أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيالأخبارتقارير الرافدين

الأمريكيون لم يتعلموا دروس الفشل من الاصطناع المتعطش لاحتلال العراق

باحثان أمريكيان: المتواطئون في إراقة دماء العراقيين يعيدون التزييف مع المسؤولين في إدارة بوش بتزيين أقوالهم وأنهم لم يتمكنوا من التنبؤ بالفشل أو أن احتلال العراق لم يكن مشروعا فاشلا على الإطلاق.

بغداد- الرافدين
قال باحثان أمريكيان على دراية واضحة بالأوضاع السياسية والعسكرية التي آل إليها العراق بعد الاحتلال الأمريكي، إن العديد من المتواطئين في إراقة دماء العراقيين يحاولون بالفعل إعادة كتابة التاريخ. ومن مواقع مريحة في معهدي “أميركان إنتربرايز” و”هدسون” وأكثر من ذلك، قام كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش بتزيين أقوالهم من خلال وسائل الإعلام الرئيسية حول كيف أنهم لم يتمكنوا من التنبؤ بفشل مشروعهم، أو أنه لم يكن فاشلا على الإطلاق.
وكتب الباحثان باتريك فوك وإيه جيه مانوزي، دراسة بعنوان “الاصطناع المتعطش لاحتلال العراق يمكن أن يحدث ثانية” نشرتها مجلة “ناشونال إنتريست” مع مرور 20 عاما على الاحتلال الأمريكي الذي قدم مثالا تاريخيا على الفشل السياسي والعسكري.
وقال الباحثان في ذكرى شن القوات الأمريكية الحرب على العراق بذرائع لم تثبت صحتها حتى الآن، والتي جيشت لها الولايات المتحدة موارد عسكرية وإعلامية ضخمة بلا جدوى واضحة، أن إدارة الرئيس جو بايدن ربما تكرر هذا السيناريو الفاشل في سياق خصومتها الحالية مع كل من روسيا والصين.
ويرى الباحثان أنه على الرغم من كل الاهتمام الذي حظيت به هذه الجهود لمراجعة إرث الحرب، إلا أنها تتضاءل مقارنة بالجهود المتضافرة في عملية اختراق عقول الشعب الأمريكي التي حدثت قبل الحرب على العراق.
ويمكن أن يحدث هوس حرب العراق مرة أخرى. وإذا لم نتعلم منه، فإن تكرار الأجواء المحمومة في 2003-2002 يمكن أن يجعل الولايات المتحدة في أزمة مع القوى النووية مثل روسيا والصين.
ومهد عقد من العنف والحصار القاسي على العراق الطريق للحرب. وفي أعقاب القصف العنيف للبنية التحتية المدنية العراقية في حرب 1991، ركزت السياسة الأمريكية تجاه العراق في تسعينيات القرن الماضي على العقوبات القاسية التي جوعت الشعب العراقي.
وعلى مدار العقد، كان تهديد القوة النارية الأمريكية يلوح في الأفق مع العمليات القتالية المستمرة مثل مناطق حظر الطيران وعملية قصف المواقع العراقية.
وكان الشعب الأمريكي الذي تفصله آلاف الأميال عن الوضع في العراق، غارقا في سرد يحركه الترفيه من خلال تغطية الحرب التي استمرت على طوال ساعات اليوم لحرب الخليج عام 1991. وموّل بارون الإعلام روبرت مردوخ وبيل كريستول مسؤول المحافظين الجدد في عهد كل من الرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش، في تأسيس مجلة “ويكلي ستاندرد” في عام 1995.
ووفرت هذه المجلة صوتا عاما عاليا للحركة السياسية لغزو العراق والضخ باتجاه المعلومات الزائفة والقصص الملفقة على غرار كذبة “نيرة الصباح” أبنة السفير الكويتي في الولايات المتحدة سعود الصباح، التي زعمت كذبًا ان الجنود العراقيين أخذوا 500 حاضنة للأطفال الخدج في أحدى المستشفيات، وظهر لاحقًا انها لم تكن في الكويت والكذبة أعدت من قبل شركة العلاقات العامة الأمريكية “Hill & Knowlton” التي استأجرتها الحكومتان الأمريكية والكويتية.
وتحت قيادة كريستول، نشرت “ويكلي ستاندرد” قصص غلاف مثل “صدام يجب أن يرحل: دليل إرشادي” في عام 1997 ومقالات مثل “انتصار صدام الوشيك” في عام 1998، وكلها تقارن النظام العراقي المعزول تحت وطأة الحصار الدولي، بالرايخ الثالث لهتلر.
وأدى كل هذا الضغط السياسي المنسق جيدا إلى إقرار قانون “تحرير العراق” في عام 1998، وبدعم من مجاميع من العملاء العراقيين لدى الاستخبارات الأمريكية في مقدمتهم أحمد الجلبي والذي أعلن عن نية الولايات المتحدة النهائية للإطاحة بصدام حسين.
ودفعت القوات الأمريكية المحتلة عملائها من المعارضة العراقية الى الحكم بعد احتلال العراق، حيث أوصلوا البلاد الثرية بنفطها إلى هرم الدول الفاسدة عندما سرقوا ثروتها، فيما تخلفت القطاعات التعليمية والصناعية والزراعية في العراق مثل أي دولة فقيرة.
وكان المحفز للغزو هو الهجوم في 11 أيلول 2001، وبينما كان جورج دبليو بوش يركز رسميًا على محاربة تنظيم القاعدة مباشرة من خلال الحرب العالمية على الإرهاب والإطاحة اللاحقة بنظام طالبان في أفغانستان، بحلول 14 أيلول، بعد ثلاثة أيام فقط من الهجوم، تردد أن بوش تحدث عن “ضرب” العراق.
ولم تدعم الحقائق وجود صلة بين هجوم 11/9 والعراق. ومع ذلك، عملت الحكومة الاتحادية مع احتكارها للاستخبارات العسكرية الحساسة، بلا هوادة لاختلاق تلفيقات جديدة.
وروج مكتب الخطط الخاصة التابع لوكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية دوغلاس فيث لمحاولة جمع وتعميم المعلومات الاستخباراتية التي تزعم ربط صدام حسين بتنظيم القاعدة، مما أكسبه لقب “مهندس حرب العراق”.
وكلفت الإدارة الوجه التلفزيوني في حرب الخليج، وزير الخارجية آنذاك كولن باول، بالدعوة إلى غزو في الأمم المتحدة. وزعم كذبا الحصول على معلومات عن أسلحة العراق الكيمائية، وبعد سنوات من انكشاف الفضيحة تذرع أنه اعتمد على معلومات استخبارية كاذبة.
ووجدت وسائل الإعلام الرئيسية بهذا المسار المباشر فرصة لقصص أخباريه مزيفة وملفقة عن العراق تدفع باتجاه الحرب.
وكتب ماكس بوت، وهو من المحافظين الجدد، مقالا في مجلة “ويكلي ستاندرد” بعنوان “قضية الإمبراطورية الأمريكية”، قارن فيه التدخلات الأمريكية في العراق وأفغانستان بانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية.
واعتمدت التقارير الواردة من صحيفة نيويورك تايمز بشدة على الشهادات الكاذبة لمعارضين عراقيين وعملاء للنظام الإيراني، حيث لفقوا قصصًا لا تنطلي على أحد من أجل شن الحرب على العراق.
وكتبت هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست مقالا بعنوان “أمر لا يمكن دحضه” في إشارة إلى مزاعم الإدارة عن محور العراق والقاعدة وأسلحة الدمار الشامل العراقية.
ووصف كاتب خطابات بوش السابق ديفيد فروم المعارضين اليمينيين للحرب بأنهم “محافظون غير وطنيين” في مقال لمجلة “ناشيونال ريفيو”. وتم تهميش كل معارضة للحرب بشكل منهجي.
ومع تغطية وسائل الإعلام المطبوعة، ملأ مقدمو البرامج الحوارية موجات الأثير في الضغط من أجل غزو العراق والدفاع عنه لاحقا.
وظهر الآباء المؤسسون لجهود تدمير العراق مثل كريستول وستيفن هايز بشكل متكرر على قنوات مثل “فوكس نيوز” و”سي إن إن” و”إم إس إن بي سي” و”سي-إس بي إيه إن”، حتى أن محطة “إم تي في” كانت تبحث عن نقاد المحافظين الجدد ومسؤولي إدارة بوش.
ويشترك الديمقراطيون الأقوياء والمثقفون من الشخصيات العامة من يسار الوسط في التواطؤ في الدفع نحو الحرب.
ودعمت المؤسسات الإعلامية اليسارية مثل “ذا نيو ريبابليك” الغزو. وظهر ما يلقب بصبي أحمد الجلبي، انتفاض قنبر على الإذاعة الوطنية العامة “إن بي آر” ومع أوبرا وينفري. ثم تجاهل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جو بايدن مخاوف زملائه الديمقراطيين بشأن الحرب.
وتم طرد مذيع “إم إس إن بي سي” فيل دوناهو بسبب مخاوف بشأن مقاومته للحرب، حيث استعدت الشبكة لتغطية الحرب طوال أيام الأسبوع على مدار الساعة.
وتواصل وسائل الإعلام المعاصرة الاعتماد على المصفقين في حرب احتلال العراق كأصوات جديرة بالاحترام في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتستخدم العديد من الاقتراحات نفسها التي فشلت بوضوح قبل عقدين.
وتصف آن أبلباوم أي شيء أقل من تغيير النظام في روسيا المسلحة نوويا بأنه “استرضاء”.
وأولئك الذين قادونا إلى الصراع في عام 2003 حول أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة يحاضرون الآن جمهورا أكثر حذرا بأنهم إذا كانوا يخشون الحرب النووية مع روسيا، فإنهم يلتمسون أعذارا لفلاديمير بوتين.
ولعل أخطر ما في تشكيل الرأي هو الصين. ويحاول المفكرون البارزون والمسؤولون المنتخبون تعريف الحرب مع الصين على تايوان على أنها حتمية والتزام. لكن من المتوقع أن يموت عدد أكبر من الأمريكيين يوميا في الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب في تايوان أكثر من أي حرب سابقة باستثناء الحرب العالمية الثانية. وهذا الرقم متفائل حتى بالنظر إلى أنه يفترض أن الحرب لن تصبح نووية. وتتطلب هذه الآفاق القاتمة مناقشة أكثر رصانة مما كانت عليه قبل احتلال العراق.
وبعد عشرين عاما من دور بايدن في الأسطورة العراقية الملفقة، قدم فريقه “محور الشر” الخاص به، في صراع وجودي بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، والحقيقة الخطيرة هي أن هذه الروايات المحمومة يمكن أن تجعل الديمقراطيات تتصرف مثل الأنظمة الاستبدادية بخنق النقاش المفتوح الذي يساعد الديمقراطيات على تجنب الكارثة.
ويرى الباحثان باتريك فوك وإيه جيه مانوزي، أنه مع صعود جيل جديد، جيل لا يتذكر السباق إلى الحرب في العراق، يجب ألا ننسى الجنون الذي سبق هذا الخطأ الفادح. لقد حدث ذلك من قبل، ويمكن أن يحدث مرة أخرى.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى