج عن السياق العام لطريقة التعامل الحكومي مع الاعتقالات السابقة، التي طالت أفرادًا من الحشد، إلا أن الحكومة حاولت الحفاظ على ماء وجهها أمام الرأي العام، فألقت اللوم على القضاء، وأكدت أنها قدمت كافة الدلائل التي تدينه، لكن القضاء لم يأخذها بعين الاعتبار”.
ويفسّر أستاذ العلوم السياسية هذا التخبط في الأداء الحكومي، وعدم التوازن بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بـ “الضغوطات المحلية والخارجية، التي تعرّضت لها الدولة العراقية، لدفعها لتسوية الأزمة مع الحشد الشعبي، لأن إدانة مصلح كانت ستعني إدانة كاملة للحشد الشعبي، وهذا ما لن تستطيع الحكومة تحمّل نتائجه، فالحشد بات رسميًا جزءًا من الدولة، وتابعًا لمؤسساتها الأمنية”.
وتتعدد الأمثلة حول تغول الميليشيات وعجز الحكومة والقضاء الحالي عن مواجهتها ومن بينها تلك المتعلقة بأوامر القبض المجمدة التي لم تتمكن الحكومة من تنفيذها حتى اللحظة بسبب هالة القدسية الملازمة للحشد وزعامته ليكونوا بمنأى عن أي ملاحقة.
ففي عام 2021 تضاربت الأنباء بشأن إصدار محكمة في بغداد مذكرة لإلقاء القبض على المسؤولِ الأمني لكتائب حزب الله في البلاد حسين مؤنس فرج المعروف إعلاميًا بأبو علي العسكري، في حين توعد رئيس الوزراء السابق في حينها مصطفى الكاظمي بملاحقة من يهددون العراقيين بالسلاح المنفلت.
وبحسب تقارير إعلامية، أصدرت المحكمة القرار وفق المادة الرابعة من قانون الإرهاب، ردًا على ما يبدو على تغريدة منسوبة للعسكري على تويتر عدت بمثابة تهديد لرئيس الحكومة في حينها.
ونفت ميليشيا الحشد الشعبي وقتها إقامة مديرية الأمن دعوى قضائية لدى الجهات المعنية على حسين مؤنس فرج أو شخص يكنى أبو علي العسكري، ودعت وسائل الاعلام إلى ضرورة التعامل مع المصادر الرسمية في تناول هذه الأخبار والمعلومات في محاولة للملمة تسرب وثيقة إلقاء القبض.
وبحسب وثيقة متداولة فإن العسكري مطلوب على أساس شكوى مقدمة لمكتب أمن الحشد، وفق قانون مكافحة الإرهاب.
وبرز اسم العسكري بسبب تغريداته المتشددة والعنوان الذي يحمله بصفته “المسؤول الأمني” لميلشيا حزب الله، المعروفة بسريتها وابتعاد قادتها عن الإعلام.
ويتهم العسكري بالمسؤولية عن مقتل مستشار رئيس الحكومة السابق هشام الهاشمي الذي كان أول من ربط بين حساب ابو علي العسكري واسم حسين مؤنس، وتصاعدت حدة الاتهامات الموجهة إليه بعد مقتل الهاشمي إلى حد اضطره لنفي تلك الاتهامات علنًا.

القضاء الحالي يؤجل محاكمة المتهم بتصفية هشام الهاشمي للمرة العاشرة بسبب ارتباطه بميليشيا حزب الله

ويظهر عجز الحكومة والقضاء الحالي في مواجهة الميليشيات ومن ينتمي لها جليًا في حادثة تصفية الهاشمي التي فشل القضاء الحالي من محاكمة المتهم في عملية اغتياله حتى اللحظة.
وأجل القضاء الحالي للمرة العاشرة على التوالي محاكمة قاتل الهاشمي، في ظل الحديث المتداول عن انصياع الأجهزة الحكومية والقضاء الحالي لتهديدات الميليشيات وكل من يحاول إدانة زعاماتها بالإرهاب.
وكشف مصدر قضائي أن محاكمة قاتل الهاشمي تقرر تأجيلها للمرة العاشرة إلى السابع من أيار المقبل، بسبب تقديم طعن ثان وإرسال الدعوى إلى محكمة التمييز.
وعلى الرغم من ظهور القاتل ويدعى أحمد الكناني في تموز 2021 واعترافه بتنفيذ الجريمة خلال شهادة بثتها وزارة الداخلية الحالية، لكن لم تجر حتى الآن محاكمته وسط اتهامات لقوى سياسية بتعطيل المحاكمة، لاسيما وأن المتهم ينتمي إلى ميليشيا حزب الله الموالية لإيران.
وتشهد محافظات العراق في الآونة الأخيرة نشاطًا متصاعدًا للميليشيات التي تحاول خلق نفوذ موازي للأجهزة الرسمية وصل إلى حد المواجهة المسلحة مع بعض الأجنحة العسكرية التي اختارت الصمت وعدم المواجهة في مشهد آخر من مشاهد الضعف الحكومي في مواجهة تلك الميليشيات التي انبثقت منها حكومة الاحتلال التاسعة التي يرأسها محمد شياع السوداني.
ففي صلاح الدين المجاورة لمحافظة ديالى هاجمت قوة تابعة لميليشيا حزب الله بقيادة أبو جعفر الدراجي، في ساعة متاخرة من مساء الثلاثاء، قوة منسوبة لما يعرف بجهاز مكافحة الإرهاب بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة في تكريت ما أدى إلى إصابة المنتسب حسين نعيم والمنتسب جريان عطية التابعين للجهاز.
وأكد شهود عيان وناشطون من تكريت بتسبب الهجوم بإعطاب وإحراق 3 عجلات حكومية، فيما صدرت أوامر من قائد الجهاز بعدم الرد على مصادر النيران لتفادي تصاعد الموقف.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى