هيئة علماء المسلمين: الساسة الطائفيون أغرقوا العراق في الديون والصراعات الداخلية
بعد عشرين عامًا من احتلال العراق سياسيو العملية السياسية متمسكون بمناصبهم وأعطياتهم وفسادهم المستشري، ويعملون على تأسيس دولة الطغيان والتنكيل والقتل التي ادعوا أنهم جاؤوا لتغييرها.
عمان- الرافدين
قالت هيئة علماء المسلمين في العراق إنه؛ إن حكومات الاحتلال التي جاءت لتنفذ مشروعه بطرق مختلفة؛ بدأت بالتعيين وانتهت بتغيير نتائج الانتخابات، وتبادل الأدوار بعيدًا عن “الديمقراطية” المزعومة التي جاؤوا يبشرون بها.
وشددت الهيئة التي تعد في مقدمة القوى الوطنية الرافضة للعملية السياسية، على أنه بعد مضي عقدين كاملين على احتلال العراق من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؛ تمضي السنين وهم متمسكون بمناصبهم وأعطياتهم وفسادهم المستشري، ويعملون على تأسيس دولة الطغيان والتنكيل والقتل التي ادعوا أنهم جاؤوا لتغييرها.
وأكّدت الهيئة في رسالة مفتوحة للشعب العراقي بمناسبة الذكرى العشرين لاحتلال العراق؛ أن أي عملية سياسية لا بد لها من شرطين مهمين لنجاحها، وهما: وضع الأسس الصحيحة لبناء العملية السياسية، ووجود رجال سياسة من أصحاب الخبرة، والولاء لبلدهم، مبينة أنه إذا نظرنا إلى العملية السياسية القائمة في العراق؛ فسيتضح أن سبب فشلها هو فقدان هذين الشرطين؛ فقد بنيت على أساس خاطئ، وهو المحاصصة الطائفية والعرقية وليس على أساس المواطنة، وهو أمر لم يشهده العراق عبر التاريخ، ولم يألف شعب العراق صيغته، ولم يستطع التعامل معه حتى هذه اللحظة.
وكشف رسالة الهيئة أن الطائفية السياسية أدت إلى تغييب الهوية الوطنية للبلاد من أجل شدّ كل مكون نحو امتداده الطائفي أو العرقي، فضلًا عن أن هذه المحاصصة قد أقيمت على تصورات وتقديرات غير واقعية لمجمل القضايا، ومنها التركيبة المجتمعية والنسب السكانية، وبدأ ذلك في مجلس الحكم، الذي شكل على وفق هذه التصورات والتقديرات المغلوطة؛ مما تسبب بمشاكل لا حصر لها، وفتح منافذ خطيرة للنزاعات الداخلية.
وذكرت الهيئة في رسالتها أن الساسة الطائفيين لم يتمكنوا من تسيير أمور البلاد، فقد أغرقوه في الديون والصراعات الداخلية، وتركوا شعبه نهبة للبطالة، وغياب البنية التحتية، من كهرباء وماء صالح للشرب، وتعليم وخدمات صحية، وغير ذلك من كوارث جعلت العراق يتذيل قائمة كل المؤشرات الدولية ذات الطبيعة الإيجابية، ويتصدر القوائم المخالفة لها، فهو في موضع متقدم من حيث ارتفاع نسبة الجريمة المنظمة، والفساد، وحالات الإعدام، وقتل الصحفيين، وتردي الوضع الأمني، والبيئي، وعدم الصلاحية للعيش، وغير ذلك. فيما ما زالت كثير من الملفات السياسية والأمنية غير محسومة، ولا سيما ما يتعلق منها بالجانب الإنساني، وأبرزها: قضيتا المغيبين قسريًا ومصيرهم المجهول، والوعود غير المنفذة بإعادة النازحين والمهجرين إلى مناطق سكناهم.
وخاطبت هيئة علماء المسلمين العراقيين بقولها “إن من يحكمكم ويتسلط على رقابكم يستند على قوانين ودستور جرت كتابته في ظروف سياسية وأمنية غير طبيعية؛ فقد كتب في ظل الاحتلال، وتحت ضغوطه من الناحيتين الزمنية والعملية؛ مما أدى إلى كتابة دستور (مكونات) مليء بالثغرات والتناقضات وليس دستورًا وطنيًا، وأصبح اليوم مشكلة بحد ذاتها بدل أن يكون وسيلة لحل المشاكل، وهذا بشهادة من يستعمله للبقاء في سدة الحكم ويتخذه وسيلة للظلم واستمرار الفساد، فضلًا عن كونه دستورًا عصيًا على التعديل بسبب ما وضع فيه من معوقات، وعدم واقعية الفقرات الناصة على ذلك فيه، مما جعلها صورة من صور الاستخفاف بالشعب العراقي المستمرة منذ الاحتلال وحتى الآن، وزيادة على ما تقدم فقد تعمدت الطبقة السياسية الحاكمة على استعمال الدستور كأداة للضغط على المواطنين ووسيلة مستمرة لإرهابهم.”
وأوضحت الهيئة أن ما تقدم ذكره جرَّ على العراقيين أمورًا سيئة كثيرة، وأرغمهم على العيش في ظل ظروف غير طبيعية بالمرة، منها إدارة الدولة بيد من لا يحسن إدارتها، ولا يملك الخبرة اللازمة لذلك، واحتكار عدد محدود من السياسيين لمناصب السلطة، وتكرار ظهورهم في كل عملية سياسية؛ حيث لا يتغير فيهم إلا اسم المنصب، والموقع، والصفة، وقيام السياسيين الحاليين على مدى العقدين الماضيين باستهداف من يرونهم خصومًا ومنافسين لهم على السلطة بالقتل والاعتقال والإقصاء، وهيمنة إرهاب الميليشيات المدعومة من هؤلاء السياسيين، وحرص الأحزاب والمنظمات التي كانت محتضنة في الخارج لدعم مصالح الدول التي رعتها على حساب مصالح العراق وشعبه، مما يفسر تهريب العملة الصعبة إلى بعض دول الجوار وتعطيل مشاريع التنمية في العراق، إلى جانب عدم رغبة القوى المتحكمة بالمشهد السياسي في العراق في الإصلاح السياسي من أجل الوطن وبناء الدولة؛ خشية أن تفقد مواقعها ونفوذها ومكتسباتها والامتيازات التي حصلت عليها.
وأكّدت الهيئة في رسالتها إلى العراقيين على أن تغيير الأوضاع الحالية في العراق يتطلب جهودًا عراقية ودولية استثنائية؛ والإقرار ابتداءًا بأن النظام السياسي الحالي فيه الكثير مما وصل إلى أعلى درجات السوء والخطايا الكبيرة، مما لا بد للمجتمع الدولي من أن ينتبه إليه ويقر به، ويغادر سلوكه المزدوج في التعامل مع قضايانا، ويبدي استعداده للعمل على فتح ملف العراق من جديد لإنجاز التغيير المنشود، والتخلي عن الدعم المطلق للعملية السياسية التي وصلت إلى طريق مسدود، ولشخوصها الذين كانوا وما يزالون ينتقلون من فشل إلى فشل أكبر من سابقه.
ودعت هيئة علماء المسلمين أبناء الشعب العراقي المتطلع إلى الخلاص، إلى أن يوحّد صفه وموقفه من هذا النظام الذي لم يحسب يومًا حسابًا لشعب العراق ومتطلباته وتغيير أحواله إلى الأحسن؛ فتوحيد الموقف ورص الصفوف هما الخطوة الأولى في طريق تغيير هذا النظام وشخوصه الفاسدين، وبناء عملية سياسية جديدة على أسس المواطنة والوطنية والكفاءة بعيدًا عن المحاصصة والطائفية.