حكومة الإطار التنسيقي تنسف آمال الموظفين بعد تراجعها عن تعديل سلم الرواتب
رواتب الدرجات الخاصة والرئاسات الثلاث وكبار الموظفين تستنزف خزينة الدولة وتكرس الفوارق الاجتماعية بالمقارنة مع رواتب الموظفين من الدرجات الدنيا.
بغداد – الرافدين
نسف نفي حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، الأنباء التي تم تداولها بشأن إرسال قانون سلم الرواتب الى مجلس النواب بهدف تمريره، آمال شريحة الموظفين من أصحاب الدخول الضعيفة المعقودة على تحسين قانون الخدمة المدنية بعد الغلاء الكبير وتراجع المستوى الاقتصادي الذي أعقب خفض قيمة العملة.
وتجاهلت الحكومة أصوات الشرائح المتضررة من سلم الرواتب الحالي والتي تتطلع لتمرير السلم الجديد على الرغم من حراكها المتواصل منذ أسابيع لاعتماد السلم المقترح.
وشهدت بغداد وعدد من المحافظات تنظيم تظاهرات واعتصامات للموظفين لاسيما المعلمون منهم ممن تظاهروا أكثر من مرة أمام نقابتهم في بغداد للضغط عليها لإعلان الإضراب لإجبار الحكومة على تعديل سلم الرواتب بعد غلاء المعيشة وانخفاض قيمة الدينار وتأثيره على حياة الموظفين.
وأكد خبراء اقتصاديون على أن كل ما يشاع عبر المواقع الإخبارية من وعود لا يعدو كونه مجرد تصريحات إعلامية على الرغم من الحيف الكبير الذي تعيشه شرائح الموظفين ممن يتطلعون لتعديل سلم الرواتب.

وقال مدير المركز العراقي الاقتصادي وسام حدمل الحلو أن “النسخ التي سربت لمواقع التواصل ما هي إلا مقترح قانون لم يكتب من الحكومة ولم تصدر قرارًا بشأنه مطلقًا”.
وأضاف أن المقترح تضمن فقرات برفع رواتب الدرجات الدنيا وهو ما يحتاج إلى مبالغ اضافية كبيرة قد تسهم في زيادة نسبة العجز في الموازنة والمقدرة بأكثر من 63 ترليون دينار وفقًا للحكومة وهو ما يعني استحالة تطبيقه هذا العام”.
وبين أن “آخر سلم رواتب اقره مجلس النواب العراقي صدر في عام 2008 قبل 15 عامًا وأي سلم رواتب جديد لن يصدر بمفرده ما لم يكن جدولًا ملحقًا بقانون الخدمة المدنية الذي لم يشرع حتى الآن، ومازال حبيس أدراج مجلس النواب منذ العام 2015”.
ولفت الحلو إلى “وجود تباين حقيقي في الرواتب يبين مدى الحيف والظلم الذي يقع على عدة شرائح من الموظفين، إذ أن هنالك فوارق تصل للأضعاف لصالح رواتب ومخصصات الرئاسات وبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية قياسًا برواتب غالبية مؤسسات الدولة، ولابد من تعديلات منصفة يقدرها خبراء لتحقيق العدالة بعيدًا عن المجاملات والمحسوبيات”.
وعلى مدار الأيام الماضية تفاعل العديد من الموظفين على وسم #سلم_الرواتب_مطلبنا في محاولة للضغط على الحكومة لتمرير هذا القانون الذي عدوه ضرورة ملحة تمس حياة الكثير من العائلات.
وكانت اللجنة المالية النيابية أجرت مناقشات واسعة لقضية الرواتب وتداعياتها، وأعلنت منتصف تشرين الثاني الماضي تأييد إلغاء امتيازات المسؤولين.
وأبدى عدد من النواب العزم على إيجاد تشريعات جديدة أو تفعيل قوانين مجمدة من أجل إلغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة تحت الضغط المتصاعد والمطالبات الشعبية بتقليص رواتب كبار المسؤولين وإلغاء الفوارق الهائلة بين رواتب كبار المسؤولين وباقي الموظفين لغياب العدالة عنها بعد أن بلغت أرقامًا خيالية، بالتزامن مع الضائقة الاقتصادية ونقص الخدمات واتساع مساحة الفقر والبطالة في البلاد.
وسبق أن شكل البرلمان لجنة مشتركة من مختلف الوزارات تعمل على تعديل سلم الرواتب وإكماله، ضمت عددًا من الخبراء والمتخصصين والموظفين والمهنيين قبل أن تتراجع الحكومة في إعلانها الأخير حول نفي رفع مقترح التعديل للبرلمان للتصويت عليه.

وفي موازاة الحديث عن سلم الرواتب يبرز الحديث عن قضية رواتب الرئاسات والموظفين والمتقاعدين في العراق، البالغة نحو 43 مليار دولار سنويًا، والتي تعد من أكبر أبواب الفساد التي تكبد الدولة مبالغ طائلة تشكل ميزانيات عدة دول في المنطقة.
وسبق أن شرع البرلمان بدورته السابقة مايعرف بقانون 28 لسنة 2019 لتخفيض رواتب ومخصصات كبار المسؤولين التي تشكل أكثر من نصف رواتب موظفي الدولة، في خضم ثورة تشرين عقب خروج الملايين في تظاهرات عارمة للمطالبة بإسقاط الأحزاب الفاسدة وميليشياتها ومكافحة الفساد.
وحدد قانون 28 لسنة 2019 رواتب المسؤولين الكبار، ومنهم راتب رئيس الوزراء بـ 8 مليون دينار زائد 4 مليون مخصصات والوزراء 4 مليون و2 مليون مخصصات، ولكن الواقع الآن، ان الرئيس يستلم نحو 48 مليون والوزير 24 مليونًا والنائب 12 مليونًا حسب المصادر المالية.
ويشير مختصون أن اختراع فقرة “مخصصات المنافع الاجتماعية” لكبار المسؤولين التي تتجاوز أضعاف الرواتب الأصلية، هي التفاف على القانون 28 في وقت كانت فيه النسبة بين أعلى وأقل راتب قبل الاحتلال 20 بالمائة فقط أما الآن فإن النسبة تصل إلى 120 بالمائة.
وعلى الرغم من أن أعداد الرئاسات والدرجات تشكل 5 بالمائة من موظفي الدولة، إلا أنهم يحصلون على أكثر من نصف مرتبات جميع موظفي ومتقاعدي الدولة.
وكان وزير المالية الأسبق فؤاد حسين، قد قدر في إحدى تصريحاته بلوغ “نفقات الرواتب والمخصصات بالموازنة إلى نحو 43 مليار دولار منها 23 مليار دولار للرئاسات والدرجات الخاصة”.
ومن نماذج الرواتب الفلكية للمسؤولين أن الراتب التقاعدي الشهري لأول رئيس جمهورية تحت الاحتلال الأمريكي عام 2004 غازي الياور، والذي خدم لمدة أشهر، بلغ نحو 61 مليونًا و680 ألف دينار عراقي وكلّف مجموع الرواتب التقاعدية التي تقاضاها من بداية 2004 ولنهاية 2019 ميزانية الدولة قرابة 11 مليار دينار عراقي تضاف لها رواتب الحمايات والمخصصات الأخرى.
وتؤشر الانتقادات أيضا لثغرات كثيرة أخرى منها قضية الرواتب المزدوجة التي يتقاضاها آلاف المسؤولين وقادة الأحزاب المتنفذة، وهي مخالفة للقوانين في العراق التي تحدد راتبًا واحدًا للموظف”.
ومن جملة ما يثير الرأي العام ما يعرف برواتب رفحاء، التي يحصل عليها اللاجؤون في مخيم رفحاء في السعودية ممن هربوا من العراق عقب مشاركتهم في أحداث عام 1991 وتنفيذهم عمليات تخريبية ضد الدولة.
ويتقاضى لاجؤو رفحاء رواتب خيالية هم وجميع أفراد عائلاتهم حتى الأطفال الذين يولدون حاليًا، وترفض الأحزاب المتنفذة تخفيض تلك الرواتب لأن الكثير من قادتها مستفيدون منها.
وفي المقابل يعد مراقبون وموظفون تعديل سلم الرواتب أمرًا لابد منه لتحقيق العدالة الاجتماعية، بين الموظفين وبين هذه الشرائح المستفيدة ما ينعكس إيجابًا على تمكين الدولة، من إضافة درجات وظيفية أخرى وبنفس الأجور التي تنفقها الآن، من خلال تخفيض الرواتب المبالغ فيها.

وعلق المحلل الاقتصادي مصطفى حنتوش، على الموضوع بالقول إن، “مؤسسات الدولة تعاني من الدرجات الخاصة التي تقدر بنحو 8000 درجة يتقاضى أصحابها رواتب انفجارية”.
ودعا حنتوش، إلى “إلغاء الامتيازات العملاقة للدرجات الخاصة وتوجيه أموالها إلى الوزارات التي لا تمتلك حوافز وإيرادات، وكذلك النواب والوزراء والرئاسات”.
ولفت إلى أن “العراق يعاني من تفاوت في رواتب الموظفين لاسيما بالنسبة للوزارات التي تتمتع بإيرادات مثل النفط والكهرباء والخارجية وغيرها من الجهات الحكومية السيادية التي تتمتع بحوافز ومستحقات مالية كبيرة”.
وأشار إلى أن “هناك وزارات أخرى تكون رواتبها ضعيفة مثل التربية والموارد المائية والثقافة، وأن موظفًا في درجة معينة ويحمل شهادة جامعية يأخذ راتبًا بنحو 600 ألف دينار لكن هناك آخر بنفس الدرجة والشهادة يأخذ راتبًا يصل إلى 2.5 مليون دينار”.
بدوره يرى المعلق الاقتصادي حمزة الحردان “وجود العديد من العوامل التي تدفع إلى تعديل سلم الرواتب منها تغيير سعر صرف الدولار والأزمة الاقتصادية والارتفاع الكبير في الأسواق المحلية”.
وطالب، الحردان بـ “إعادة دراسة الوضع الاقتصادي لشرائح المجتمع ومنها الموظفين، لأن المستحقات التي تدفعها الدولة إلى العاملين في مؤسساتها تؤثر على الدورة الاقتصادية بشكل كامل”.
ولفت إلى أن “عملية إعادة سلم الرواتب سوف تأخذ من الخزينة، كونها ستشهد رفعًا لرواتب أصحاب الدرجات الدنيا، وهذا يضعنا أمام ضرورة أن تكون لدى الوزارات قدرة على التمويل الذاتي وعدم الاعتماد على الموازنة”.
ومنذ احتلال العراق قبل عشرين عامًا فتحت الحكومات، الباب واسعًا أمام التعيينات في دوائر الدولة العراقية كجزء مهم من حملتها الدعائية للانتخابات، مقابل أجور لاتغطي بأحسن الأحوال تكاليف الحياة الباهظة الأمر الذي رفع عدد العاملين في القطاع العام من 850 ألفا عام 2003 إلى أربعة ملايين موظف وعامل وأجير ومتعاقد يتقاضون نحو 43 تريليون دينار عراقي سنويًا.