تصارع الأحزاب يزيد النقمة الشعبية ويضرم نار الاحتجاجات في العراق
ثوار تشرين وقوى وطنية ترفض الرهان على التغيير من داخل العملية السياسية المفصلة وفق مقاس الأحزاب الحاكمة، وتعده رهانًا فاشلا.
بغداد – الرافدين
شهدت عدد من المدن العراقية حراكًا متزايدًا لمتظاهرين وناشطين ضد أحزاب السلطة الحاكمة وقراراتها التي تهدف الى زيادة نفوذها وتحقيق أجندتها على حساب المصلحة الوطنية.
ويشير مراقبون إلى أن ممارسات السلطة الحاكمة والقمع المستمر للمتظاهرين وما يقابله من إقرار قوانين تصب في مصلحة الأحزاب والميليشيات التابعة لها ستزيد من النقمة الشعبية لهذه السلطة وهو ما ينذر باندلاع ثورة أخرى كثورة تشرين لكن بزخم أكبر تهدف إلى إزاحة الفاسدين والعملية السياسية بشكل نهائي.
وأقدم متظاهرون في محافظة ذي قار على إغلاق شوارع وطرق رئيسة وسط مدينة الناصرية ومداخل ساحة الحبوبي بالكتل الخرسانية رفضًا لسياسة حكومة الإطار التنسيقي والأحزاب الأخرى المشاركة معها.
وأعلن متظاهرو ساحة الحبوبي في الناصرية عن توسيع اعتصامهم المفتوح وعزمهم على نصب عدد من الخيام وسط الساحة.
وكان متظاهرو تشرين قد هددوا بالتصعيد حال مررت الأحزاب قانون “سانت ليغو” الانتخابي والذي يتيح للكتل السياسية المتنفذة البقاء في السلطة وعدم محاسبتها على فسادها.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن القانون الجديد الذي مررته قوى الإطار التنسيقي سبق وأبطل العمل به عام 2018 بضغط من متظاهري ثورة تشرين.
وتسعى القوى المسيطرة على المشهد السياسي في العراق إلى الاحتفاظ بنفوذها بوسائل شتى، وبعد أن اضطرت في لحظة غضب شعبي إلى الانحناء لعاصفة تشرين، تعود مجددًا لممارسة هيمنتها عبر إقرار قوانين تصب في مصالحهم وإدامة نفوذهم.
وقالت مصادر صحفية من محافظة بابل إن “المتظاهرين قاموا بقطع الطريق الرابط بالمحافظات الجنوبية بالإطارات المحترقة احتجاجًا على تمرير تعديل قانون الانتخابات وإعادة مجالس المحافظات”، فيما أعلنوا منع دخول النواب الذين صوتوا لصالح القانون إلى بابل.
وأكد متظاهرون على أن “العودة إلى قانون الانتخابات بنسخة سانت ليغو يثبت مرة أخرى أن الرهان على التغيير من داخل العملية السياسية والمبنية على المحاصصة، والمفصلة وفق مقاس الأحزاب السلطوية هو رهان فاشل”.
وطالبوا خلال التظاهرات بإسقاط العملية السياسية برمتها وذلك من خلال الهتافات والبيانات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشددين على أن الشعب العراقي يأس من هذه العملية ومن وجوهها وأن الانتخابات الأخيرة التي شهدت مقاطعة غير مسبوقة كانت دليل بيّن على أن الشعب العراقي نفض يده من هذه العملية التي أوصلت البلد إلى الحضيض.
وعد المتظاهرون إن تمرير مثل تلك القوانين يعد فشلًا لما يعرف بالنواب المستقلين الذين ركبوا موجة تظاهرات تشرين.
ويرى مراقبون أن الالتفاف على أحد أبرز مكاسب ثورة تشرين من شأنه أن يدفع للعودة إلى الشارع مستفيدين من حالة الغضب الشعبي على سياسات حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني والأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي يعيشها البلد، خاصة أن الأحزاب الكبيرة أثبتت مجددا أنها لا تفكر سوى في استمرار سيطرتها على الحكم وضرب أيّ محاولة لتشكيل معارضة داخل البرلمان.

ويرى الباحث السياسي في “ذي سنتشري فاونديشن” سجاد جياد أن اعتماد الدائرة الواحدة “يسهّل إمكانية فوز سياسيي الأحزاب بمقاعد”، في المقابل “يجعل من الصعب على مرشحي الأحزاب الصغيرة والمستقلة الفوز في المنافسة على مستوى المحافظات”.
وكتب سجاد جياد في تغريدة على حسابه في تويتر أن احتساب الأصوات على الطريقة النسبية “يخدم الأحزاب الكبيرة ويجعل من الممكن بالنسبة إلى مرشحيها الذين لم يحصلوا على ما يكفي من الأصوات أساساً الفوز بمقاعد”.
وأقدمت القوات الحكومية بدورها على اقتحام ساحات التظاهر والاعتداء على المتظاهرين والمعتصمين مما أدى إلى إصابة عدد من المتظاهرين بجروح.
وتوقع مراقبون أن تشهد الأيام المقبلة تصعيدًا جديدًا في عدد من المدن العراقية لاسيما بعد أن أحرقت القوات الحكومية خيام المعتصمين في ساحة الحبوبي وسط الناصرية واعتقال عدد من المعتصمين.
وحذرت مؤسسة “النور الجامعة” المعنية بمراقبة الانتخابات والبرامج المدنية الأخرى من أن تعديل قانون الانتخابات الجديد سيحول ديالى إلى ساحة حرب متعددة الجوانب.
وقال مدير مؤسسة النور أحمد جسام إن “القانون الانتخابي بتعديلاته الأخيرة سيحول ديالى الى ساحة صراعات وتصادمات مفتوحة خلال الانتخابات والرابح فيها من يملك النفوذ والمال والأساليب الأخرى التي تتعدى قواعد الانتخابات والمنافسة”.
وأضاف أن “محافظة ديالى تتسيدها الأحزاب والقوى الكبيرة المهيمنة على السلاح والسلطة وأن تعديل القانون الجديد سيعقد الأمر في المحافظة”.
وتشهد المدن العراقية بشكل مستمر تظاهرات منددة بالفساد وسوء الإدارة وانعدام الخدمات فيها إضافة إلى تظاهرات الخريجين والعاطلين عن العمل الذين يطالبون بتوفير فرص عمل لهم، ودائمًا ما تواجه تلك التظاهرات بالقمع الحكومي بالحديد والنار، بدلًا من وضع حلول لهم.