أخبار الرافدين
طلعت رميح

من أي نوع كانت الحرب على العراق؟

في ذكرى العدوان على العراق، فأكثر الأسئلة التي لا تزال بحاجة لإجلاء إجابتها، هي: من أي نوع كان هذا العدوان وتلك الحرب؟ ذلك أن نوع الحرب هو ما يحدد خطتها وأساليبها ويحدد المدى الزمني لإنفاذها.
ما عاد يكفي القول إنها كانت حربًا لسرقة ثروات العراق والسيطرة على مقدراته، أو إنها حرب لاحتلال العراق وتغيير نظامه السياسي والاقتصادي بالقوة فنحن أمام نمط مختلف عما جرى في كوريا واليابان مثلًا.
وما عاد يكفي القول، إن الحرب استهدفت تغيير خارطة التوازنات الاستراتيجية في الإقليم وأن كل ما جرى كان لمصلحة الكيان الصهيوني إذ إن المشروع الصهيوني هو مشروع غربي في أول الأمر وآخره.
لقد استهدفت الحرب كل ذلك وغيره، لكنها كانت حربًا حضارية استهدفت تغيير البنية الحضارية لا في العراق وحده بل في قلب العالم الإسلامي، بما يحدث تغييرًا شاملًا أو كليًا في صراع تأريخي متمدد لقرون
كانت حربًا لتدمير البنى الحضارية الإسلامية التي تشكلت منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، وتفكيك البنى الاجتماعية التي حفظت وفعلت هذا التاريخ العميق، وكان ذلك خلف استدعاء الغرب لإيران للقيام بدورها في هذا المجال تحديدًا.
والشواهد على طبيعة الحرب ونمطها ماثل ومتفاعل ليس فقط في الدول التي دمرت مجتمعاتها وبناها الحضارية فعليًا بتمدد تلك الحرب، ولكن أيضًا في الدول الأخرى وإن عبر أدوات مختلفة.
وقد أثبتت الحرب مدى هشاشة الجيش الأمريكي حين يحارب مقاومون ذوو بأس لا يهابون الموت ولا ينخدعون بما روج بأن تكنولوجيا الغرب ليس لأحد أن يواجهها. لقد قاوم أهل العراق الجيش الأمريكي المسلح بأعلى أدوات التكنولوجيا وبأعلى خلاصات التجارب من فيتنام إلى كوريا وأعطبوا قدرة هذا الجيش.
لكن الأهم أن أثبتت تجربة المقاومة أن الحرب كانت نتاجًا لتراجع وارتداد الحضارة الغربية، إذ إن أهم ما كشفته المواجهة أن جيوش الغزاة بلا أخلاق ولا قيم ولا تلتزم بأية قوانين لا مع المدنيين ولا الأسرى.
وأثبتت الحرب مدى هشاشة البناء الديموقراطي في الدول الغربية ومدى زيفه، إذ تقرر العدوان من خلف ظهر الشعوب والمؤسسات. في الولايات المتحدة كان قرار الغزو متخذًا مع وصول جورج بوش الابن للسلطة، وقد أعلنها القائد الأمريكي السابق لحلف الأطلنطي ويزلى كلارك بأن الحرب على 7 دول عربية تقررت فور دخول بوش البيت الأبيض.
وظهر أن القادة الغربيين اعتمدوا أدوات الكذب المخطط والتضليل للتغلب على رفض شعوبهم وشعوب العالم الحية لإطلاق عدوان إجرامي لا سبب ولا مبرر له .لم يكن الأمر في الولايات المتحدة فقط بل كان في بريطانيا، إذ انتحر المسؤول الذي كشف تضليل توني بلير للشعب والبرلمان البريطاني.
وحين اكتشف الجميع تعمد قادة الولايات المتحدة وبريطانيا الكذب والتضليل، فشلت الديموقراطية الغربية في محاكمة المجرمين، وترك الأمر لهم لمراجعة أنفسهم وكأن ملايين الضحايا وكل هذا الدمار لا يستحق مجرد محاكمة حتى لو كانت صورية، إذ الحضارات المتراجعة لا تهتم بصورتها وبريقها الحضاري المستنفد.
ولقد أيقن الناس الآن، أن الحرب لم تكن سوى نتاج لحضارة متراجعة وهو ما يشهد عليه الآن العالم كله. وإذا كان نيكسون قد ظل يردِد في خطاباته للجيش والشعب الأمريكي خلال الحرب على فيتنام: “الله مع أميركا، الله يريد أن تقود أميركا العالم”،فقد تحدث جورج بوش الابن صراحة  أن الحرب على العراق هي حملة صليبية مقدسة.
لقد كان جوهر الاستراتيجية العليا للعدوان، هو شن حرب حضارية. كانت الحرب على العراق فاتحة حرب الحضارات. كانت حربًا على الحضارة الإسلامية وموضعها العراق، ومنه تمددت ولذلك هي مستمرة حتى الآن.
كانت حربًا على الهوية وتلك هي الأخطر من بين أنواع الحروب. والأسوأ فيها هي تلك التي تخوضها جيوش حضارات متراجعة، إذ تصبح الحرب همجية بكل معنى الكلمة. وكانت حربًا تصنف ضمن حروب الحضارات التي تقوم على الإبادة الشاملة والمحو لكل ما أنتجت الشعوب عبر تاريخها. ما جعلها حربًا مبنية على الأكاذيب إذ لا عنوان فعليًا صحيحًا لشنها، من أسلحة الدمار الشامل إلى الصلات بالمتهمين بالإرهاب.. إلخ.
وذلك ما يفسر ما جرى من أعمال تدمير شاملة طالت كل القيادات والشخصيات المرجعية والرموز الحضارية لا المادية والمؤسسات والثروات فقط ويفسر ما جرى من أعمال طرد وإجلاء للسكان الأصليين بالقهر عبر المذابح، وإحلال سكان وبنى حضارية مختلفة، محلهم.
وذلك ما يفسر ما عاشه ومازال، العراق، من بحور الدم وأعمال التعذيب التي لم تستهدف إضعاف قدرة المقاومة فقط بل بناء الشخصية العراقية
ويمكن القول، إن لعبة إظهار المتعاونين مع الاحتلال بمظهر المقاومين، هو جزء من خطة تلك الحرب لتغيير الهوية.
لا يمانع الأمريكيون بل هم راغبون في حدوث هذا التزييف ضمن خطة وأهداف تغيير الهوية الحضارية. هم الآن يعملون على تثبيت تلك المجموعات التي تحمل هوية أخرى بديلة للهوية الأصلية للعراق

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى