أخبار الرافدين
طلعت رميح

سؤال المليون في حرب إنهاء هيمنة الدولار!

لم يعد إقصاء الدولار عن عرش هيمنته على اقتصادات العالم واستنزافه لها، مجرد أمنية تراود الدول المعادية للولايات المتحدة.
لقد قطعت الحرب على الدولار شوطًا كبيرًا، بعد أن وضعت آلياتها وبدأت في الدوران ووصل الحال أن وضع الأمر على جدول أعمال بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة.
والحرب على الدولار ليست حالة رمزية لإنهاء هيمنة أمريكا، بل هي صراع إستراتيجي دامٍ لتغيير توازنات الوضع الدولي فالدولار القادم من الخارج للخزائن الأمريكية، هو مال حقيقي ناتج عن دورة إنتاج جرت في شرايين اقتصادات دول العالم، مقابل جهد أمريكي لا يتعدى طباعة أوراق العملة.
والدولار يجلب لأمريكا مالًا حقيقيًا عبر دوره كوسيط خلال عمليات التبادل بين اقتصادات العالم، ويمنحها القدرة على ممارسة الضغوط والتهديدات لمختلف دول العالم، ويمكن الولايات المتحدة من استنزاف مدخرات دول العالم الناهضة لصالح دولة مفلسة، إذ بلغ الدين الأمريكي أكثر من 125 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لقد تخطت الحرب على الدولار ما كان يثار من سؤال المليون: هل إضعاف الدولار مقدمة لإضعاف أمريكا، أم إن ضعف أمريكا هو ما يمهد لإضعاف الدولار؟
انتهى التردد وولجت كثير من دول العالم، الحربين معًا. لقد بدأت قصة هيمنة الدولار منذ مؤتمر بيرتون وودز فى عام 1944، حيث اتفقت 44 دولة حليفة على إنشاء نظام نقدي دولي يقوم على ربط عملاتها بالدولار وبعدها تشكلت إمبراطورية الدولار، إذ أصبح تقييم معظم المعاملات المالية بين الدول وحساب الديون الدولية ومعظم احتياطات النقد الأجنبي للدول، يتم بالدولار.
ولم يخل هذا التأريخ الطويل لصعود وهيمنة الدولار، من محاولات التصدي للصوصية اعتماده كوسيط عالمي.
لكن للمفارقة، كانت أوروبا أول من هز عرش الدولار.
قبل إطلاق أوروبا اليورو عام 1999، كانت نسبة هيمنة الدولار على احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية للحكومات والبنوك المركزية بالدولار نحو 71 بالمائة، فتراجعت عام 2019 إلى نحو 62 بالمائة، وجاء اليورو في المرتبة الثانية بنسبة 20 بالمائة.
وتراجعت نسبة الدولار مجددًا عام 2021، إذ مثل الدولار نحو 59 بالمائة فقط، من تلك الاحتياطات في جميع أنحاء العالم. جرى الأمر، ضمن حراك القوة الاقتصادية بين الاقتصادات الغربية. لكن الأمر تغير بعد انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا.
لقد بدأت دول وازنة وتكتلات دولية الحرب على الدولار، ووضعت آليات واتخذت إجراءات عملية، معلنة. ونظر العالم إلى عملية تجميد نصف قيمة الاحتياطات لدى البنك المركزي الروسي، كسابقة قابلة للتكرار ضد أي دولة أخرى. قبلها كانت الدول تهمس حينًا وتصرخ حينًا بأن الاقتصاد الأمريكي بات وضعه خطيرًا، فجاءت الحرب والعقوبات لتوفر الفرصة لها لاتخاذ إجراءات عملية
في قمة البريكس المنعقدة عام 2022، جرى الإعلان عن بدء التحضير لإنشاء عملة دولية جديدة بديلة عن الدولار.
وبدأت روسيا في تنفيذ خطتها لإنهاء هيمنة الدولار، فحولت ما بقي من احتياطاتها النقدية إلى اليوان الصيني بديلًا عن الدولار واليورو، وبدأت حركة للتبادل التجاري بينها والدول الأخرى بالعملات الوطنية، وعلى أساسها جرى تحويل مدفوعات إمدادات الغاز الروسي للصين والتجارة بينهما لليوان والروبل بدلًا من الدولار، وهو ما حدث مع الهند وتركيا وغيرها.
كانت بداية اتجاه عالمي، إذ وقعت الصين والبرازيل –أي أقوى اقتصاد في آسيا وأقوى اقتصاد في أمريكا اللاتينية-اتفاقية للتبادل التجاري بينهما بالعملات الوطنية وباتت صفقاتهما التجارية الهائلة لا تمر من بوابة الدولار وهو أمر توسع في العالم.
وقد لفت تقرير للمجلس الأطلسي لاحتمال ابتعاد عدد من البلدان عن الدولار، بأسرع مما كان متوقعًا. والأهم أن تحدث التقرير بأن الابتعاد عن الدولار لا يجري من دول عدوة للولايات المتحدة، بل حتى من دول حليفة لها. وعلى صعيد آخر، فقد جرت حالة تكالب على شراء الذهب. وتخزين الذهب ليس إلا عملية للتخلص من الدولار.
كما كان لافتًا، أن أوقف كثير من حلفاء الولايات المتحدة، تأييدهم وتنفيذهم للقرارات الأمريكية، بفرض العقوبات على الدول الأخرى.
لقد أخذت الكثير من الدول موقفًا حياديًا حفاظًا على مصالحها مع الصين كأكبر مورد للسلع ومع روسيا كأكبر مورد للمواد الخام. والأهم أن تحركت دول من أصدقاء الولايات المتحدة، باتجاه الصين وروسيا، متجاوبة مع إجراءاتها التي اتخذت ضد الدولار.
وقد وفرت حالة الحرب المتنامية ضد الدولار الفرصة للصين، لتسريع التغييرات في البنية التحتية للتمويل الدولي عبر الدفع بنظامها الخاص للمدفوعات، بديلًا عن نظام سويفت الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة وأوروبا
وهكذا فقد ارتبطت معركة تغيير النظام الدولي انطلاقًا من حرب أوكرانيا وقضية تايوان لإحلال نظام تعدد الأقطاب محل النظام المهيمن عليه أمريكيًا، بإنهاء هيمنة الدولار وإحلال نظام مالي متعدد العملات أيضًا.
لقد انطلقت حرب عالمية ضد هيمنة الدولار، وفقًا لآليات اقتصادية ومالية تقف خلفها إرادات سياسية، لكن سقوط هيمنة الدولار لن يكون بين يوم وليلة يحتاج الأمر لعدة سنوات قادمة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى